عبد اللطيف شعبان
كثيرة كانت “النَّعم ” التي قِيلت على ألسن نسبة كبيرة من المواطنين – خلال عمر العهد المنصرم – لمئات من التصرفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية السلبية التي مارستها السلطات السابقة البائدة، وبعض النَّعم كانت عن رضا وبعضها الآخر كان مسايرة لواقع الحال أو تقليدا لا بصيرة فيه، وبعضها الآخر كان مُكرها أو أقرب إلى الإكراه، أكان ذلك من عامة المواطنين أو من كبار رجال الدين وكبار المثقفين وأصحاب الكفاءات و كبار أصحاب المهام الوظيفية على تعددها وتنوعها وقد استمروا بذلك لسنوات، ومن بينهم الكثير من أولئك الذين انشقوا عن السلطات الرسمية (على تعددهم وتنوعهم ) بدايات عام / 2011 وما بعدها / إذ كثيرا ما قالوا نعم ومع التصفيق الحاد لكثير من الحالات، ولسنوات عديدة من وجودهم في هذا الموقع أو ذاك.
أيضا ليسوا قلة أولئك الذين قالوا “لا ” – ممن تم ذكرهم أعلاه – بشكل أو بآخر للعديد من الحالات في عهد المرحلة البائدة ، و كثير من اللَّا الشفهية تم تناسيها، ولكن الكثير من حالات اللا الخطية مثبتة في محاضر آلاف اجتماعات اللجان والهيئات والمنظمات والأحزاب ومؤتمراتها التي سجلت الكثير من أشكال هذه اللَّا التي قالها وطنيون أشراف بين زمان ومكان بطريقة وأخرى، وخاصة ما كان منها بصيغة النقد البناء أو الدلالة على إجراء خاطئ أو قصور أو تقصير أو حالة فساد أو كسب غير مشروع، أو ما تعلق بالكثير من الوعود الوهمية التي كانت تصدر عن السلطة تحت عنوان مقررات وتوصيات وتتكرر من مؤتمر لآخر لسنوات عديدة، وأيضا دون المئات من المهتمين بالشأن العام من كتاب وإعلاميين الكثير من حالات هذه اللَّا بصيغة وأخرى على صفحات عشرات الدوريات الإعلامية على تنوعها وتعددها – الرسمية والخاصة – في أعدادها خلال العقود المنصرمة وتحديدا ضمن صفحاتها الاقتصادية، وكثيرا ما تكرر ذلك، ونفس اللَّا ظهرت وتكررت مرارا في الملتقيات المتخصصة وورشات العمل.
المفارقة الكبرى أن السلطات العليا في الحكومات المنصرمة كافأت العديد من أصحاب كلمة النَّعم العشوائية الدائمة الانبطاح بتعيينهم في مهمات قيادية متنوعة، إلى جانب منحهم استفادات أخرى عديدة، واكتفت بإبداء إعجابها وارتياحها لمن صفقوا لها من وراءهم، أكانوا مقتنعين أو مسايرين أو مكرهين، وقد استوعبت هذه الحكومات– في العديد من الحالات – أصحاب كلمة اللَّا الهادئة المرنة الصادرة عن بعض أصحاب كلمة النعم، ولكنها تعامت مرارا عن الكثير من اللَّا الصادرة عن آخرين، وأبعدت جميع أصحاب اللَّا المتشددة – رغم موضوعيتها – عن المهام الوظيفية وخاصة العليا منها، لا بل من المؤسف أن الإقالة من الوظيفة أو السجن أو أسوأ من ذلك طال العشرات من أصحاب اللا العالية الصوت والتي كانت ملحَّة وأكثر منطقية.
وفي السنوات الأخيرة تعمدت السلطات تجاهل الكثير من اللَّا، وكأنها تقول لأصحابها قولوا ما تشاؤون ونحن نفعل ما نشاء، إلى أن طفح الكيل وتسبب بانطلاق اللَّا الصاخبة في الشارع بالصوت العالي الرافض، ولكن السلطات الحاكمة استخدمت ضد هذه اللَّا القمع والإقصاء بدلا من التروي والإصغاء، إلى أن استفحلت الأمور على أشدَّها وانقلب السَّحر على السَّاحر وانهارت سلطة عشرات السنوات خلال عشرات الساعات ، وكل ذلك حدث لأن كفَّة النعم المطفَّفة المفخَّمة هي التي كانت الراجحة دوما في عهد الحكومات السابقة، على حساب كفة اللَّا المخفَّفة المقزَّمة، ما تسبب بحلول الويل الذي نص عليه الذكر الحكيم بقوله تعالى: ” ويلٌ للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون “.
والآن أرى أن الواقع الجديد يتطلب حكمة أولي الأمر الجدُدْ في الاستفادة من أخطاء الحكومات السابقة والحرص الشديد على ضمان توازن كفتي ميزانها بين من يقول لهم ” نعم ” حين يُصيبون وبين من يقول لهم ” لا ” حين يُخطئون، وأن تكون النَّعم المؤيدة الصادقة واللَّا المنطقية المعارضة عندهم بنفس درجتي التقدير، وما بدر عن القيادة الجديدة حتى الآن يوحي بالأمل باستفادتها ممَّن جرَّب وخرَّب من منطلق ” اسأل مجرب ولا تسأل او تنسى حكيم” وأن تكون حكيمة فيما يصدر عنها من قوانين وتشريعات وما تتخذه من تدابير وإجراءات، عملا بقوله تعالى ” واعتبروا يا أولي الأبصار ” .
*الكاتب:عضو مشارك في اتحاد الصحفيين
(موقع اخبار سورية الوطن-1)