فادية مجد:
حكاية وجع ومعاناة وشكوى عمرها أكثر من نصف قرن هي العنوان العريض لسكان الواجهة البحرية الشرقية الجنوبية في مدينة طرطوس، تلك المنطقة الممتدة مسافة كيلو ونصف من مطعم مشوار شمالا وحتى نهر الغمقة جنوبا، والتي لايسمح لسكانها والذين يتجاوز عددهم ١٥ ألف نسمة أن يتصرفوا ببيوتهم المتهالكة، ( لا ترميم ولا توسيع ولا بيع ) بسبب عدم تصديق المخطط التنظيمي حتى تاريخه، هي حكاية جرح لم يلتئم وصرخات استغاثة ومناشدات لم تجد من يغيثها ويسمع صداها سوى البحر .. ولتخيب آمال الأهالي مجددا، وتذهب أدراج الرياح بعد قرار وزارة الإسكان والأشغال العامة منذ أكثر من شهرين بعدم تصديق المخطط التنظيمي المقترح من قبل جامعة تشرين في تموز ٢٠٢٠، ولتعود الأمور الى نقطة الصفر.
*وجع السنين !!..
والسؤال:
ماذنب الأهالي المعرضين في أية لحظة أن تقع أسقف منازلهم عليهم بسبب تصدعها وأن يبقوا مخنوقين لايستطيعون التصرف ببيوتهم والتي هي أشباه بيوت ؟!
وهل يليق بطرطوس وهي المحافظة السياحية أن ترى بيوتاً أشبه بالخرابة على كورنيشها البحري ؟
*أشبه بالخرابة ؟!..
الثورة التقت أهالي الواجهة الشرقية الجنوبية والذين تحدثوا بألم عن معاناتهم بالقول إنهم يعيشون في خرابة ، فأسقف بيوتهم متصدعة ، وفي فصل الشتاء يعانون البرد و المطر الذي يتسرب من الأسقف المتصدعة، عدا عن الرطوبة وانتشار الحشرات والجرذان والقمامة في حي يفتقد للكثير من الاهتمام.
*ممنوع الاقتراب أو التصوير !..
يقول العم “أبو أيمن : نعيش في ظروف غير صحية، في بيوت تضيق علينا، وممنوع أن نرمم أو نشيد غرفة او نبيع بيوتنا، هكذا حكم علينا، لافتا الى أنه راجع بلدية طرطوس من أجل النظر بحال أسقف بيته المتصدع عدة مرات، دون أن يحصل على نتيجة ، وفي آخر مرة أرسلوا له مهندساً للكشف، والذي حضر وكتب ، ليتفاجأ بعد أيام بإرسال إنذار مسجل له بأنه يقوم بترميم بيته، وهو الذي لم يفعله ، ولايملك حتى القدرة المالية على فعل ذلك.
* في مهب الريح !!..
أما “أبو ابراهيم” فقال : هل عجزت الجهات المعنية عن تصديق المخطط التنظيمي، ألم يكفهم أكثر من خمسين سنة، ونحن نعاني ومحكومون؟
فلا نستطيع تحسين احوالنا أو ترميم منازلنا ، هل يعقل أن نعيش عشرة أنفس، في بيت مساحته مئة متر مربع ؟!
أبناؤنا اغلبهم سافر لعدم القدرة على شراء منازل ، فنحن لا نستطيع مساعدتهم بشراء بيوت لهم وتزويجهم ، فبيوتنا غير مسموح بيعها ، واستغاثاتنا في مهب الريح فمن ينقذنا؟
*منح تراخيص بناء ..
عدد من الأهالي تمنوا أن يكون أحد من الجهات المعنية بينهم ، ليسمع وجعهم وشكواهم ، مشيرين الى ان هناك ٦ كتل برجيات وضمن منطقة المخطط التنظيمي قد حصلت على تراخيص بناء…فكيف حصل ذلك !!؟
وأكد الأهالي في ختام لقائنا معهم أنهم متمسكون ببيوتهم ، ولن يتنازلوا عن حقهم ، ولن يدفعهم أمر المماطلة بتصديق المخطط التنظيمي الى بيع بيوتهم الى حيتان التجار بتراب المصاري كما يعتقدون وينتظرون.
*دويخة المراسلات والاجتماعات..
بتواصلنا مع مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة طرطوس المهندس “حسان نديم حسن ” وضعنا بتفاصيل المراسلات والاجتماعات خلال السنتين الماضيتين حيث أفاد بأن مجلس مدينة طرطوس وأمام إصرار الجهة الدارسة وهي جامعة تشرين لجهة أن الملاحظات التي تم ذكرها في كتاب وزارة الأشغال العامة والإسكان رقم 2673/ص تاريخ 8/3/2021 تمس أساس الدراسة التي راعت بشكل أساسي حل مشكلة التشابك العقاري التي تعاني منها الواجهة الشرقية.
وحيث إن المنطقة تقع ضمن المخطط التنظيمي المصدق لمدينة طرطوس بالقرار الوزاري رقم 1101 لعام 2006، ولم يتم تقديم طلبات ترخيص إلا من قبل مالكي بعض المقاسم التنظيمية ، بالإضافة إلى أن المنطقة المدروسة ليست منطقة غير مبنية أو منطقة توسع ، إنما هي منطقة تضم عددا كبيرا من المنازل السكنية المشغولة من قبل قاطنيها، ويتراوح عرضها بين 31م وحتى 129م كحد أعلى وبطول حوالي 1458 م ، الأمر الذي يحول دون إمكانية مراعاة الهرمية في تدرّج النسيج العمراني للواجهة باتجاه الداخل.
وأضاف : ونظراً لأهمية الموضوع للمصلحة العامة ولمصلحة المالكين ومصلحة المدينة وحيث إن البند /ب/ من المادة /4/ من التعليمات الموحدة للمرسوم التشريعي رقم /5/ لعام 1982 ، المعدل بالقانون رقم /41/ لعام 2002 ينص على أنه : “يحق لوزير الإسكان والمرافق عند البت بموضوع الخلاف إما الموافقة (الكلية أو الجزئية) أو عدم الموافقة على رأي اللجنة الفنية الإقليمية فيما يتعلق بكل موضوع ، ويكون هذا الرأي ملزماً للجميع ، ويبلغ إلى اللجنة الفنية الإقليمية لاعتماده بموجب محضر اجتماع موقع من رئيس وأعضاء اللجنة”.
مبينا أنه تمت مراسلة السيد محافظ طرطوس للاطلاع والإحالة إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة لمخاطبة وزارة الأشغال العامة والإسكان من أجل البت بالخلاف الحاصل بين أعضاء اللجنة الفنية الإقليمية والمثبت بمحضرها رقم 1522/ص/10/11 تاريخ 30/7/2020 ، وإصدار قرار ملزم للجميع حول الدراسة المقترحة.
لافتا الى أنه تم لاحقاً من أجل ذلك عقد اجتماع في مبنى وزارة الأشغال العامة والإسكان بتاريخ 23/3/2022 برئاسة السيدة معاونة وزير الأشغال العامة والإسكان المهندسة ماري كلير التلي وحضور رئيس مجلس مدينة طرطوس والمعنيين من المدينة مع ممثلي وزارتي الأشغال العامة والإسكان ووزارة الإدارة المحلية والبيئة.
وذكر المهندس “حسن” أنه لاحقا لهذا الاجتماع ورد كتاب وزارة الإدارة المحلية والبيئة المنتهي إلى عدم الموافقة على تعديل المخطط التنظيمي المصدق لمدينة طرطوس للواجهة الشرقية للكورنيش البحري الممتد من نهر الغمقة جنوباً وحتى مطعم مشوار شمالاً.
*تعديل الدراسة ..
وأوضح “حسن” أنه يحق لمجلس المدينة (كونها الجهة المعنية بالدراسات التخطيطية لهذه المنطقة قبل عملية التصديق) العمل بشكل تكاملي وشمولي إما عبر تعديل الدراسة وفق الملاحظات المرسلة سابقاً أو عبر دراسة جديدة من خلال الإعلان عن مسابقة يتم الإعداد لها أصولاً ضمن ضوابط فنية قانونية تخصصية تراعي الأهمية المحلية والإقليمية والوطنية للمشروع أو عبر تشكيل لجنة فنية موسعة من خبراء التخطيط لوضع الحلول البديلة المناسبة.
مشيرا الى أنه تم بناءً على هذا الكتاب مخاطبة الجهة الدارسة لضرورة العمل على تعديل الدراسة وفق الملاحظات المرسلة بكتابي وزارة الأشغال العامة والإسكان ، ليتم إثر هذا الكتاب ورود كتاب جامعة تشرين بتاريخ 27/4/2022 المتضمن طلب تحديد اجتماع لاستدراك بعض الملاحظات الواردة في كتب وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقة الذكر.
*القرار لمجلس المدينة..
وختم المهندس “حسن” تفاصيل القضية بالقول إنه تمت مؤخراً مخاطبة محافظة طرطوس بتاريخ 24/5/2022 للاطلاع والموافقة على إحالة الموضوع إلى اللجنة الفنية الإقليمية استناداً إلى البند /ب/ من المادة /4/ من التعليمات الموحدة للمرسوم التشريعي رقم /5/ لعام 1982 المعدل بالقانون رقم /41/ لعام
2002 ، مبيناً أنه يجري العمل حاليا في مجلس مدينة طرطوس على دراسة الملف واتخاذ الإجراءت المناسبة.
*اختيار الأفضل
من جهته رئيس مجلس مدينة طرطوس القاضي “محمد زين” أشار لنا الى أن مديرية الشؤون الفنية في مجلس المدينة لديها عدة خيارات من الحلول لتلك القضية، وسوف تختار أفضلها وبما يتناسب مع المصلحة العامة أولا ومن ثم مصلحة السكان ، مبيناً أنه تم تشكيل لجنة لدراسة قضية الواجهة الشرقية البحرية وإن شاء الله نصل لحل خلال فترة قريبة لهذا الملف الجامد منذ سنوات.
*وأخيرا ..
بعد كل هذه السنوات الطويلة من الاجتماعات والمنازعات والمماطلات هل سيحسم مجلس مدينة طرطوس القضية ويتخذ الإجراءات السريعة لتصديق المخطط التنظيمي أم سيبقى هذا الملف معضلة يصعب حلها وأسير المراسلات والخاسر الأكبر سكان الواجهة البحرية… سنبقى على متابعة لما سيجري.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة