الرئيسية » السياحة و التاريخ » الوجه الآخر للسياحة

الوجه الآخر للسياحة

يجد بعض الأخوة المهتمين بالشأن العام – ولاسيما مُحدثي الاهتمام بعد ظهور العالم الإفتراضي وانتشاره الواسع – أن أي اهتمام بالسياحة سيكون قبيحاً في مثل هذه الظروف وما هو إلاّ أشبه بالكفر بعينه، ففيما ينتظر الناس قرارات جدية تساهم في تحسين مستوى المعيشة والتخفيف من حدة الأزمات الضاغطة تأتيهم صواعق الاهتمام بالمشاريع السياحية التي لا يمكن لفقير أن يستفيد منها بشيء، فهي مخصصة للأغنياء وسعادتهم ولهوهم وزيادة رفاهيتهم، على حساب تعاسة الفقراء وزيادة انغماسهم بالبؤس ( والعزا والشحّار ).

وقد نال السيد رئيس الحكومة في هذه الفترة نصيباً وافراً من الانتقادات على صفحات التواصل الإجتماعي، بعد قيامه بوضع حجر الأساس لمشروع إشادة مجمع سياحي وُصِفَ بالممتاز على شاطئ اللاذقية، تبلغ قيمته العقدية نحو 150 مليار ليرة سورية، حيث أثار هذا النبأ حفيظة الكثيرين وبدأت مقارنات الاهتمام، وأن هذا المبلغ الضخم كان كفيلاً بتحسين الأوضاع في عدة اتجاهات بدلاً من صرفه على مجمع سياحي لن يجرؤ فقير – عند اكتماله – من الاقتراب منه.

وما كادت وتيرة الانتقادات أن تخف حتى دشن رئيس الحكومة فندق كولدن مزة، لتتجدد موجة الانتقادات أسوأ مما كانت عليه.

ما نريد قوله هو أن مثل تلك الانتقادات للاهتمام الحكومي بمثل هذه المشاريع ناجمة بكل تأكيد عن زيادة الضغط التي تنتجها بإتقان صعوبات العيش، وما يلفُّ حولها من معاناة وأوجاع، مترافقة مع أداء حكومي يبدو باهتاً – من حيث النتائج حتى الآن على الأقل – لجهة التصدي لمجمل الأزمات التي لا تهدأ، فبدا المشهد متناقضاً، غير أن الوقائع والمعطيات التي ستنجم عن مثل هذه المشاريع – لمن يريد أن يراها بعين العقل – ليست كما يظنها بعض المنتقدين، وليس صحيحاً النظر إليها على أنها مجرد مرابع وليالي أنسٍ للأغنياء، وأعتقد أن هذا لا يعبّر بالمطلق عن سر الاندفاع الحكومي بهذا الاتجاه، فللمشاريع السياحية أبعادٌ مجتمعية واقتصادية لا يجوز إغفالها، لا بل فإن إهمالها سيكون من السذاجة وقلة الحيلة.

فالمشروع السياحي يحتاج إلى فريق عملٍ متكامل يكون قادراً على النهوض به وإنجاحه، إذ لكل مشرع إدارة تحتاج إلى إداريين وماليين، وطاقم استقبال واستعلامات، وطواقم إعداد الطعام وملحقاته، وتقديمه للزبائن، يحتاج أيضاً إلى منظفين، ومنقذين وخدمات شاطئية مختلفة بالنسبة للمشاريع البحرية، والعديد من المهن الأخرى، كما أنه جذّاباً لإقامة العديد من المحال والأكشاك بجواره من أجل تلبية طلبات رواده سواء كانوا سياحاً أم غير سياح، ويمكن له أن يُنعش خدمات سرعان ما تتكاثف حوله تلقائياً كالخدمات البنكية وخدمات النقل وصيانة السيارات وركنها .. وما إلى ذلك، وهذا كله – بالنهاية – يعني فرص عملٍ حقيقية ومجزية سيحظى بها الكثيرون من العاطلين عن العمل الآن.

وبمقدار ما يكون المشروع ناجحاً فإنه يكون جذاباً أكثر للسياح .. والعكس صحيح، ونعتقد أنه لا يخفى على منتقدي هذه المشاريع أن الجذب السياحي بشكل عام يعني مردوداً لا يُستهان به من القطع الأجنبي الذي يعمل أعداء سورية بكل ما أوتوا من قوة لتجفيفه من البلاد، وهو ملاذنا لتأمين ما يمكن تأمينه من القمح والأدوية والمشتقات النفطية، ولذلك بمقدار ما نهتم بالمشاريع السياحية بمقدار ما تكون سورية أكثر جذباً للسياح .. وهي أهلٌ لذلك، وبالتالي أكثر قدرة على تخطّي معاناتها.

من هنا نأمل لملتقى الاستثمار السياحي الذي انطلق اليوم في دمشق أن يحصد أفضل النتائج، بإبرام عقود مع مستثمرين يمضون بقوة نحو تنفيذ المزيد من المشاريع السياحية.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الأميرة السورية التي أعطت”أوروبا”إسمها 

      تعد سوريا أول وأقدم موطن للحضارة الإنسانية قاطبة ، ففوق أرضها قامت وتقاطعت حضارات الشرق كافة ، وكانت المركز والموطن والمنطلق للعديد ...