| د. سعـد بساطـة
تعـريف الاستعـمار لغـة : هو غـزو دولة لأخرى لتحقيق مصالح وغـايات!
ما دفعـني لكتابة هذه الكلمات.. سماعـي أكثر من متنطع يحن لأيام فرنسا؛ لا شك بأن الدول المستعـمرة (بريطانيا- فرنسا – إيطاليا- بلجيكا- هولندا والبرتغـال..) لا تغـزو الدول الأضعـف؛ بغـية نشر ثقافة أم مد الحضارة؛ بل تغزوها طمعـاً في ثرواتها؛ وهذه الأنشطة تمديد للقرصنة – بشكل دولة-!
قوات أميركية في الشمال السوري؛ والهدف المعـلن طرد التطرف (أي متطرفين؟ هي من خلقتهم وسلحتهم)؛ وهي تنهب حقول النفط بكل وقاحة؛ وتشحن السيليكات لأميركا من دون تعـويض؟
صالت وجالت الدول الأوروبية المسلحة في آسيا وإفريقيا؛ ونهبت آثاراً وثروات نجدها في متاحفها؛ ونلمس نتائجها في اقتصادها؛ وهي تتشدق الآن بكل بجاحة بالعـدالة والديمقراطية وغـيرهما من الشعـارات البراقـة؛ وقد تناست أن الهند كانت لعـقود «درة التاج البريطاني»؛ ونبعـاً للتوابل والشاي لبريطانيا؛ واللآلئ في تاج ملوكها منهوبة من تلك الدول؛ أما فرنسا فقد استوطنت 130 سنة في الجزائر محاولة طمس هويتها؛ وبرز هنالك المستوطنون الفرنسيون الذين استولوا عـلى الأراضي الخصبة؛ وكانت جحافل المدرسين والكتب السوريــة أو ل من هرع إلى هناك بعـد الاستقلال للبدء بحركة التعـريب.
وهي في زحفها – كالميكروبات –باتت الآن تتحدث عـن الثقافة الفرنكوفونية؛ وتعـزف عـلى وتر الحضارة والحداثة إلخ..
وهذا يقودنا إلى أحد أشكال الاستعمار القديم: العـثماني – الذي اتخذ من الدين مطية له- ولا تزال بقايا ذكرى مشانق الأحرار التي اقترفها جمال (من دون «باشا») السفاح ؛ حيث صال العـثمانيون وجالوا ناهبين الثروات باسم الدين؛ وهو منهم براء؛ فسرقوا حبوب سورية، وبن اليمن؛ وسبوا وطغـوا وبغـوا (وللأسف لا يزال بعـض السفهاء من السذج في بلادنا يصدقون أن هدف العـثماني نشر ديـن السماحة). والآن يعـود ليعـزف الأسطوانة المشروخة نفسها؛ بلحنها الممجوج؛ للتدخل في ليبيا وسورية وغـيرهما!
نتساءل هنا ببراءة: هل كان هدف الاستعمار البريطاني بصلفه؛ تحرير إفريقيا من الأوبئة؛ ونشر الحضارة.. أم نهب ثرواتها ومعـادنها الثمينة؛ وتشغـيل رجالها عـبيداً في مزارع ومصانع الغـرب!؟
مؤخراً تزاحم المتظاهرون الغـاضبون لتحطيم تمثال بعد 125 عاماً من بنائه لإسقاط النصب البرونزي لتاجر الرقيق إدوارد كولستون (توفي 1721) قرب ميناء نهر بريستول جنوب غرب بريطانيا، الذي كان أحد أهم موانئ تجارة الرقيق في بريطانيا. وبدا أن الكثيرين راضون عن الخطوة التي قام بها المتظاهرون تضامناً مع حركة «حياة السود مهمة». ما أثار حواراً واسع النطاق حول تماثيل وآثار أخرى يقول المتظاهرون والمحتجون إنها تركز على العنصرية والعنف الاستعماري.
ومن هذه التماثيل الموضوعة على قوائم المتظاهرين نصب تاريخي للزعيم الإنكليزي ونستون تشرشل الذي يتهم بتبني وجهات نظر عنصرية بيضاء، وبكونه مسؤولاً عن سياسات وحشية في الهند «درة تاج» الإمبراطورية البريطانية السابقة.
فهل نتخطى موجة التماثيل لنصل للتحرر الفعـلي من أشكال الاستعـمار الحديث؟
حكاية من التاريخ: في القرن التاسع عشر عاش الألمان على جانب واحد من نهر الراين في مولهايم بألمانيا، والفرنسيون على الجانب الآخر. وكان الفرنسيون يعبرون الجانب الألماني من النهر كل عام ويجمعون كل المحاصيل عنوة وتحت تهديد السلاح. في ذلك الوقت لم يستطع الألمان الضعفاء الذين لم يتمكنوا من ضمان وحدتهم، التحدث كثيراً والدفاع عن حقوقهم، خصوصاً أن ذلك كان يحدث كل عام، ولهذا وجدوا الحل عن طريق كتابة ما يحدث إلى السلطان العثماني وطلب المساعدة.
تنص الرسالة على ما يلي: «يضطهدنا الفرنسيون كل عام، ويسلبوننا محاصيلنا، وأنت سلطان إمبراطورية تنشر العدل في كل العالم وخليفة الإسلام، أنقذنا من هذا الظلم وأرسل جنودك إلينا وامنحنا الفرصة لجمع ما لدينا من المحاصيل هذا العام». السلطان الذي درس طلب المساعدة من الألمان، لم يعتبر أنه من الممكن أو الضروري إرسال الجنود، حيث رأى أنه يكفي فقط إرسال الملابس العسكرية بدل الجنود!!
وبالفعل تم إرسال ثلاثة أكياس مملوءة بالملابس العسكرية مع رسالة رداً على طلب النجدة، فيما فوجئ الألمان عندما قرؤوا الرسالة: «الفرنسيون رجال جبناء، لا داعي لإرسال الجيش الانكشاري إليهم، يكفيهم فقط أن يروا ملابس الانكشارية، ألبسوا رجالكم ملابس الجندي العثماني، وتجولوا بها على النهر خلال فترة حصاد المحصول، هذا يكفي للفرنسيين لكي يعرفوا حدّهم». وعلى الفور ارتدى سكان المنطقة ملابس الجنود العثمانيين، وفي وقت الحصاد بدؤوا بالتجول حول ضفة النهر بملابسهم الانكشارية بحماس كبير.
في اليوم التالي تسببت الأخبار بصراخ الألمان فرحاً حيث إن الأخبار كانت تقول: «الفرنسيون الذين يعتقدون أن هناك مساعدة تأتي من العثمانيين، يغادرون قراهم بخوف ويهربون نحو الداخل، الآن يمكننا بسهولة جمع المحاصيل، وانتهى الاضطهاد» لقد أقام هذا الحدث عُرساً في قلوب سكان منطقة مولهايم بألمانيا، حيث وضعوا الملابس الانكشارية التي كانوا يرتدونها في متحف كارلسروهر في مولهايم وفتحوها للزوار. كما علقوا العلم العثماني على أطول مبنى في المدينة، إضافة إلى ذلك ما زالوا ينظمون كرنفالاً في المدينة في ذكرى هذا الحدث ويحتفلون به من خلال تمثيل ما جرى.
أذكـر في الختام أن الاستعـمار لن ينتهي؛ مادامت هنالك ثروات ومطامع؛ وهو مثل الفيروسات لا تنفك تغـيـر أشكالها للتغـلـب عـلى المضادات الحيوية المألوفة؛ والسباق جار ما بين الداء والدواء؛ فأيهما ينتصر!؟
سيرياهوم نيوز1-الوطن