على مدى السنوات الماضية، واجهت منصة “تيك توك” موجة انتقادات دولية واسعة، تقودها الولايات المتحدة، بسبب طبيعة البيانات الضخمة التي تجمعها عن المستخدمين حول العالم. ورغم أن طريقة جمع البيانات تبدو للوهلة الأولى مشابهة لتلك التي تنتهجها منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، فإن القلق الحقيقي يكمن في حجم هذه البيانات، وآلية التعامل معها، ونوعيتها.
أكثر من مجرد تطبيق ترفيهي
تتجاوز منصة تيك توك حاجز 1.5 مليار مستخدم نشط شهريًا، ما يعني كمية هائلة من البيانات يتم جمعها يوميًا، تبدأ من معلومات بسيطة مثل الاسم والبريد الإلكتروني، إلى تفاصيل دقيقة تشمل نمط التصفح، الجهاز المستخدم، الموقع الجغرافي، وسجل الشراء والتفاعل. وفي تقرير نشرته صحيفة El País، وصف أحد المستخدمين البيانات التي تملكها “تيك توك” بأنها تعرفك أكثر من والدتك أو طبيبك النفسي، وهو توصيف يعكس مدى التغلغل العميق للمنصة في تفاصيل حياة المستخدمين.
بيانات أكثر من اللازم؟
رغم أن جمع بيانات المستخدمين هو سمة شائعة في عالم التطبيقات الرقمية، فإن تيك توك توسّع من هذه العملية لتشمل حتى البيانات المرتبطة بشبكة الإنترنت المستخدمة، ونوع الاتصال، ومزود الخدمة، وموقع الاستخدام في كل مرة يُفتح فيها التطبيق، فضلًا عن الوصول إلى جهات الاتصال، وسلوك التصفح داخل التطبيق، وحتى النقرات والتمريرات.
وتوضح سياسة الخصوصية للمنصة أن هذه البيانات تُستخدم لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، من أجل تقديم محتوى أكثر توافقًا مع اهتمامات المستخدم. وتُعد خوارزمية تيك توك واحدة من أقوى خوارزميات التوصية على الإطلاق، ما يفسر متوسط الاستخدام المرتفع للتطبيق، والذي يبلغ نحو 55 دقيقة يوميًا، و34 ساعة شهريًا.
ماذا تعرف تيك توك عنك؟
يمكن للمستخدمين الاطلاع على البيانات التي تجمعها “تيك توك” من خلال تحميل سجل الاستخدام عبر إعدادات الحساب. وستُفاجأ بمدى التفاصيل المخزنة، مثل عدد المقاطع التي شاهدتها، تاريخ المشاهدة، طبيعة التفاعل مع كل مقطع، وحتى إن كنت قد شاركته مع شخص آخر وتفاعله معه.
تقليل أثر البيانات.. هل هو ممكن؟
تشير شركة الأمن السيبراني “ESET” إلى أن تقليل حجم البيانات التي تجمعها المنصة ممكن، لكنه لا يلغيها تمامًا. ومن أبرز الخطوات المقترحة:
استخدام تيك توك من المتصفح بدلًا من التطبيق.
تعطيل خدمات التتبع وملفات تعريف الارتباط.
استخدام بريد إلكتروني وهمي ورقم هاتف غير مرتبط بحسابات أخرى.
منع التطبيق من الوصول إلى جهات الاتصال والموقع والكاميرا والميكروفون.
تعطيل تخصيص الإعلانات.
حذف سجل الاستخدام بشكل دوري.
هل الاتهامات بحق تيك توك مبرّرة؟
رغم عدم وجود أدلة قاطعة على أن “تيك توك” تشارك بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية أو أي جهات خارجية، فإن القلق مستمر، خصوصًا أن إدارة الشركة الأم “ByteDance” تقع تحت مظلة القوانين الصينية، التي تتيح للحكومة الوصول إلى بيانات أي شركة محلية إذا تطلب الأمر.
وفي دراسة أعدتها مؤسسة “الإنترنت 2.0” المعنية بخصوصية البيانات، تبين أن المنصة تجمع عددًا كبيرًا من المعلومات التي لا تحتاجها فعليًا لتقديم خدمة جيدة، مما يعزز الشكوك بشأن نوايا استخدام هذه البيانات.
تيك توك ليست المنصة الوحيدة التي تجمع بيانات المستخدمين، لكنها ربما تكون الأكثر طموحًا في تحليل وتحويل هذه البيانات إلى أدوات لتوجيه المحتوى بشكل فائق الدقة. وبينما تُعد هذه التجربة ممتعة وفعالة للمستخدمين، فإنها تطرح تساؤلات خطيرة حول الخصوصية والسيطرة على البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم