آخر الأخبار
الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » «الوضع القائم» لم يعُد قائماً: هدمُ الأقصى آتٍ

«الوضع القائم» لم يعُد قائماً: هدمُ الأقصى آتٍ

 

أيهم السهلي

 

 

في عام 1994، حدثت مجزرة مروعة في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، نفّذها المتطرّف باروخ غولدشتاين بالمصلّين، فاستشهد 29 فلسطينياً كانوا يؤدّون صلاة الفجر. على إثر ذلك، تأسّست «لجنة شمغار» التي قرّرت تقسيم الحرم الإبراهيمي بواقع 63% لليهود و37% للمسلمين. وأخيراً، قالت الصحافة العبرية إنّ سلطات الاحتلال نزعت صلاحيات إدارة الحرم من بلدية الخليل جنوب الضفة الغربية، ومن دائرة الأوقاف، لصالح المستوطنين.

 

لا يَنتظر المسجد الأقصى أقلّ ممّا سبق، سواء بأذيّته وأذيّة المصلّين (في 21/8/1969، اقتحم متطرّف أسترالي الجنسية يدعى دينيس مايكل روهان، المسجد الأقصى من باب الغوانمة، وأشعل النار في المصلى القبلي)، أو بتقسيمه زمانيّاً ومكانيّاً، وتحويل المؤقّت في اليوم إلى دائم كل يوم، تتويجاً لـ«نضال» إسرائيلي مستمرّ، منذ احتلال شرق القدس. على أنّ إسرائيل تدرك أنّ ما تفعله يوميّاً بالمقدّسات، لن يواجَه؛ وهي ستهدم «الأقصى» لاحقاً، ولن تواجَه بأكثر من بيانات استنكار، بات في وسعها أن تطبعها عن المدينين والمستنكرين، وتوزّعها بالنيابة عنهم أيضاً على وسائل الإعلام.

 

من التاريخ القريب

عقب احتلال بقيّة القدس عام 1967، انتشر جنود الاحتلال داخل المدينة، وفي الأماكن المقدّسة، بما فيها المسجد الأقصى، الذي دخلوه بالدبابات والمدرّعات، وأدّى الجنود فيه النشيد الإسرائيلي، ورفعوا علم الاحتلال فوق مسجد قبّة الصخرة، وهتفوا «جبل الهيكل بأيدينا»، فيما كان أحد الحاخامات ينفخ في البوق. لكنّ القائمين على الحرم اتّخذوا إجراءً احتجاجيّاً، فلم يقيموا صلاة الجمعة الأولى (9 حزيران 67) بعد احتلال المدينة، والسيطرة على المسجد.

 

وقد لفت الباحث الفلسطيني المتخصّص في شؤون القدس والمسجد الأقصى، زياد ابحيص، في مقالة له بعنوان «الأقصى بعد تقسيمه» المنشورة في «شبكة القدس»، أنّ وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، موشيه دايان، أدرك أنّ استمرار احتلال القدس، والحصول على «تفويض دُولي، يتطلّب أن تعود الصلاة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة». لذا، «تواصل جيش الاحتلال مع قيادة الأوقاف الأردنية التي كانت مسؤولة عن المسجد قبل احتلاله، واشترط مسؤولها الشيخ عبد الحميد السائح سحب جنود الاحتلال من كامل المسجد بمساحته البالغة 144 ألف مترٍ مربع، حتى يدعو إلى صلاة الجمعة، وبعد تأكّده من ذلك يوم الخميس (15 حزيران) دعا إلى صلاة الجمعة في اليوم التالي».

 

منذ ما قبل احتلال شرق القدس، تدير دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن شؤون «الأقصى»، وظلّت هي المشرفة عليه بعد احتلاله. لكنّ الاحتلال تولّى الإشراف الأمني، واستحوذ على مفاتيح باب المغاربة، حيث يدخل المستوطنون يومياً إلى المسجد الأقصى. ووفقاً لابحيص، فإنّ «الأقصى»، خلال 58 عاماً من احتلاله، انتقل «من مقدس تتولّى إدارته وإعماره المقدّسات الإسلامية، إلى فرض شرطة الاحتلال نفسها باعتبارها الجهة المسؤولة عن المسجد الأقصى، وتهميش الأوقاف الإسلامية إلى خانة إدارة الحضور الإسلامي في الأقصى».

 

هذا الواقع في القدس، يعَدّ تغييراً صريحاً لـ«الوضع القائم»، وهو مرسوم أصدره السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1852، لحلّ إشكالية متعلّقة بالمواقع المقدّسة المسيحية. وتمّ الاعتراف بهذا المرسوم في مؤتمر باريس 1856، وفي معاهدة برلين، ونصّت مادتها الـ62 على أنه «لا يمكن إدخال أيّ تعديلات على الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة». وهنا، بات المرسوم يشمل كل الأماكن المقدّسة في القدس وليس المسيحية فقط.

 

وبعد احتلال المدينة عام 1967، اعترف الاحتلال ظاهرياً بـ«الوضع القائم»، ما يعني إبقاء حالة المقدّسات في القدس كما كانت عليه قبل 5/6/1967، واحترام دور وحقّ الإدارات المحلّية والهيئات الدينية التي كانت قائمة من دون تدخّل من الأطراف الأخرى، مثل دائرة الأوقاف الإسلامية والهيئات التي تدير الكنائس المختلفة، وحظر أيّ تغييرات على الوظيفة الدينية للموقع، من مثل حظر صلاة اليهود في مسجد المسلمين (المسجد الأقصى).

 

لماذا يقتحمون الأقصى؟

فُرضت الاقتحامات كأمر واقع منذ عام 2003، وكانت لا تزيد، بدايةً، على خمسة أفراد، لتصل الأعداد إلى آلاف اليوم، مع تحوّل إسرائيل أكثر نحو اليمين الديني؛ إذ يعتقد اليهود بأنّ موقع المسجد الأقصى بالغ القداسة، وهو ما أكّده الباحث والمؤرّخ، أحمد الدبش، لـ«الأخبار»، بقوله: «اليهود يعتقدون بأنّ هيكل سليمان كان قائماً مكانه».

 

ولذلك، يقتحمونه، رغم أنهم لا يتّفقون دينيّاً على أنّ اقتحامه «حلال»؛ وعلى رأس المحرِّمين «الحاخامية الرئيسة في إسرائيل» التي «لا تزال متمسّكة بموقفها التاريخي المحرِّم لدخول المسجد الأقصى والصلاة فيه»، لأسباب أهمّها: طهارة المكان، غياب الهيكل، وانتظار المسيح المخلّص. وأضاف الدبش أنه منذ إنشاء إسرائيل عام 1948، واحتلال شرق القدس عام 1967، «ظهرت تيّارات دينية قومية داخل المجتمع الإسرائيلي، دعت إلى حقّ اليهود في الصلاة في المسجد الأقصى، وإلى بناء الهيكل الثالث».

 

وبحسب ما جاء في تقرير «عين على الأقصى 19»، الذي أطلقته، أمس، «مؤسسة القدس الدولية» في بيروت، لمناسبة الذكرى الـ59 لإحراق الأقصى، فإنّ «جماعات المعبد، سعت، خلال عام 2025، إلى كسر هذا الحاجز العقائدي، وفرض وقائع ميدانية جديدة. وتعمّدت تلك الجماعات تجاهل الفتاوى الحاخامية التي تحرّم اقتحام الأقصى من دون طهارة، مستفيدةً من الغطاء السياسي والأمني الذي وفّرته حكومة نتنياهو، وخاصة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. وأصدر حاخامات متطرّفون فتوى تسمح لنساء المستوطنين، سواء العازبات أو المتزوّجات، بدخول المسجد الأقصى بعد أداء «طقوس التطهير»».

 

ووفقاً للتقرير، فإنّ اقتحامات الشخصيات الرسمية الإسرائيلية لـ«الأقصى»، ازدادت هذه السنة، فما بين 1/1 و31/7/2025، بلغت الاقتحامات 10، في مقابل 8 ما بين 1/8/2023 – 31/7/2024. ومن بين المقتحمين، بن غفير، الذي أدّى طقوساً علنية في ساحات الأقصى الشرقية. وفي مرّة أخرى، اقتحم هو نفسه المسجد بالتّزامن مع الذكرى العبرية لاحتلال شرق القدس، بمشاركة وزير شؤون النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، وأعضاء كنسيت، هم: عميت هليفي، وأريئيل كيلنر، وتسيفي سوكوت، ويتسحاق كروزر. وهكذا، فإنّ «المسجد الأقصى لم يعُد مكاناً مقدّساً خالصاً للمسلمين، بل صار مكاناً مشتركاً بين المسلمين واليهود»، بحسب ما قاله مدير الأبحاث في «مؤسسة القدس الدولية»، أمس، فيما يحدث كل هذا، ولا تتحرّك الأمتان العربية والإسلامية.

 

ما الذي يفعلونه في الأقصى؟

 

في ما يأتي عرض مختصر جدّاً، لبعض ممّا يحدث في «الأقصى»:

يقتحم المستوطنون المسجد، بحماية جنود الاحتلال، يومياً – ما عدا يومَي الجمعة والسبت – على مرحلتَين، بمجموع وصل، منذ أيار الماضي، إلى 6 ساعات وربع الساعة يومياً، بعدما كان 3 ساعات عام 2008.

 

من جهتها، تنفّذ حكومات الاحتلال المتعاقبة سياسات تعمّق وجود المستوطنين داخل «الأقصى». ففي السنوات الأخيرة، مع وصول بن غفير إلى موقع وزارة الأمن القومي، ثمّة محاولة جادّة للتقسيم الزماني الذي أصبح قائماً نسبياً، والتقسيم المكاني، الذي يحدث تدريجياً، عبر اتّخاذ مواقع في المنطقة الشرقية من الأقصى، لأداء الصلوات. ويذكر التقرير «واقع القدس والمقدّسات ومخاطر التهويد وآفاق الإسناد» الصادر عن «مؤسسة القدس الدولية»، في نيسان الماضي، أنّ عدد مقتحمي الأقصى «ما بين عامَي 2009 و2024، بلغ نحو 356889 مستوطناً، وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة اقتحم الأقصى نحو 150066 مستوطناً».

 

ويضيف التقرير أنّ عام 2024 سجّل «أعلى عدد لمقتحمي الأقصى منذ عام 2009»، والذي بلغ 53605، بحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، في مقابل 48223 مقتحماً عام 2023. أمّا منذ 1/1/2025 – 1/8/2025، فبلغ عدد المستوطنين المقتحمين 38875، بحسب تقرير «عين على الأقصى 19».

 

ويشهد «الأقصى» كثافة في الاقتحامات، خلال الأعياد اليهودية (رأس السنة العبرية – عيد الفصح اليهودي – إعلان الاستقلال – يوم توحيد القدس)، وهو واقع تكرّسه إسرائيل، وبات يُعرف بـ«التأسيس المعنوي للمعبد [الهيكل]»، ولذلك يؤدّون طقوس «السجود الملحمي» و«النفخ في البوق»، وقراءة أسفار من التوراة، و«إدخال القرابين النباتية»، مع محاولات لإدخال «القرابين الحيوانية»، وإنشاد النشيد الإسرائيلي «هاتيكفا»، ومباركة الخطوبة والزفاف والبلوغ، وغيرها.

 

على نحو مشابه، تتعرّض الكنائس في القدس إلى اعتداءات مختلفة من قِبل المستوطنين وشرطة الاحتلال التي تحاول التدخّل في إدارتها، عدا عن الاستيلاء على الأوقاف المسيحية في المدينة. ففي العام الماضي على الأقل، تعرّضت مقدّسات المسيحيين إلى اعتادءات كبيرة، لم توفّر حتى المقابر، إضافة إلى التضييقات الإدارية، والعودة إلى مطالبة الكنائس بضريبة عقاريّة فرضها الاحتلال باسم «الأرنونا»، وتعود قصّتها إلى عام 2018، في أثناء تولّي اليميني نير بركات بلدية القدس، الذي جرّب فرضها، فلاقت رفضاً كبيراً، أدّى حينها إلى إغلاق كنيسة القيامة لثلاثة أيام احتجاجاً، فجمّدت.

 

لكنّ رئيس بلدية القدس الحالي، موشيه ليون، عاد إلى مطالبة الكنائس بدفع هذه الضريبة، التي لا تشمل فقط القدس، بل يافا والناصرة والرملة، وتطاول نحو 882 عقاراً في شرق القدس وغربها. ومثل هذه الهجمات الإسرائيلية، أدّت إلى انخفاض أعداد المسيحيين في القدس.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

100 يوم للبابا لاوون الرابع عشر: حبرية هادئة تتجنب السجالات

  عندما فاجأ البابا لاوون الرابع عشر عشرات الآلاف من الشباب في احتفالٍ أقيم مؤخرًا بمناسبة السنة المقدسة، بجولة مرتجلة بسيارته البابوية في ساحة القديس ...