آخر الأخبار
الرئيسية » مختارات من الصحافة » الوطن: الحبشة واستهداف النيل منذ القدم

الوطن: الحبشة واستهداف النيل منذ القدم

 محمود القيعي:

قال رجائي عطية نقيب المحامين إن عدد جريدة الأهرام السبت 5 نوفمبر 1927، صدر حاملاً عدة مانشيتات على صفحته الأولى.. خطر كبير على مصر. حكومة الحبشة تتفق مع شركة أمريكية على إنشاء سد على بحيرة تانا.

وأضاف في مقاله بالوطن ” الحبشة واستهداف النيل من قديم” أنه بياناً لخطورة هذا الموقف، قدمت الأهرام وصفاً تفصيلياً للبحيرة موضوع المشروع. جاء فيه أن المساحة: ثلاثة آلاف كيلومتر مربع، مساحة الحوض الذى يغمره الفيضان أربعة عشر ألف كيلومتر مربع، هذا عدا مساحة البحيرة نفسها، ويقدر كم المطر الذى ينزل على هذا الحوض فى الفترة بين يونيو وسبتمبر بمتر كامل «ويكون مجموع الماء الذى يصب فى البحيرة 6500 مليون متر مكعب فى سنى الفيض المقل، ويزيد على هذا المقدار فى السنين غزيرة الأمطار»، وتستنفر «الأهرام» الهواجس النيلية عند المصريين بقولها إنه «يتيسر جعل البحيرة خزاناً للمياه بدون تبديل ولا تغيير ظاهر وذلك بتعديل منفذ مائها تعديلاً ملائماً».

وتابع قائلا: “أما الخبر الذى وصلها، فقد أوردت أن جماعة من الماليين الأمريكيين -لاحظ الأمريكيين- قد اتفقوا مع ولى عهد الحبشة على إقامة سد لبحيرة «تانا» بنفقات قدرت بأربعة ملايين جنيه فى ذلك الزمان، وأضاف الخبر وتحليله أنه إذا سيطرت الشركة الأمريكية وحكومة الحبشة على منبع النيل فى النيل الأزرق، فإن ذلك سوف يضر ضرراً بالغاً بمصر، فهو الشريان الرئيسى الذى يمد فيضانه السنوى مصر بالخصب والنماء، ويثرى تربة أراضيها بما يحمله فيضانه من طمى يصل مع النيل إلى ضفافه فى مصر.

ونعت «الأهرام» على الحكومة المصرية عدم عنايتها بتنمية علاقاتها مع الحبشة، وإيفاد مندوبين ممثلين رسميين عنها، وعدم الاهتمام بالعلاقة ما بين الحبشة والكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر، ووجوب استثمار ما بين مصر والحبشة من علاقات دينية وتاريخية وطبيعية، وأبدت «الأهرام» أنها تطرح ذلك وهى على بينة بالأخطار التى تستهدف لها مصر بسياسة الإهمال والتواكل فى مسألة منابع النيل وسدوده ومجاريه!

اشتعل القلق المصرى أكثر عندما طيرت وكالات الأنباء فى اليوم التالى مزيداً من التفاصيل نقلاً عن النيويورك تايمز، جاء فيها اسم الشركة الأمريكية التى تقدمت بالمشروع إلى حكومة أديس أبابا، وهى شركة ج. ج هويت الهندسية بنيويورك، التى طلبت أن تقيم خزاناً تبلغ تكاليفه 20 مليون دولار على النيل الأزرق عند خروجه من «بحيرة تانا»، وهذا السد يحجز وراءه السيول التى تطفو أحياناً على بعض أجزاء الحبشة، زاعمة أن ذلك سوف يروى السودان ويضبط مياه النيل الأزرق، ومن ثم يمكن بذلك رى «الأملاك البريطانية» التى يجرى فيها هذا النهر، أما لماذا تهتم الشركة الأمريكية بهذا المشروع وتتحمل كافة تكاليفه، فلتبيع مياه النيل لبريطانيا العظمى؛ دون مبالاة بما يلحق بمصر من أضرار بالغة!!”.

وتابع قائلا: “وزاد القلق اشتعالاً بين المصريين عندما أضافت النيويورك تايمز مزيداً من التفاصيل، أعربت فيها عن اعتقادها بأن وزارة الخارجية الأمريكية على وشك الموافقة على المشروع، وأنها بصدد إرسال معتمد سياسى إلى الحبشة لأول مرة، وهو القلق الذى عبرت عنه «الأهرام» بالقول: «لم يكد «الأهرام» يوزع فى صباح أمس حتى تلقاه القراء باهتمام عظيم لمطالعة ذلك النبأ الخطير الخاص بتعاقد شركة أمريكية مع الرأس تفرى ولى عهد مملكة الحبشة (أصبح إمبراطوراً على البلاد بين عامى 1930 و1975 تحت اسم هيلاسلاسى)، وقد شغلت القاهرة وسائر العواصم والبلاد المصرية بهذه المسألة الهامة، وروعت بها النفوس، وكانت حديث المجالس الخاصة من زعماء الأمة، أما الفلاح المصرى فقد بات حائراً مشغولاً متسائلاً ماذا عسى أن تقوم به حكومته ووزير أشغاله من البحث والجد!».

وحملّت «الأهرام» المسئولية عن ذلك على السياسة الإنجليزية، فقد كان الاستعماريون الإنجليز فى السودان وراء مشروع قديم يسعى إلى احتجاز مياه النيل الأزرق بدعوى رى أراضى الجزيرة وغيرها، إلاَّ أن ما أثار دهشة «الأهرام» وعبرت عنه، هو موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية المؤيد للمشروع، ربما لأنها وقد أصبحت أكبر منافس لبريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الأولى، فأرادت أن تضربها «بالقبض» على مياه بحيرة «تانا»، التى كانت بريطانيا تريد أن تنشئ هى سداً عليها، ولكنها فشلت فى مسعاها لدى الحبشة!”.

واختتم قائلا: “وقَّفت «الأهرام» بمهاجمة عثمان باشا محرم وزير الأشغال، لأنه آثر الصمت بينما الدماء تفور فى عروق المصريين. فهل يريد أن يهمل هذه المسألة كما فعل فى مشروعات الرى الكبرى؟!

على أن القلق الرافض لم يقتصر على المصريين، وإنما امتد تأثيره لأبناء التيمس، وكشفت عنه الحملة التى شنتها الصحف البريطانية بلا استثناء ضد ذلك المشروع.

اعترضت «المورننج بوست» وساقت عجبها ضد ذلك المشروع، أما «الديلى نيوز» فقد أقامت حملتها ضد المشروع على اعتبارات يتوجب علينا أن نتفطن إليها ونستفيد منها فى معركتنا التى نخوضها الآن من أجل الحياة. حياتنا.

ذلك أن «الديلى نيوز» نبهت إلى قرار «عصبة الأمم» الذى صدقت عليه بريطانيا والتزمت من ثم به. ذلك القرار الذى نص على أنه: «إذا قامت أى دولة بمشروعات تتعلق بقوة مياهها، وكان لهذه المشروعات تأثير فى قوة المياه بالدول المجاورة؛ فعلى هذه الدولة أن تفاوض جيرانها قبل الشروع فى أى عمل قد يضر بمصالحهم»، وكانت تلوح بذلك لاحتمال التدخل البريطانى ضد المشروع المقترح.

ووصلت الحملة إلى ذروتها عندما شاركت فيها جريدة «التايمز» بكل ما هو معلوم من تعبيرها عن سياسات وزارة الخارجية.. قالت بالحرف الواحد، فيما نقلته عنها «الأهرام»: «قضت الحكومة البريطانية زمناً طويلاً وهى تلح على الحكام الذى تتابعوا على عرش الحبشة وبسطت لهم الفوائد التى تجنيها بلاد السودان ومصر والحبشة نفسها فى النهاية من وراء ضبط مياه الفيضان وتنظيمها فى «بحيرة تانا»، وأخذت «التايمز» على الحكومة الحبشية أنها قد تعاملت مع المشروع من منطلق اقتصادى بحت، ذلك أن له أبعاده السياسية، فقد حرصت على أن تذكر حكومة أديس أبابا بأنها تتجاهل بذلك اتفاقية عام 1902 المعقودة بين البلدين «وأنه لم يكن للخزان ثمة فائدة ما لم ينفذ اتفاق البلدان التى يخترقها نهر النيل”.

سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إزفيستيا: إسرائيل ولبنان.. هل سيتفقان على هدنة؟

حول التقدم في عملة التفاوض لإبرام هدنة مع لبنان، كتبت كسينيا لوغينوفا، في “إزفيستيا”: وافقت السلطات اللبنانية على خطة لتسوية العلاقات مع إسرائيل، اقترحتها إدارة ...