يوسف فارس
رغم مرور نحو أسبوعين على بدء تطبيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لا تشير الوقائع على الأرض إلى أنّ حركة «حماس»، استطاعت إعادة بناء جسمها الحكومي. إذ إنّ العقبات التي تحول دون تحقيق هدف كهذا على الصعيد المدني، تتجاوز التحدّيات القائمة على الصعيد الأمني الذي تمتلك فيه الحركة مخزوناً بشرياً كبيراً، وأيضاً استحكاماً معلوماتياً وميدانياً، فضلاً عن الترحيب الشعبي بإعادة بسط الأمن، ووقف السرقات والإشكاليات العائلية التي عصفت بالمجتمع طوال عامين.
أمّا في الشقّ المدني، فقد تعرّضت كافة المقدرات الحكومية إلى تدمير ممنهج، شمل مجمّع الوزارات والأبنية التابعة إليه وجميع المدارس الحكومية والجامعات وشبكات الطرق والمرافق العامة والمحاكم وأبنية الجهاز القضائي. وإلى جانب ذلك، تعمّد جيش الاحتلال اغتيال كل من استطاع الوصول إليه من الكوادر الحكومية. كما تعرّض النظام المصرفي ودورة المال لخراب عمودي وأفقي؛ علماً أنّ تلك المقدرات، كانت هي الأساس الذي يمكن أن يسند منظومة العمل الحكومي.
ويوضح الباحث الاقتصادي، محمد أبو جياب، أنّ «أي منظومة حكومية تقوم على الجباية والضرائب، وفي الحال الفلسطينية المساعدات والهبات الخارجية. وكل تلك المداخيل توقّفت بشكل كلّي في أثناء عامي الحرب. وليس هناك قبول دولي ولا ليونة إسرائيلية، للسماح مجدّداً بإعادة بناء المنظومة الحكومية التابعة لحماس، حيث تتحكّم إسرائيل، بكافة معابر القطاع. وقد استحدثت منظومة توزيع مساعدات همجية عبر المؤسسة الأميركية ومعابر شمال القطاع، بدعوى أنّ «حماس»، تسيطر على المساعدات وتموّل منها منظومة حكمها».
ويضيف أبو جياب، أنه «إذا كانت الحال مع المساعدات على تلك الشاكلة، فهل من الممكن أن تكون الحال مع معابر القطاع التجارية أقلّ شدّة وأكثر ليونة (…) الواقع أنّ إسرائيل تغلق كل الأبواب التي يمكن أن تُستعاد منها منظومة العمل الحكومي، وتغلق الطريق أمام حركة المال الخارجي وتفرض رقابة صارمة على النظام المصرفي. وعليه فإنّ استعادة منظومة العمل الحكومي ادّعاءات يكذّبها الواقع».
مجهود الحركة منحصر في الإغاثة وضبط الأمن في أثناء المرحلة الانتقالية والمشاركة في تقديم الخيارات للجنة إدارة القطاع المرتقبة
على الأرض، تحافظ المنظومة الحكومية القائمة على عمل ما تبقّى من مستشفيات القطاع عبر وزارة الصحة، في حين تعمل وزارة الداخلية، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، على نشر بضعة آلاف من عناصر الشرطة المدنية الذين أسهموا في ضبط الأمن ومنع الاعتداء على شاحنات البضائع والمساعدات، وأعادوا تنظيم الأسواق العامة. وفي المقابل، ينعدم أي دور للوزارات المهمة والحساسة مثل وزارات الاقتصاد والتربية والتعليم والمالية والزارعة والإسكان والأشغال والقضاء. وتعمل منظومة العمل البلدي بشكل نسبي أيضاً، في مدينة غزة ووسط القطاع وجنوبه.
ووفقاً لمصادر مقرّبة من حركة «حماس»، فإنّ المجهود الذي تشرف عليه الحركة في هذه المدّة، منحصر في الإغاثة العاجلة والمشاركة في تقديم البدائل والخيارات المناسبة للجنة إدارة القطاع المرتقبة، إلى جانب ضبط الأمن في المرحلة الانتقالية. أمّا الموقف من المتعاونين مع الاحتلال والعملاء، فذلك منوط بأجهزة أمن فصائل المقاومة كافة، وليس بحركة «حماس» وحدها، لأنّ الموقف من العملاء والجواسيس هو موقف شعبي ووطني جامع.
ويعني أنّ كل ما يزعمه الإعلام الإسرائيلي، عن أنّ «حماس»، استطاعت بناء منظومتها الحكومية في غضون 10 أيام، أو هي تماطل في تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين، وتتّخذ منهم غطاءً لإعادة هيكلة نفسها، هي مزاعم يجري تسويقها للتنصّل من استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لا يبدو أنه متوائم مع المصالح السياسية والأحلام اليمينية لحكومة بنيامين نتنياهو، رغم إجحافه بحق الفلسطينيين.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار