هناء شروف
الاتهامات التي وجّهتها الولايات المتحدة، ووسائل الإعلام الغربية الأخرى تتجاهل الحقائق، وتضخم المخاوف بشأن أزمة الغذاء من أجل حثّ الأشخاص الذين لا يعرفون الحقيقة على إلقاء اللوم على بعض الدول في الأزمة العالمية. الحقيقة هي أن انعدام الأمن الغذائي العالمي كان يمثل مشكلة لفترة طويلة، وقد تفاقم هذا العام بسبب عوامل متعدّدة، بما في ذلك جائحة كورونا، والصراعات الجيوسياسية، وارتفاع أسعار الطاقة، والظواهر الجوية المتطرفة.
أول اقتصاد يستخدم الغذاء كسلاح
ومع ذلك، وعلى عكس ادّعاء الغرب بأن “الصين تخزن الطعام”، فإن الولايات المتحدة هي التي حوّلت الغذاء من الإنتاج إلى التجارة. ونظراً لأن الولايات المتحدة هي أول وأكبر اقتصاد يقوم بتسليح الغذاء، حيث كانت تفعل ذلك لأطول فترة، فينبغي أن تتحمّل المسؤولية الأساسية عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وأزمة الغذاء.
كثيراً ما استخدمت بعض الدول الرئيسية المصدّرة للأغذية، بما في ذلك الولايات المتحدة، الغذاء كسلاح من خلال التحكم بالصادرات الغذائية لتحقيق أهدافها السياسية الضيقة. على سبيل المثال، أعلن إيرل بوتز، وزير الزراعة في إدارتي ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، علناً أن “الغذاء سلاح”، واقترح أن تعامل الولايات المتحدة الطعام كسلاح عند تطوير علاقات دبلوماسية مع دولة أخرى. بفضل حجم إنتاجها الزراعي، تستطيع الولايات المتحدة تجويع دولة أخرى لإخضاعها من خلال رفض تصدير الغذاء إليها، وبالفعل كانت الولايات المتحدة تنغمس في مثل هذه الأعمال لزيادة تأثيرها في العلاقات الدولية.
بمرور الوقت، تطور هذا المفهوم إلى سياسة مساعدات خارجية، وعقوبات متطورة للولايات المتحدة، ومع استخدام الحكومة والشركات ورأس المال وبمساعدة برامج المعونة الغذائية “الثورة الخضراء” والتكنولوجيا المعدلة وراثياً والوقود الحيوي، رسخت الولايات المتحدة تدريجياً هيمنتها في مجال الغذاء.
العقوبات لقمع الآخرين
أصدرت الولايات المتحدة أكبر عدد من عمليات الحظر أو العقوبات الغذائية ضد دول أخرى. ووفقاً لبحث أجراه غاري كلايد هوفباور من “معهد بيترسون للاقتصاد الدولي”، بدأت الولايات المتحدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي ثماني من عشر حالات حظر تصدير تتعلق بالغذاء.
على سبيل المثال فرضت الولايات المتحدة حظراً على الحبوب على الاتحاد السوفييتي من عام 1980 إلى عام 1981 رداً على حربه في أفغانستان. ولكن بالإضافة إلى الأسباب السياسية والدبلوماسية أعلنت الولايات المتحدة أيضاً حظراً على الغذاء بسبب النقص المحلي. في عام 1973 فرضت الولايات المتحدة حظراً قصير الأجل على فول الصويا على الاتحاد السوفييتي، والعديد من دول أوروبا الشرقية بسبب المخاوف من التأثير السلبي لارتفاع أسعار فول الصويا على استقرار الاقتصاد الكليّ.
المساعدات الغذائية باسم الإنسانية هي أيضاً وسيلة مهمّة للولايات المتحدة للتأثير على العرض والطلب في سوق الغذاء العالمي. على مرّ السنين قدمت الولايات المتحدة إعانات ضخمة وتدابير دعم أخرى لأصحاب المزارع الأمريكيين، مما أدى إلى زيادة الإنتاج.
وفقاً لقوانين الولايات المتحدة، يجب أن تشمل المساعدات الغذائية المحاصيل المزروعة في الولايات المتحدة، حيث تمتلئ الأسواق في الخارج بـ”الطعام الأمريكي المجاني” مما يمنع الزراعة المحلية من التطور. يؤدي نقص التنمية في إنتاج الغذاء في هذه الدول بدوره إلى زيادة اعتمادها على المساعدات الأمريكية، وتفاقم الوضع والدورة مستمرة، حيث من خلال هذه الوسائل اكتسبت الولايات المتحدة نفوذاً سياسياً دولياً هائلاً.
نجحت الولايات المتحدة في تنشيط برنامج تسليح الغذاء لمواجهة التضخم المحلي المرتفع، وتقليص الإمدادات الغذائية العالمية، وتتحكّم الرباعية المكوّنة من شركات أمريكية باستثناء لويس دريفوس، في 80 بالمائة من تجارة الحبوب في العالم.
حقيقة أن شركة “جلينكور” السويسرية العملاقة لتجارة السلع تمّ تغريمها مؤخراً بـ1.1 مليار دولار لسنوات من التلاعب غير المشروع بالوكالة الأمريكية لقياس النفط الخام، مما يدلّ على أنه من الضروري تعزيز الإشراف على هؤلاء التّجار العمالقة وذلك لمنعهم من التلاعب بسوق الغذاء الدولي.
تعدّ الولايات المتحدة أيضاً واحدة من أهم الأسواق التجارية للعقود الآجلة للحبوب العالمية، وأحد أهم مراكز تسعير الحبوب في العالم. ومع ذلك وبسبب الافتقار إلى الإشراف الفعّال والمنتظم، وقواعد التداول الفضفاضة للعديد من البورصات، وتدابير التخلّص من المخاطر المتأخرة، فإن أسعار السلع بما في ذلك الحبوب قد تقلبت بشكل عنيف مراراً وتكراراً.
في عام 1989، على سبيل المثال، استحوذت شركة “فيروزي” على أكثر من 85 في المائة من إجمالي مركز السوق في العقود الآجلة لفول الصويا، حتى تدخلت لجنة تداول السلع الآجلة في الولايات المتحدة لوقف انتشار مخاطر السوق. ومع ذلك منذ التسعينيات، وبفضل سيطرة هيئة تداول السلع الآجلة على تجارة المضاربة في العقود الآجلة للسلع الزراعية، وتخفيف القيود على عدد المعاملات، زادت المضاربة في السلع الزراعية بشكل كبير، مما جعل سوق العقود الآجلة للسلع في الولايات المتحدة جنة للمضاربين، وزاد من تضخيم المخاطر من سوق المواد الغذائية.
هناك حاجة إلى تعزيز التعاون الدولي لتعزيز التوزيع العادل للأغذية والتنمية المستدامة لقطاع الأغذية، وفي هذا الصدد فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى التفكير في سياساتها وأفعالها.
سيرياهوم نيوز 6 – اليعث