لا ينتهي الجدل في الولايات المتحدة الأميركية بشأن حجم الإنفاق الدفاعي وامتصاصه أموال دافعي الضرائب، وما يشكّله من عبء ثقيل على كاهل الخزينة.
موقع “Responsible Statecraft” أشار إلى زيادة شركة “بوينغ” الضرائب إلى ما يزيد على نصف مليار دولار، مقابل الحصول على صواريخ باتريوت للدفاع الجوي.
وكشف التحقيق الذي تناوله الموقع أيضاً أن شركة “رايثيون تكنولوجيز” رفعت سعر صواريخ “ستينغر” من 25000 دولار، إلى أكثر من 400000 دولار لكل وحدة.
ويشكّل هذان المثلان جزءاً بسيطاً من الواقع الفوضوي في سوق السلاح الأميركية، التي تحتكرها 5 شركات كبرى فقط، هي ريثيون ووينغ ولورد مارتن وجينيرال دينامكس ونورثروب غرومان، التي يجني رؤساؤها التنفيذيون ما بين 18 و23 دولار سنوياً.
والعام الماضي، ذهب نحو نصف ميزانية البنتاغون، البالغة 842 مليار دولار، إلى المقاولين العسكريين، في حين ذهب ما يقرب من 30% من الإنفاق العسكري إلى شركات تصنيع الأسلحة هذه.
وأمام هذا الواقع، يطالب أعضاء في الكونغرس بإجراء “تحقيق عاجل”، وسط مخاوف من أن كارتيل السلاح لا يتحكم في الصناعات الدفاعية فقط، بل بصنّاع السياسة أيضاً، حتى إنه يوصف بـ”الدولة العميقة”.
شركات الأسلحة تفرض إرادتها على الإدارة الأميركية
على الرغم من مطالبة بعض أعضاء الكونغرس بالتحقيق بشأن نشاط شركات الصناعة الدفاعية، فإن “أنصار هذه الشركات في الكونغرس كثيرون، وهم يتلقون مساعدات من جماعات الضغط التي الممولة من قبلها”، كما قال محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة، نزار عبود.
كذلك، أشار عبود إلى طلب استراتيجية الأمن القومي الأميركي، الصادرة نهاية العام الماضي، من شركات السلاح تسريع نشاطها ومضاعفة الإنتاج، استجابةً للتحديات الكثيرة الماثلة أمام واشنطن، من الصين وكوريا الشمالية، إلى أوكرانيا وإيران وغيرها، ما يعني تخفيف الرقابة عليها.
وتستطيع شركات تصنيع الأسلحة في الولايات المتحدة “فرض ما تريده على الإدارة الأميركية لما تتمتع به من نفوذ قوي”، كما أكد عبود، على الرغم من العديد من العيوب التي تشوب بعض تلك الصناعات، كما ظهر عند فرض ترخيص طائرة “بوينغ 737 ماكس” بعد إيقافها، لمنافاتها سلامة الركاب، وعند نشوب الحرب في أوكرانيا مثلاً.
وأكد محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة أن مصلحة شركات الأسلحة تكمن في نشوب الحروب، مهما طالت مدتها، “وهذا لا يثني الولايات المتحدة الأميركية من خوض حروب تمتد عقوداً، حتى لو كانت خاسرة، كما هي الحال في أفغانستان والعراق”.
الفساد مقونن ومشرّع
بدوره، قال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، قاسم عز الدين، إن المعترضين “التقدميين” في الكونغرس “لا يسعهم الذهاب بعيداً، بحسب القيم الأميركية، لأن أميركا لا تحتمل الحقيقة أو حتى الإشارة إلى الأسس”، مشيراً إلى أن “التلاعب بالأسعار هو جزء هامشي من سيطرة شركات السلاح”.
ورأى عز الدين أن الشركات تبرّر التلاعب بالأسعار بأنها “لم تخترق الأنظمة المعمولة بالأنظمة الفدرالية، وهذا صحيح، لأن النظام بحد ذاته يسمح للشركة برفع الأسعار، ويعتبر أن المنافسة هي الحل”، إلا أن المنافسة غير ممكنة اليوم، مع سيطرة 5 شركات فقط، بعد أن كان هناك 50 مقاولاً في عام 2010.
وتحدث عز الدين عن تداخل لوبيات الأسلحة ولوبيات السياسة، والمصالح المشتركة بينهما وبين السياسة الخارجية، فهذه الشركات تبيع الأسهم، “والأسهم هي عصب الاقتصاد الأميركي، وتوسيع الأسهم يكسب النظام مؤيديه. كما أن المؤسسة العسكرية مستفيدة أيضاً، لأن الخبراء المستشارين يعملون أيضاً في هذه الشركات”.
ووفقاً لعز الدين، فإن نهب المال العام والثروة العامة في الولايات المتحدة “مقونن ومشرّع… وفي نهاية المطاف إذا شئت أن تحاكم أي متَّهم بالفساد، لا تستطيع أن تجد أدلة قانونية فعلية، لأنه مارس الفساد بموجب القانون الذي شرّعته المنظومة الدولية”.
الأميركيون يشعلون الجبهات بالأسلحة
وفي حين يتدخل نفوذ الشركات والقرار السياسي في ارتفاع أسعار الأسلحة عالمياً، أكد محلل الميادين للشؤون الأمنية والعسكرية، العميد شارل أبي نادر، أن “البعد العسكري يبقى الأساس، لأن الجبهة تحتاج حقيقةً إلى هذه الأسلحة”.
ففي أوكرانيا مثلاً، وهي الجبهة الأكثر حدةً في العالم اليوم، تقتضي الأعمال العسكرية على طول ألف كلم تقريباً، من الشرق والغرب، آلاف الأطنان من الذخائر ومن قذائف المدفعية على الأقل، كما أن “تطور الأسلحة عند طرف ما يدفع الآخر إلى الحصول على ما يوازيها”.
وأكد أبي نادر أن الأميركيين “استطاعوا أن يتحكموا بالميدان الأوكراني، ويفرضوا أسلحتهم”، مذكّراً بـ”إعلان كبير ضخه الأميركيون عن أهمية الأسلحة الفتاكة”، وضخّهم “الجافلن” المضاد للدروع، و”ستيغنر” المضاد للطوافات.
كذلك، يشير أبي نادر إلى أن الأميركيين استطاعوا إلغاء المفاوضات بين كييف وموسكو، عبر “تقديمهم وعوداً للأوكرانيين بإمدادهم بأسلحة متطورة”، إذ “بدأنا نشاهد دخول الهيماس، الذي مكّن الأوكرانيين من تغيير المعادلة الميدانية، في خاركيف ومناطق أخرى”.
واليوم، بعد أن “همدت هذه الأسلحة واستطاع الروس مواجهتها، عادوا وخلقوا موضوع الهجوم المرتقب أو الهجوم المعاكس، الذي يتخبط فيه الأوكرانيون، الذين يسرقون الكثير من الأسلحة وأغلبها أسلحة أميركية”.
وبينما تستمر سيطرة شركات الأسلحة، والفوضى في سوق السلاح في الولايات المتحدة الأميركية، ومع بروز مشكلات بين الكونغرس والبنتاغون بهذا الشأن، استفادت روسيا من هذا الواقع، حيث يمتلك جيشها مصانع الأسلحة، وتسيطر المؤسسات الرسمية العسكرية بشكل كامل على الأسلحة، فتكون قدرات هذه المصانع لمصلحة معركة الدولة، لا الشركات الخاصة.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين