- الكاتب: حسن صعب
اليمن يُعدّ أحد أهم بوابات المنطقة، كونه يتسيّد على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط. وما يُضاعف أهمية موقعه إطلالته المباشرة التي منحته السلطة على مضيق مهم هو مضيق باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصل قارّة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر وخليج عدن والبحر الأحمر.
يقول البرفسور حسين أبو رضا، في تقديمه لكتاب سمير الحسن “اليمن … وانتصر الحفاة”، الصادر حديثاً عن دار التمرد في دمشق، إن المؤلف قام بدراسة معمّقة بدءاً من تاريخ اليمن السعيد وصولاً إلى الأحداث المهمة، التي كان يتردد صداها من عمق الزمان والجغرافيا، ومن عبق الحراك السياسي والاجتماعي داخل البنية المجتمعية اليمنية. ففي سياق تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة، والثورات الشعبية، وإلى عالمنا العربي، أصبح اليمن كدولة ودور، مفصلاً أساسياً في صنع الأحداث والتاريخ ومحطّ أنظار العالم والشعوب المستضعفة والمحرومة، حيث كانت النظريات العسكرية والاستراتيجية المنبثقة من المعركة الأخيرة بين اليمن كدولة مستقلة و”التحالف السعودي”، تأخذ مداها ضمن العلوم العسكرية الحديثة. فعندما يقاوم شعب، فقير بإمكانياته، عظيم بروحيّته، يغدو النصر حتماً أمام عينيه.
هذا الكتاب يسلّط الضوء على أن الروحية الجهادية هي المعيار الأساسي في صنع النصر، كما قال القائد الأممي الشهيد الحاج عماد مغنية؛ الذي يقاتل فينا ليس القدرة البدنية بل القدرة الروحية.
يبدأ الكاتب بتمهيد تاريخي طويل منذ دخول الإسلام إلى اليمن وحكم أئمة الزيدية وصولاً إلى تولي علي عبد الله صالح الحكم ومن ثم حروبه مع “الحوثيين” بدعم سعودي وانتهاء بتنحي صالح بحسب المبادرة الخليجية وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي الرئاسة وأخيراً تمرد صالح عليه بالتحالف مع “أنصار الله”.
حول الأهمية الاستراتيجية لليمن، يقول المؤلف إن اليمن يُعدّ أحد أهم بوابات المنطقة، كونه يتسيّد على البوابة الجنوبية للشرق الأوسط. وما يُضاعف أهمية موقعه إطلالته المباشرة التي منحته السلطة على مضيق مهم هو مضيق باب المندب الذي يتحكم بالمنطقة المائية البحرية التي تفصل قارّة آسيا من ناحية الشرق وإفريقيا من ناحية الغرب، وتربط المحيط الهندي وبحر العرب بالبحر وخليج عدن والبحر الأحمر.
في القسم الأول (اليمن ومكوّناته التاريخية)، يُفرد المؤلف فصولاً للمكوّنات الرئيسة في اليمن، وهي: القبائل، الأحزاب السياسية، الجيش، علي عبدالله صالح، أنصار الله الحوثيون، والإخوان المسلمون.
أولاً: القبائل: ترتكز التركيبة الاجتماعية في اليمن على القبائل التي تحتفظ بكياناتها، وأعرافها، وتقاليدها، وقواها المسلحة الخاصة؛ ومن ذلك المنطلق كان لها تأثيرها ونفوذها السياسي في بُنية اليمن السياسية والاجتماعية. وربما أعاقت هذه التركيبة تطوّر بناء الدولة ومؤسساتها على قواعد حديثة.
– بعد الوحدة عام 1990، وبعد حرب الوحدة 1994، تراجع دور القبائل، مع استمرار تأثيرها السياسي من خلال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ قبائل حاشد، الذي انتُخب رئيساً للبرلمان اليمني لمرات عديدة، وهو أسّس حزب التجمع اليمني للإصلاح الإخواني.
– في ثمانينات القرن الماضي، أنشأ علي عبد الله صالح مصلحة شؤون القبائل كمؤسسة حكومية تضم شيوخاً ووجهاء من القبائل، وكانت لها سلطة في صناعة القرار؛ وبذلك بنى صالح علاقات قوية مع زعماء القبائل في البلاد.
– تتّصف القبيلة اليمنية بأربعة أبعاد: بُعدان سياسي واقتصادي، وهما يؤثّران بشكل سلبي في مهام الدولة واختصاصاتها، وذلك عندما تتدخل القبيلة في شؤون الدولة لمصلحة أفراد معينين فيها. والبعدان الآخران ثقافي واجتماعي، وهما اللذان كان ينبغي للدولة أن توظفهما لصالح البلاد، عبر تعزيز القيم الإيجابية فيهما وتحجيم القيم السلبية بواسطة القانون والتشريعات.
ثانياً: الأحزاب: أهم الأحزاب اليمنية حالياً هي:
– المؤتمر الشعبي العام: تأسس في 24 آب/ أغسطس 1982 كتجمّع وطني لكل الأحزاب في الساحة اليمنية، والتي التقت في لجنة للحوار، وأقرّت الميثاق الوطني الذي يُعد القاسم المشترك بين تيارات اليمين واليسار والوسط.
تأثرت علاقات المؤتمر بالإخوان المسلمين بعلاقة رئيسة بهم؛ فكانت في البداية وثيقة ومن ثم بدأت بالتدهور، حتى تأسيس المؤتمر. وقد ربطت رئيس المؤتمر علي عبدالله صالح بالإخوان المسلمين علاقة قامت على حسابات ومصالح مشتركة، في مواجهة المتغيرات والقوى المنافسة لهما.
– الحزب الاشتراكي اليمني: تأسس في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1978، وهو يُعدّ امتداداً لحركة القوميين العرب التي تأسست عام 1958.
وقّع الحزب الاشتراكي مع المؤتمر الشعبي على وثائق الوحدة اليمنية في 22 مايو / أيار 1990، واشتركا في الحكم خلال الفترة الانتقالية وحتى 27 أبريل/ نيسان 1993، حين أُجريت الانتخابات العامة، والتي تراجع فيها الحزب لمصلحة المؤتمر الشعبي والتجمّع اليمني للإصلاح. ودخل الحزب مرحلة من التخبط بعد مقتل أمينه العام جارالله عمر، ما أدّى إلى سجالات حادّة وانشقاقات داخل الحزب الذي تحوّل إلى معارض ضعيف، وإلى أداة في لعبة التوازن بين المؤتمر الشعبي وتجمع الإصلاح.
– التجمع اليمني للإصلاح: أنشئ في 13 سبتمبر / أيلول 1990، وهو امتداد لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي زرع نواته في اليمن الشيخ الفضيل الورتلاني، مبعوث الشيخ حسن البنّا إلى اليمن آنذاك. بعد قيام حركة 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967 في صنعاء، برز الإخوان في الساحة السياسية اليمنية كتنظيم سياسي؛ غير أن الإصلاح كان يضم إلى جانب الإخوان تياراً قبلياً ورجال مال. ويعود البروز السياسي للحزب إلى الثقل السياسي والاجتماعي لرئيس التجمع عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب وشيخ مشايخ قبيلة حاشد.
– الحراك الجنوبي: هو حركة معارضة انفصالية نشأت عام 2009، وسعت لتطوير وتجميع عدد من الحركات والقوى والشخصيات والمطالبة بالانفصال. وبالرغم من أن الحراك رفع في بداية انطلاقه شعارات مناوئة للنظام الحاكم وداعية لإصلاح مسار الوحدة، فهو تطوّر من حركة احتجاجية ضد التهميش والاقصاء الذي يعانيه الجنوبيون بشكل أكبر من الشماليين إلى حركة تمرّد ضد استمرار الوحدة بين شطري اليمن. ولا يحظى الحراك الجنوبي بأي تجربة سابقة ولا يتمتع بتاريخ سياسي معروف، ولا يوجد لديه حتى اليوم برنامج سياسي متكامل.
– التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري: أُعلن عن تشكيله في العام 1965، كثاني حزب قومي يتكوّن على الساحة اليمنية بعد حزب البعث. وقد قام بتأسيس التنظيم طلاّب يمنيون كانوا يدرسون في القاهرة. رئيس الحزب حالياً هو السيد عبد الملك المخلافي.
– حزب البعث العربي الاشتراكي: تأسس فرع هذا الحزب أولاً في عدن في العام 1965 في إطار ارتباط تنظيمي لحزب البعث الأم في سوريا؛ ومن ثم تأسس فرع للحزب في صنعاء في العام 1965. وقد أسس هذا الحزب طلاب يمنيون كانوا يدرسون في دمشق وبغداد والقاهرة.
وبسبب الخلاف بين الرئيس جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري، ضعف الحزب في اليمن. وبعد تولّي الرئيس حافظ الأسد الحكم في سوريا، تحوّل ارتباط البعث في اليمن إلى بغداد. وقد شهد الحزب انشقاقاً بين جناح موال لسوريا وآخر موالٍ للعراق.
ثالثاً: الجيش اليمني
إثر سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1918، غادرت آخر الفلول المتبقية من القوات العثمانية اليمن، فأعلن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين تأسيس الجيش اليمني، وأحبّ أن يسمّيه «الجيش المظفر». وهو استعان بمجموعة من الضباط العثمانيين الذين بقوا في اليمن لتدريب هذا الجيش وتنظيمه، والذي اعتمد على البنادق الإيطالية خصوصاً، بالإضافة إلى مدافع ميدان من مختلف الأعيرة.
في مرحلة تحديث «الجيش المظفر» اعتمد الإمام محمد البدر بن يحيى حميد الدين منهج التعامل مع المعسكر الاشتراكي، إن على المستوى العربي بتحسين علاقته مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وحكومة الثورة في مصر، التي أمدّته بخبراء عسكريين، أو مع المعسكر الاشتراكي العالمي، بعقد اتفاقيات مع الصين والاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا، شملت تزويد اليمن بالأسلحة وصيانتها وتدريب الجيش اليمني عليها.
تعدّ القوات البريّة الفرع الأكبر للجيش اليمني، وهي تتمركز في سبع مناطق عسكرية، وفي عدد من المحاور العملياتية التي تُحدد وفقاً لمتطلبات مسرح العمليات ولضرورة القيادة.
رابعاً: علي عبد الله صالح
انتخب علي عبدالله صالح في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر 1978، بعد أن رأى مجلس الشعب التأسيسي أن اليمن بات بحاجة إلى شخص قوي، ولديه القدرة والكفاءة على خوض غمار التحديات الكبرى، ومواجهة الأخطار المحدقة بالوطن وأبنائه، والتي تجلّت في سلسلة من الصراعات الطويلة.
وإثر توليه الحكم مباشرة، اعتمد صالح سياسة قائمة على نشر مبادئ الحياد، والابتعاد عن التبعية، والولاءات الحزبية والمناطقية، مركّزاً في منهجيته على تجسيد منطق الحوار بشكل عملي، حيث بادر إلى إصدار قرار عفو عام شمل جميع المتورّطين في أعمال الفوضى والتخريب التي شهدتها البلاد.
كما شكّل صالح لجنة حوار وطني ضمّت ممثلين عن مختلف القوى والتيارات والفعاليات السياسية والاجتماعية، وأرسى سياسة التهدئة مع ما كان يُعرف بجنوب اليمن.
وطيلة ثلاثة عقود أمضاها في السلطة، أثبت الرئيس صالح مهارة وحنكة، وسجّل إنجازات مهمة، منها تحقيق الوحدة بين شطري اليمن، ليطلق فيما بعد مساراً ديمقراطياً فتح فيه الأبواب أمام التعددية السياسية؛ كما نظّم البرلمان اليمني عبر انتخابات تشريعية خلال عامي 1993 و1997، إضافة إلى انتخابات رئاسية في العام 1999.
تميّزت حقبة الرئيس صالح أيضاً بوقوف اليمن إلى جانب القضية الفلسطينية، ودعم النضال الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي. ولا يمكن نسيان احتضان اليمن للآلاف من المقاتلين الفلسطينيين الذين أُجبروا على الخروج من لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982.
بالنسبة للجيش اليمني، فإن كل محاولات صالح لتحديثه، عبر التبديلات والإجراءات، والتراتب الهرمي، والنظام العسكري، لم تحقق انتقالاً من وضعية القبائل إلى وضعية الجيش والدولة.
في 11 شباط/ فبراير 2011، ومع تأجج تحركات الشارع العربي فيما عُرف بـ«الربيع العربي»، اندلعت تظاهرات في اليمن للمطالبة بإنهاء حكم صالح، وإجراء إصلاحات في النظام السياسي، وتحقيق الديمقراطية.
وقد وقف الشيخ صادق الأحمر، الابن الوريث لعبدالله الأحمر لزعامة قبيلة حاشد، إلى جانب المعارضة؛ وبذلك انفكّ عقد حلف صالح الذي كان لفترة طويلة مع الأحمر؛ ثم أعلن اللواء أخوه غير الشقيق، علي محسن الأحمر، قائد الفرقة المدرّعة الأولى، انشقاقه على رأس الفرقة العسكرية. أما الحوثيون في الشمال، وخصوصاً في محافظتي صعدة وعمران، فاتخذوا موقفاً مؤيداً أو مشاركاً في الانتفاضة الشعبية ضد صالح، ما أدى إلى تضعضع الحلف القبلي العسكري.
حاول صالح المراوغة للبقاء في السلطة وكلاعب أساسي على الساحة اليمنية، حيث أسهمت قوات من الحرس الجمهوري التي كان يقودها نجله أحمد، بدعم حركة «أنصار الله» للسيطرة على صنعاء، التي فرّ منها نائب صالح، المدعوم من التحالف الخليجي، عبد ربه منصور هادي.
وبعد تدخل قوات التحالف بقيادة السعودية لدعم حكومة هادي، قام تحالف الضرورة بين صالح و«أنصار الله». ثم حاول صالح إعادة الاتصال بدول التحالف؛ لكن هذه المرّة لم يحالفه الحظ، فدفع ثمن الرقص على رؤوس الثعابين (قُتل في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2017 في صنعاء).
خامساً: “أنصار الله” (الحوثيّون)
لم يكن ظهور الحوثي وأنصاره مفاجأة للمراقبين، إذ إن حسين الحوثي ينتمي إلى عائلة معروفة بالعلوم الدينية؛ إلا أن تحولات الحركة، وتطوّرها إلى مستوى خوض مواجهات عسكرية مع الدولة، هي التي جعلت الحركة في مركز الاهتمام الإعلامي.
حصلت أول مواجهة بين الحوثيين والقوات الحكومية في أيلول/سبتمبر 2004؛ وهي انتهت بمقتل زعيم الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، الذي ينتمي إلى أُسرة هاشمية يرجع نسبها إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده هو العلامة بدر الدين الحوثي، أبرز علماء المذهب الزيدي في اليمن.
سعى التيار الحوثي إلى تأطير نشاطاته التنظيمية، وأضحت الحركة الحوثية حركة سياسية – فكرية، تمحورت شعاراتها حول معاداة أميركا. وقد استعطف الحوثيون بعض القبائل، مما عزّز من حضورهم. وعلى خلفية اتهام السلطة للحوثيين بالعمل على مضايقة اليهود الساكنين في صعدة لإخراجهم منها، ولجوء اليهود إلى السلطة، دارت رحى معارك في ضحيان في العام 2007، حيث برز اسم عبد الملك الحوثي، شقيق حسين بدر الدين الحوثي.
ولِد السيد عبد الملك الحوثي في صعدة في العام 1979، وتلقّى تعليمه في المدارس الدينية؛ وهو تزعّم التيار الحوثي بعد مقتل شقيقه حسين عام 2004.
أظهر السيد عبد الملك حنكة سياسية، ومقدرات قيادية عالية، بتحويله الحركة الحوثية من دينية إلى سياسية «أنصار الله»، كما عمل على تطوير البنية التنظيمية ذات الطابع العسكري الاحترافي، في ظل اتساع قاعدة الحركة الجماهيرية، وتعاظم نفوذها السياسي والاجتماعي.
ومع ثورة شباط / فبراير 2011، دخل «أنصار الله» في مرحلة جديدة، بدءاً من مؤتمر الحوار الوطني ثم ثورة 21 أيلول / سبتمبر 2014، والإعلان الدستوري عقيب استقالة هادي، وانخراط «أنصار الله» في العملية السياسية اليمنية. في 21 آذار/ مارس 2011، شهد اليمن تحوّلاً مفصلياً تمثّل في انشقاق عدد كبير من جنرالات النظام، والمسؤولين في الحكومة، وإعلانهم تأييد الثورة؛ وكان على رأس المنشقين قائد المنطقة العسكرية اللواء محسن الأحمر، الذي كان القائد الميداني الأول للحروب ضد الحوثيين في صعدة، ما أحدث فراغاً كبيراً في المحافظة، حيث بادر «أنصار الله» إلى تولّي المسؤولية؛ واستمروا في الوقت نفسه بالاعتصامات في صنعاء، بعد توقيع اتفاق نقل السلطة من صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي بناء على المبادرة الخليجية، ومن ثم انتخابه رئيساً في 21 شباط / فبراير 2012.
وبعد فشل الحلّ السياسي بسبب السلوك السعودي، وتقسيم اليمن إلى سبعة أقاليم، ظهر نوع من التحالف التكتيكي بين «أنصار الله» وعلي عبدالله صالح لبدء ثورة مضادّة.
سادساً: الإخوان المسلمون
بدأ ظهور الإخوان المسلمين في اليمن مبكراً. ففي العام 1929 ألقى مؤسس التنظيم حسن البنا محاضرة التقى بعدها مع السيد محمد زبارة الحسن اليمني، أمير قصر السعيد في صنعاء حينذاك. وبعد أن توطدت الصداقة بينهما، زار زبارة مصر واطلع على منشآت الإخوان في الإسماعيلية؛ وكان الإخوان في اليمن يستلهمون من التنظيم في مصر كثيراً من أنشطتهم الاجتماعية والدينية، حتى أنهم حاولوا الانقلاب باغتيال الإمام يحيى بن حميد؛ وكانت الحادثة مؤشراً للدرجة التي بلغها التنظيم في اليمن وارتباطه بالتنظيم في مصر.
شارك الإخوان في مؤتمر الجند عام 1966 لتنقية الأجواء بين الأطراف المتصارعة في اليمن عقب قيام الجمهورية. وقد حضر هذا المؤتمر المشايخ والأعيان والمسؤولون، وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية عبدالله السلال؛ وكان عبده محمد المخلافي، المرشد الأول لجماعة الإخوان، ممثلاً للإخوان في المؤتمر.
مع قيام الوحدة اليمنية عام 1990، أعلن الإخوان عن تشكيل حزب سياسي باسم التجمع اليمني للإصلاح وفقاً لقانون الأحزاب، وانضمت إليه فعاليات إسلامية وشيوخ وقبائل وضبّاط وعسكريون.
وتُعدّ السنوات التي تلت ما يسمّى ثورة التغيير (شباط/ فبراير 2011) المرحلة الأكثر بروزاً في علاقة تنظيم القاعدة الإرهابي وحركة الإخوان المسلمين في اليمن. فلقد وجدت عناصر القاعدة أموالاً متدفقة من الإخوان، برغم أن العلاقة بين الطرفين كانت متناغمة خلال مرحلة ما بعد غزو جنوب اليمن في العام 1994، حيث استخدم الطرفان عناصر القاعدة من أجل ابتزاز دول الإقليم؛ كما استخدم علي عبدالله صالح هذه العناصر لابتزاز الولايات المتحدة، فحصل منها على ملايين الدولارات، مع فرض تدريب للقوات الخاصة التابعة لنجله أحمد علي صالح.
يرى الكاتب أن تنظيم القاعدة خرج من عباءة الإخوان؛ والاثنان ينتميان إلى نفس الفكر المتشدد الذي أسّسه حسن البنا وسيّد قطب؛ وبالتالي فهما يحملان نفس المرجعية الفكرية. وقد فشل الإخوان مع انطلاق «عاصفة الحزم» السعودية (في مارس / آذار 2015)، في دعوتهم للنفير العام في صنعاء؛ وهم كانوا يراهنون على قدرتهم على الاحتفاظ بمدينة المكلا والاستفادة من مخزونها النفطي، حتى سقطت بيد التحالف، الأمر الذي بدّد آمالهم بالبقاء في المشهد السياسي اليمني كما كانوا يخطّطون.
في القسم الثاني من الكتاب (الصراعات المحلية والإقليمية)، الذي سننشر قراءة له لاحقاُ، يعالج المؤلف عدّة قضايا كان لها تأثيرها الكبير في تاريخ اليمن السياسي، وأهمها العلاقة اليمنية – السعودية والعدوان السعودي على اليمن وكيف انتصر اليمنيون الفقراء على التحالف السعودي الإماراتي المدعوم أميركياً.
(سيرياهوم نيوز-الميادين13-12-2020)