| لقمان عبدالله
كما كان متوقّعاً، أُعلن، أمس، تمديد الهدنة السارية في اليمن لشهرَين إضافيَين، من دون إضافة بنود جديدة أو ضمانات إليها، باستثناء التزامات شفهية من الأمم المتحدة بالعمل على تحسين عملية تنفيذ الاتفاق في المرحلة المقبلة. وإذ بدا لافتاً الضغط الأميركي الحثيث في اتّجاه إقرار التمديد، باعتبار الهدنة أفضل الخيارات المتوافرة حالياً لإرساء نوع من «الستاتيكو» لا يشغلها عن أولوياتها، ولا يعرّض حلفاءها لخسائر إضافية لم يَعُد بمقدورهم احتمالها، فإن الكُرة الآن تبدو في ملعب صنعاء، التي لن ترتضي استمرار الأداء السابق نفسه، والذي يعني عملياً انتزاع أوراق الضغط منها، من دون مقابل حقيقي وجادّ، خصوصاً على مستوى رفع الحصار
انخرطت الولايات المتحدة، خلال الشهرَين الماضيَين، مباشرة أو من خلال الأمم المتحدة، في دبلوماسية نشطة بخصوص الملفّ اليمني، اقترحت خلالها مبادرات جديدة لم تكن مطروحة في السابق، بل إن بعض بنودها كان مثّل أداة رئيسة من أدوات الحرب في وجه صنعاء. وبحسب المعلومات، فقد ضغطت واشنطن على جميع الأطراف المحلّية والإقليمية لتسهيل تنفيذ بنود الهدنة، وحرصت، عبر وزير خارجيتها ومبعوثها إلى اليمن وسفيرها الجديد في البلاد، بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة والمبعوث الأممي إلى اليمن، على التدخّل عند كلّ عقبة تعترض نجاح الاتفاق، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها. فعلى سبيل المثال، لوحظ تكثيف للتواصل بين هذه الأطراف (الأميركية والأممية) من جهة، والجانب المصري من جهة أخرى، لأخذ موافقته على هبوط الطائرات القادمة من صنعاء في مطار القاهرة، بجوازات سفر صادرة من مناطق سيطرة «أنصار الله». بناءً عليه، يمكن القول إن بقاء الهدنة بات يمثّل مصلحة أميركية بالدرجة الأولى، بعدما توصّلت واشنطن إلى قناعة بأن حلفاءها لم يعودوا قادرين على تحصيل مكاسب إضافية في الميدان، وأن الرهان على إبقاء الوضع على ما هو عليه غير مضمون النتائج، بمعنى آخر، وفي ظلّ غياب إرادة الحلّ الشامل، أصبح الاتفاق المؤقّت لوقف إطلاق النار مطلوباً بذاته، في محاولة للحدّ من الخسائر ومنع تزايدها.
الهدنة بشروطها الحالية، ومن دون التوصّل إلى تسوية شاملة، تؤمّن للسعودية صورة «اللاخاسر»
لقد أدّت عمليتا «إعصار اليمن» اللتان نفّذتهما قوات صنعاء ضدّ منشآت حسّاسة في الإمارات، وعمليات «كسر الحصار» التي طاولت المنشآت النفطية في السعودية، مع عوامل أخرى مرتبطة بالميدان، إلى دفع واشنطن نحو استعجال الهدنة، خصوصاً أن قدرة الأخيرة على حماية كلّ من الرياض وأبو ظبي كانت على المحكّ، فضلاً عن أن التحالف السعودي – الإماراتي أتمّ، بدعم أميركي، تموضعات في مكامن تهديد يَعدّها حيوية بالنسبة إلى أهدافه، خصوصاً لناحية تأمين الآبار والمنشآت النفطية في كلّ من مأرب وشبوة، وهو تموضع يسمح للولايات المتحدة باستئناف المبادرة العسكرية في حال قرّرت قيادة صنعاء تفعيل تهديداتها في المستقبل (ويُضاف إلى ذلك تأمين الأميركيين الحدّ الأدنى من مصالحهم الأمنية، وتحديداً في ما يتعلّق بالملاحة البحرية، ولا سيما أن حلفاءهم يتموضعون في واحد من أبرز المضائق المهّمة للاقتصاد العالمي). وعليه، يمكن القول إن ما دفع الأميركي باتّجاه التهدئة، وتقديم تنازلات بقبوله رفع الحصار جزئياً، هو السعي لتحقيق الحدّ الأدنى من المصالح، من دون الانشغال عن الساحات الأكثر أهمية، والمتمثّلة اليوم في شمال أوروبا (الحرب الروسية – الأوكرانية)، والمحيطَين الهندي والهادئ حيث الكباش على أشدّه مع الصين.
أمّا بالنسبة إلى المعنيّ الأول بالحرب، أي السعودية، فمن الواضح أن الهدنة بشروطها الحالية، ومن دون القدرة على التوصّل إلى تسوية شاملة، تؤمّن لها صورة «اللاخاسر»، وهو ما كانت تطلبه الرياض منذ سنوات، الأمر الذي يفسّر انكفاءها في مشاورات إرساء الهدنة وتمديدها. لكن يبقى السؤال: هل قرّرت السعودية، فعلاً، ترْك معالجة الملفّ بالكامل للجانب الأميركي؟ وهل سيعمد الأخير، في المرحلة المقبلة، إلى مضاعفة استفادة صنعاء من الاتفاق المؤقّت، حتى يصبح مطلباً رئيساً بالنسبة إليها أيضاً؟ قد تكون هذه إرادة واشنطن والرياض ومصلحتهما، لكنّ التوصّل إلى تهدئة دائمة وتسوية شاملة يظلّ مرهوناً بموقف «أنصار الله». ولئن كانت الحركة لا تمانع الانخراط في الهدنة باعتبارها مطلباً موضوعياً له تبعاته الإيجابية على أكثر من صعيد، إلا أن استمرار تعامل «التحالف» مع الاتفاق بالطريقة السابقة نفسها، بما تستبطنه من مراوغة في رفع الحصار، لن يكون مقبولاً لدى قيادة صنعاء، التي لا تجد فائدة في التنازل عن أوراق الضغط والقوّة من جانبها، من دون أيّ مقابل.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار