د. قحطان السيوفي
الإثنين, 03-05-2021
التمويل الرقمي أو تكنولوجيا المؤسسات المالية هو امتداد طبيعي للعصر التكنولوجي الذي تستبدل فيه النقود ببديل تكنولوجي.
أدى انتشار جائحة كورونا لاعتبار التعامل بالنقد الورقي والعملات النقدية خطراً صحياً، وهذا حافز للدفع باستخدام العملات الرقمية.
أثارت الأنباء، مؤخراً، حول العملة الرقمية الصينية ضجة هائلة في الغرب لدرجة أن بنك إنكلترا أعلن عن إمكانية إصدار معادل بريطاني.
تُعد الصين أول دولة خططت لطرح عملة وطنية إلكترونية عام 2014، وتود أن تكون أول دولة في العالم تستخدم العملات الرقمية، وبدأت بتجربة استخدام «اليوان الرقمي» كوسيلة دفع إلكترونية.
اليوان الرقمي هو النسخة الرقمية التي سيصدرها بنك الشعب الصيني كأساس للتبادل التجاري داخل الصين وخارجها وسيعزز سيطرة الدولة على إدارة النقد.
سمحت الصين لشركات التكنولوجيا المالية كمجموعة «آنت» التابعة لمجموعة «علي بابا» وشركة «وي تشات» بالنمو لتصبح كيانات تشبه البنوك. اليوان الرقمي سيقلص قدرة شركات التكنولوجيا المالية العملاقة على التنافس مع المؤسسات المالية للدولة، وخاصة في مجال الائتمان.
إطلاق اليوان الرقمي الصيني يتم بالتوازي مع تعميم نظام الرصيد الاجتماعي «Social Credit System»، وسيستخدم هذا النظام مع العملة الرقمية والمحفظة في إيجاد نظام صيني مالي معولم شامل متكامل، كما سيساعد اليوان الرقمي على إنجاز المعاملات المالية بسرعة وبكلفة أقل من النظام التقليدي، وسيعزز تجارة الصين الدولية.
سيتيح استخدام اليوان الرقمي لبنك «الشعب الصيني» دعم المستهلكين الصينيين بشكل مباشر في حالات الأزمات، كأزمة كورونا، وسيسهم اليوان الرقمي في تجنب الكوارث المالية، وسيُسهل الرقابة على الأنشطة غير المشروعة، كالتهريب وتجارة المخدرات وتمويل الإرهاب، بتتبع مصادر الأموال وأصحابها وأغراض إنفاقها.
بكين أطلقت بورصة عالمية في شنغهاي لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان منذ 2019، وهذه ضربة قوية لاحتكار نظام «البترودولار» لمصلحة نشوء نظام «البترويوان». ووقعت الصين على اتفاقيات مع روسيا وتركيا وإيران والهند، لتعزيز تبادلاتها التجارية بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار.
تعمل الصين للابتعاد ما أمكن عن التجارة الدولية بالدولار، كالتجارة مع إيران وروسيا الخاضعتين للعقوبات الأميركية واللتين بلغ حجم تبادلهما التجاري مع الصين أكثر من 120 مليار دولار. وستكون الدول المشتركة في مبادرة الحزام والطريق أكثر الدول استخداماً للعملة الرقمية الصينية، ما يحول اليوان تدريجياً لعملة احتياط عالمية.
تحالفت الصين مع روسيا لإقامة نظام مالي جديد يُضعف هيمنة الدولار الأميركي، الصين تنتج 500 طن من الذهب سنوياً وتعمل لجعل الذهب كغطاء لعملتها اليوان، وتسعى الصين لتحويل إيران إلى شريك تجاري رئيسيّ، لتكون البوابة الآسيوية إلى أوروبا حتى تضعف هيمنة الاقتصاد والدولار الأميركي وفقاً لمسؤولين أميركيين، ويمكن أن يهدد اليوان الرقمي الدولار كعملة احتياطية مهيمنة في العالم، وهذا يُفسر اهتمام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن باستحداث إنشاء دولار رقمي، وعبّر بنك الاحتياط الفيدرالي عن اهتمامه بمسألة إطلاق الدولار الرقمي، ولم يترجم ذلك بعد بخطوات عملية، لاعتبارات تتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي الأميركي، حيث لا يوجد فعلياً بنك مركزي تابع للدولة، بل هناك تجمع فيدرالي من مجموعة من البنوك المركزية الإقليمية الخاصة، وهناك شبكة كبيرة من البنوك الخاصة الأصغر المنتشرة في كل الولايات المتحدة.
إن إصدار عملة رقمية في أميركا سيضر بالبنوك الصغيرة والمتوسطة، نتيجة خسارتها لودائع المستهلكين التي تشكل الأساس النقدي لتعاملاتها.
في حزيران 2019، فشلت شركة «فيسبوك» بإطلاق عملة رقمية «ليبرا 1»، وفي نيسان2020، أعلنت «فيسبوك» عن مشروع جديد سمته «ليبرا 2»، تطرح من خلاله خيارات للتعامل بعدة عملات رقمية في محفظتها الرقمية إضافة إلى عملتها الذاتية، وبإمكان مستخدمي محفظة «ليبرا» استخدام عملات الدولار واليورو والجنيه الإسترليني الرقمية، إضافة إلى عملة «ليبرا» نفسها ومن غير الواضح إن كانت ليبرا قد تواصلت مع الحكومة الصينية لإدراج اليوان الرقمي ضمن سلة عملاتها، وستعتمد قيمتها على سلة من العملات الدولية المستقرة التي ستخضع لاعتبارات البنوك المركزية، هذا يعني أن «ليبرا» تحولت لمجرد محفظة للعملات الرقمية الوطنية، وأن مشروع عملتها الرقمية العالمية انحسر إن لم يكن انتهى.
قال العضو في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي مارتن تشورزيمبا أمام لجنة مراجعة الأمن الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين: إن «الضجيج تجاوز الواقع كثيراً فيما يتعلق بالعملات الرقمية، وخاصة «الرنمينبي» الرقمي الصيني. لا نزال في مرحلة مبكرة لأن معظم البنوك المركزية مترددة في إصدارها» وهو يزعم أنه «من غير المحتمل أن يمثل اليوان الرقمي تهديداً لهيمنة الدولار الدولية».
ترى الصين أن خضوعها لسيطرة الدولار في تجارتها الدولية وللعقوبات الأميركية المالية أحياناً خسارة لسيادتها الوطنية، وتعتبر التحرر من سيطرة الدولار المالية استمراراً لمسيرة التحرر من السيطرة الاستعمارية الغربية.
قوة بكين في مواجهتها مع واشنطن تكمن في خياراتها الإستراتيجية، كاستهداف الدولار باليوان، وتحالفها مع خصوم أميركا الأقوياء مثل روسيا، ثم الدخول إلى الاقتصاد الإيراني وكسر العقوبات الأميركية إزاءها، ويشير المشككون إلى أن العملات الرقمية لم تحقق بعد اعتماداً واسع النطاق في النظام المالي. جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وصف العملات الرقمية بأنها «أدوات للمضاربة»، وهذه دلالة على وجهة نظر سائدة بين صناع السياسة في أميركا والعالم.
وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا لإطلاق الروبل الرقمي ويمكن أن تؤدي سرعة وكفاءة نظام الدفع الرقمي إلى قيام منتجي السلع والمستهلكين في العالم باستخدام اليوان الرقمي أو الروبل الرقمي. يمكن للصين وروسيا معاً أن تمليا الشروط لدعم استخدام عملاتهما الرقمية.
باعتبار الصين أول دولة تطرح عملتها الرقمية في السوق، قد يصبح اليوان الرقمي العملة المفضلة في العالم، وإضعاف هيمنة الدولار الأميركي. بينما لا توجد أي معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة أو أوروبا تعملان على عملاتهما الرقمية الخاصة للحاق بالجهود الصينية والروسية، سيكون اليوان الرقمي هو الخطوة الأولى نحو استبدال الدولار كعملة احتياطية ويهدد بهيمنة الدولار عالمياً.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)