آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » ” امرأة متمرّدة ” تُشعلُ فتيلَ الحريّة في قنّبلةِ الذكورةِ الموقوتة ِ

” امرأة متمرّدة ” تُشعلُ فتيلَ الحريّة في قنّبلةِ الذكورةِ الموقوتة ِ

 رنا بدري سلوم


للمرة الثالثة على التوالي لم يتوان الزميل الصحفي والروائي سهيل الذيب أن يكتب الحرب دون أن يقف عند إشارات مرورها، ويدوّن دموعَ الأنثى متجاوزاً خطوطاً حمراء وضعتها الأعراف بحكم العادة!، حتى أبصرت منذ أيام روايته ” امرأة متمرّدة” النور بوميضٍ وضّاء، قد لا يروق للبعض! ولاسيما جرأته في طرح رواية بطلتها المراسلة الصحفية “معيبة العواد” الأنثى التي لم تتجاهل ولم تغض الطرف عن حقّها، في الحياة والعمل على خطوط النار فكانت تدعو للمساواة وتقبّل اختلاف المذهب في حبّها لحسن خوري فهو ما تعتبره حريّة ” الحب تحرير من أي قيد يشدني إلى سجن اجتماعي أو إلى أي سجن آخر “.
لم يكن الحب وحده مداداً لرواية “امرأة متمردة” كما يخيّل للقارئ في البداية، بل الحريّة التي طالبت بها الشعوب والتي فهمها خطأ أصحاب الثورات!، بادئاً الذيب من قصة محمد البو عزيزي الشاب التونسي الذي أضرم النار بجسده ، فبها روّس الذيب خيط الثورات التي نادت الحريّة ماراً بمقتل العقيد معمر القذافي من ثم الأحداث الثورية الأصولية في العراق جلّ ما فعلته هو القتل والتدمير والخراب، وصولاً إلى حرب أكلت الأخضر واليابس وما زالت مستعرة، ” وكأنني ما وعيت الحياة إلا عليها، فالتظاهرات التي بدأت في درعا حتى الوصول إلى أبناء جلدتنا الذين سندونا في السراء والضراء جعلونا ألد أعدائهم، فحاصرونا في لقمة عيشنا ومنعوا كل شيء عنا بحصار اقتصادي هو الأكثر ظلماً في التاريخ”.
المرأة التي تناولها الراوي في عرضه المفصّل لاحتياجات الأنثى ورغبتها بالحبّ و تغيير النظرة الدونية للعلاقة الحميمة وتشريع الزواج المدنيّ قد تحكي بلسان كل فتاة شرقيّة لم تخرج من صمتها في نفقٍ مجتمعٍ مشابه قد تمر به، فصوّرها في كل طقوسها ومعاناتها مع مجتمع ذكوريّ حتى النخاع، ولم يغّيب دورها الوطنيّ فتناول أقدس أعمالها وهي الشهادة ذاكراً “ريحانا الكردية ” التي قتلت مئة من داعش بمفردها وحين ألقوا القبض عليها قطعوا رأسها وساروا به يحملونه من شعرها الأشقر متباهين بنصرهم الوضّاء، كانت أمثولة للشجاعة والبطولة ألقيت على مسامع البطلة ربما لتكون الشرارة التي اشتعل فتيلها في رأس المراسلة الصحفية “معيبة العواد ” التي أدت دورها كمراسلة حربية في صحيفة الحرية كما أسماها الذيب فهي تعد نفسها مقاتلة في صفوف وطنها بالقلم والأوراق،فغطّت الحرب الدائرة في محافظة إدلب التي تتواجد فيها الميليشيات التركية، وكانت شاهدة على المجازر التي ارتكبت في ريف اللاذقية الشمالي عندما دخل إليها تنظيم داعش وبعض التنظيمات المسلحة، استذكر الذيب الشهيد “باسل قرفول” الذي حمى جمعية الزهراء غرب حلب من ثلاث سيارات مفخخة.
ما جعل وقائع الرواية حقيقية وحالمة في آن، أما عن حبكة الرواية فكانت نمطية في تسلسل أحداثها حين سردت البطلة حكايتها منذ فجرها الأول وهي في رحم الأم إلى نهاية الرواية المفتوحة، فحين نصل إلى عقدة الرواية تكون قد سارت البطلة في منحى آخر وهو قتلها “عثمان الدومري الملقب أبو محمد القرشي” الذي كبّر على رأسها ليتزوجها، وفي الوقت نفسه قاتل أباها لأنه لم يقبل تزويجها له، والذي ثبت أثناء التحقيق أنه تاجر للأسلحة وبيته يمتد خندقاً إلى آخر المدينة يضم عدداً من السجناء والأسرى والمخطوفين، فتمر أيام عدة تعيشها البطلة تبحث عن حبيبها حتى تلقاه في إحدى المستشفيات، إضافة إلى الشخصيات الثانوية التي تلعب دوراً بارزاً في الحوار الداخلي للرواية من ثم يرحل البعض ويموت الآخر، ويبقى المضمون العام للرواية هو الأساسي الوعظ والقيم العظيمة التي غرسها الإنسان منذ أن رأى النور والاعتراف بضحالته وعزه وضعفه أمام قوة رهيبة وتأكيد الراوي أن الحرية محبة ونور أخلاقي ينير القلب والوجدان.
أما عنصر مكان الرواية فقد اختار الذيب مدينة عمريت أو” ماراتوس” مدينة أثرية سورية على ساحل البحر الأبيض المتوسط تأسست في العصر الأموري في الألف الثالث قبل الميلاد، تبعد عمريت 7 كم عن مدينة طرطوس باتجاه الجنوب تنتشر فيها الآثار والأوابد، وهو ما خلق جوا عاطفيا أثناء التطرّق للجو عمريت كلما اجتمع العاشقان.
ربما أخذت رواية ” امرأة متمردة طباعة دار توتول ” الرواية العاطفية الرومانسية وهو ما صورته الفنانة التشكيلية ناديا نعيم في رسمها للغلاف، فرغم واقعية الأحداث المتصاعدة، بقي حوار القلب حاضراً في معظم الأوقات فخلق جواً عاطفياً. بينما تخلل عنصر زمن الرواية سنوات الحرب العشر حتى وصولنا إلى أحداثنا الراهنة وأبرزها تفشي جائحة كورونا، ” ما الذي تراه في زمن الكورونا يا حسن؟ أعادني هذا الفيروس رغم الخوف منه إلى إنسانيتي وفي الوقت ذاته عزز الوحدانية وحب الذات والابتعاد عن الآخر الذي قد يكون أماً وأباً وابناً وابنة أو عاشقاً أو معشوقاً أو أخاً وأختاً فكك العلاقات الاجتماعية السائدة وانتقل إلى الذات وحدها باحثاًعما يفرحها ويرضيها.

أبقى الروائي سهيل الذيب النهاية مفتوحة لقصة حب عاشت تناقضات الأديان، فتكاملت الرواية في عناصرها وزادها بريقاً أسلوب الراوي الشائق والممتع في نسج قصص عشناها في زمن الحرب والحب “وحدنا أنا وحسن وروميليوس خاطبته: يا سيد الحياة وباعثها لم أعد أحتمل كل هذا الموات الإجباري أنا عشتار ربّة الخصب.. لابد من الرحيل يا حسن كل الأمكنة سترحب بنا عدا تلك التي ترفع سيوف الله!”.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...