آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » امرأَةٌ أُخرى على ريشة جبران

امرأَةٌ أُخرى على ريشة جبران

 

هنري زغيب

 

هو اليوم في السنة 94 لغيابه، وما زال مقصد الباحثين والنقَّاد والدارسين. ولا يزالون يكتشفون في مسيرته القصيرة (48 سنة) أَسماء وأَشخاصًا كان لهم في حياته، ولو عابرًا، حضورٌ يُطلُّون به من خلال حديثهم عنه، فيستقرُّ في مسيرتهم حضورًا غير عادي.

 

الباحثان الجبرانيان فرنشسكو ميديتشي (Francesco Medici) وغْلِن كالِـم (Glen Kalem) وَجَدَا ذكْرًا لجبران في الكتاب البيوغرافي “التذكارات” (صدر في بوسطن سنة 1938) للكاتبة ناتالي سيدويك كولبي (1875-1942)

مَن هذه السيّدة؟ وما علاقتها بجبران؟

 

الكاتبة المثقَّفة

إِنها الروائية ناتالي سيدْويك. نَشرَت مقالاتٍ كثيرةً في عدد من كبريات الصحف، ولها قصصٌ قصيرة، وخمسُ روايات.

هي ابنةُ وليام تاكِر وُشْبْرُوم وكاثرين سيدويك وُشْبْروم. ولدَت في 4 شباط/فبراير 1875. في العاشرة تُوفيت والدتها في سويسرا، فعادت إِلى سْتوكْبْرِدْج (ماساشوستس) وحملَت اسم عائلة والدتها (سيدْويك). في التاسعة عشْرة أُغرمَت بالمحامي براينبريدْج كولْبي (23 سنة)، ولم يكن معاشه أَكثر من 12 دولارًا في الأُسبوع. تزوَّجا سنة 1895 في بيتها الوالدي (سْتوكبْرِدْج – ماساشوستس). ولاحقًا عاشا في باريس، وكتبَت عنه مقالات ساخرة، ما أَزعجه وطلَب الطلاق منها سنة 1928، لكنَّ محكمة فرساي الفرنسية رفضَت الطلب، لأَنه ليس مواطنًا فرنسيًّا ولا يحمل بطاقة إِقامة دائمة في باريس. انتقَل بعد أَشهر للسكن في مدينة رينو (ولاية نيفادا الأَميركية) وتقدَّم مجددًا بطلب الطلاق فحصل عليه.

 

 

… وروزفلت بينهما

بعدما كان براينبردْج كولْبي سنة 1936 داعمًا الرئيس الأَميركي فرنكلين روزفلت في حملته الانتخابية، انقلب عليه في محاولته التجديد ولايةً ثانية، رافضًا محاولة التجديد. لكن ناتالي ناصرَت روزفلت، وكتبَت: “أُؤْمن أَنَّ الرئيس روزفلت رجلُ دولةٍ فريدٌ ويستحقُّ التجديد”. وكانت ناتالي كذلك عضو الهيئة الإِدارية في “نادي القلَم” الأَميركي (Pen Club)، وفي عدد آخر من النوادي والهيئات الأَدبية والثقافية. توفيَت في منزلها النيويوركي صباح 10 حزيران/يونيو 1942، وكانت كتبَت في وصيتها أَلَّا يقامَ لها مأْتم عام بل عائلي بحت، لا تحضرُهُ سوى بناتها الثلاث: فرنسيس، ناتالي وكاثرين.

 

“نيويورك تايمز” تنعاها

في 11 حزيران/يونيو، صدرَت “النيويورك تايمز”، وفي صدر صفحتها الثقافية عنوان كبير: “وفاة الروائية ناتالي كولبي، صاحبة الروايات الشهيرة”. وجاء في متن الخبر أَنَّ لها كتاب “التذكارات” (خريف 1938) وهو عن سيرتها الشخصية، رسمَت فيها ملامح كاريكاتورية ساخرة لعدد من الأَشخاص في محيطها، وبينهم زوجها.

 

 

جبران في “تذكاراتها”

في أَواخر 1920 تعرَّف جبران بالمحامي النيويوركي براينبردْج كولْبي (1869-1950) وزوجته ناتالي. بدأَت علاقته بهما منذ وقَّع جبران لهما على بعض كتبه. ولاحقًا اشتَرَيَا منه رسمين بالقلم الرصاص، أَحدُهما لوجه ناتالي (1922). ثم أَخذَت ناتالي تدعوه إِلى مجالسها الأَدبية في بيتها، فراح يتعرف لديها بأُدباء وشعراء أَميركيين من معارف ناتالي، وتوسَّعت شهرتُهُ بينهم.

في كتابها “التذكارات” (بوسطن 1938)، كتبَت (صفحة 238) عن جبران: “شاعر ورسام، تتلمذَ على رودان. هو قصير القامة إِنما قويُّ الشخصية. أَصبح مع الوقت صديقًا لي. أَذكر أَنْ كانت له عينان مشْبَعتان دائمًا بحُزنٍ بعيدٍ، تُؤَثِّران عميقًا في مَن يتفرِّس بهما، بينما على طرفَي فمه بسمةٌ هادئة دائمًا. كانت في لُكْنته الأَميركية ملامحُ من لغته العربية الأَصلية، خصوصًا حين يشعر بالضجر من الضوضاء في الجلسات. وكم كان ينفر من السلوك الأَميركي الحيادي حيال أُمور تستحق الاهتمام، لأَنه كان يتطلَّب لها حرارة في التلقِّي مثلما كان يشعر بها بين أَصدقائه. وهو كان يستحقُّ ذلك، لأن كتابه الرائع “النبي” بلغَ طبعته التاسعة ولا يزال يستقطب القراء. وعلمْتُ منه أَنَّ بين أَشهر المعجبين بالكتاب: الملكة البريطانية ماري التي كان فصل “الأَولاد” في “النبي” هو الأَقرب إِلى قلبها”.

 

 

 

ثلاثة إِهداءَات من جبران بخطه إِلى ناتالي (1921 و1926)

ثلاثة إِهداءَات من جبران بخطه إِلى ناتالي (1921 و1926)

 

منغمس في محترفه

في مكانٍ آخر من الكتاب، كتبَتْ تصفُهُ في عمله: “كان يفضِّل أَن يُمضي وقتًا طويلًا وحده في محترفه، مرتديًا مريول الرسم، يقرأُ أَو يرسم أَو يكتب، منغمسًا كليًّا في ما هو إِليه، غير مكترث بكل ما حوله. وأَذكر أَن بسمته على طرفَي فمه لم تستطع يومًا أَن تُخفي سُطوع النبرة النبوية في عينيه”.

 

 

أخبار سوريا الوطن١-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فسيفساء الخشب.. فن دمشقي عريق يقاوم الاندثار

رغم كل المصاعب، يحرص حرفيون في العاصمة السورية دمشق على الحفاظ على فن الفسيفساء الخشبية الذي يجسد الروح الجمالية والإرث الفني للمدينة، وسط مخاوف من ...