البروفسور كمال مجيد
احتلت امريكا وحلفاؤها العراق سنة 2003 للبقاء فيه بصورة دائمية للسيطرة على نفطه وخبراته ولاستخدامه كقاعدة دائمية للهجوم على ايران ثم محاصرة روسيا من الجنوب . لهذا صرفت امريكا 750 مليار دولار لبناء قواعد عسكرية دائمية في العراق، كما شرح البؤوفسور ستيغليت الامريكي المشهور في كتابه ( الحرب المكلفة 3 ترليونات).
لتثبيت احتلالها ولتحطيم المقاومة العراقية قتلت الجيوش الامريكية ما يزيد عن مليون عراقي وقسمت الباقيين الى ثلاث مكونات متخاصمة هم السنة والشيعة والاكراد . ولتأجيج الخلافات الطائفية والعرقية استخدمت امريكا حتى عصابات شركة بلاك وتر لاختطاف وقتل الكثيرين من التابعين لمختلف هذه المكونات.
للتغطية على جرائمها وتعميق العداء بين المكونات المختلفة ركزت امريكا على نشر الدعاية الخبيثة بتكرار، مستخدمة ً قناة الحرة التلفزيونية بل المخابرات المركزية التي تسيطر في بغداد على اكبر سفارة لها في كل العالم، للوم المنظمات المعادية للاحتلال واتهامها بكل ما يحدث.
بعد فشل امريكا في القضاء على المقاومةالعراقية للاحتلال ، بمشاركة الحكومة ذاة الاكثرية الشيعية، التجأت الى تشكيل وتوجيه منظمات (( الصحوة )) لضرب المقاومة وتقسيمها. انها قامت ايضا ً بتدريب السلفيين والوهابيين في سجن بوكا للسيطرة على معظم المناطق في شمال البلاد وغربها. ولفشل حكومة نوري المالكي في المقاومة تكونت منظمات الحشد الشعبي للدفاع عن الوسط والجنوب. هكذا سادت حرب شرسة واسعة اشترك فيها ابناء الشعب الواحد، امتازت حتى بذبح الناس ورميهم في نهر دجلة مع تلاوة الايات القرآنية المشجعة. من الصعب انقاذ سمعة اية جهة من الجهات المتحاربة واظهارها وكأنها ملائكة معصومة، خاصة ان معظم المحاربين كانوا متطوعين لا يعرفون معنى الضبط العسكري و منهم من حمل السلاح لغرض الثـأر والانتقام ليس الا.
وفي مثل هذا الجو المخيف قرر الرئيس ترامب توسيع نفوذ اسرائيل في المنطقة، بحجة التطبيع، من جهة و من الجهة الاخرى انسحب من الاتفاقية النووية مع ايران وفرض الحصار الاقتصادي القاتل عليها.
لغرض توجيه تقمة شعوب المنطفة بعيدا ً عن نفسها ركزت الدعاية الامريكية على اظهار الجرائم السائدة وكأنها من انتاج ايران . وحين تكونت المليشيات العراقية البطلة لمقاومة المحتل الصهيو امريكي وطرده من العراق اتهمت المخابرات الامريكية ايران و هذه المليشيات بل وتلك المناضلة في فلسطين ولبنان كلها بالارهاب.
بتوجيه مستمر من الابواق التلفزيونية المأجورة تم نسيان امريكا وجرائمها في ابو غريب والفلوجة والنجف والبصرة وجرائم الطائرات الامريكية التي حطمت مدينة الموصل بعد منع الحشد الشعبي من المشاركة في المعركة فيها.
هكذا انتشرت الدعاية التي تخدم امريكا مثل الادعاء بأن ايران تريد ضعف العراق وتشتته، او هناك فاسدون وطائفيون يعملون في خدمة ايران. او ان رامسفيلد، وزير الدفاع الامريكي اثناء الاحتلال، نشر كتابا ً يقول فيه بأنه اهدى 200 مليون دولار للسيستاني لاقناعه على قبول الاحتلال. انني ضد تدخل السيستاني في الشؤون العراقية، لأنه اجنبي رفض الجنسية العراقية ولعدم اصداره فتوى واحدة ضد الاحتلال. مع هذا قررت قراءة كل صفحات كتاب رافسفيلد دون ان اجد كلمة واحدة حول استلام السيستاني شيئا ً من رامسفيلد. فالكذب سلاح ملائم في الدعاية.
حتى الذين استنكروا الاحتلال اخذوا يركزون على الدعايات الامريكية بتكرار ، دون ابراز مصدرحقيقي واحد ودون الشعور بأنهم يخدمون العدو ويغطون على جرائمه المستمرة. انهم ، مثلا ً، يتهمون كتائب حزب الله بقتل الابرياء دون الاشارة بكلمة واحدة الى اغتيال نائب رئيسها قبل ايام! ولا حتى الى اعتراف الحكومة الامريكية بقتل رئيسها ابو مهدي المهندس!
كنقيض ضروري لانشقاق الشعب العراقي وسيادة الاشاعات والفوضى اتسعت المطالبة بجلاء القوات الامريكية من العراق. لكن بدل القبول بهذا المطلب العادل قرر الرئيس الجديد بايدن القيام بعكسه بتبديلها بقوات حلف الاطلسي التي تسيطر امريكا عليها عمليا ً، ذلك حسب تصريح السكرتير العام للحلف في 18/18/2/2021 (( برفع عدد قوات الحلف في العراق من 500 الى حوالي 4000 عضو.)) ( راجع غوغل.)
اذا ً ترفض ادارة بايدن الجديدة الخروج من العراق ، بل العكس انها قررت تقوية مركزها وتوسيعها. هنا تأتي الضرورة الآنية الماسة لتوحيد كل الشعب العراقي ، لا ضد ايران ولا ضد المليشيات العراقية بل الاستفادة منهما ضد العدو الامريكي الذي يرفض الجلاء. وفعلا ً اجتمع ما يزيد عن مليون عراقي في ساحة التحريرببغداد لتوحيد وتعبئة الجماهير للعمل على طرد العدو المحتل، الامر الذي اغضب امريكا فقررت اضافة اسم الفياض، رئيس الحشد الشعبي، في قائمة الارهابيين.
الحقيقة الثابتة هي ان امريكا ، بمرور العصور العديدة، لم تؤمن بالجلاء بل تحتقر رأي الشعوب لكونها ، منذ تأسيسها، تمتاز باحتلال البلدان الاخرى وتخريبها. انها حاربت البلدان الاخرى 280 مرة. انها طردت اسبانيا وسيطرت على تكساس ونيومكسيكو وكالبفورنيا واغتصبت السكا وجزرالهاوايي وهونولولو وغوام . انها قصفت اليابان ، دون حياء، بقنبلتين ذريتين في نهاية الحرب العالمية الثانية ومازالت تحتل اوكيناوا البابانية. ثم استخدمت الاسلحة البايولوجية اثناء تحطيم كوريا الشمالية. انها قصفت المزارع الشاسعة في فيتنام بايجنت اورانج السامة واستخدمت غاز السارين في لاوس وكمبوديا والقنابل المغطاة باليورانيوم في افغانستان والعراق وبوسنيا وكوسوفو، في حملتها لتمزيق يوغسلافيا. انها استخحدمت الاسلحة الكيمياوية في باناما ستة 1989 بغية السيطرة على القناة. انها حطمت فلسطين وسوريا والصومال والسودان واليمن ولبيبيا وكونغو ونيكراغوا وهاببتي .انها استغلت نقمة الشعوب لدفعهم للقيام بما يسمى بـ ((الثورات الملونة )) فاستخدمت القناصين لاسقاط الحكومات في تشيكوسلوفاكيا والبانيا ورومانيا وجورجبا واوكرانيا وهاببتي واندونيسيا . وبـ ((الربيع العربي )) اسقطت الحكومات في تونس ومصر وليبيا ومازالت تحاول في سوريا فقصفتها يوم امس في 25/2/2021.
لقد نجح العدو الامريكي في شق الشعب العراقي عنصريا ً و مذهبيا ً واقترح بايدن نفسه ، سنة 2006 ، بتقسيمه. فهناك الآن الضرورة القصوى للتركيز المستمر على نبذ الخلافات القائمة بين ابناء الشعب الواحد و التي تعمقت نتيجة الدستور (المكوناتي). هناك ايضا ً الضرورة القصوى لتوحيد الشعب وتنظيمه بقيادة الكوادر القديرة من كل الاطياف. .لهذا كتب البروفسور سعد ناجي جواد في رأي اليوم الغراء في 22/2/2021 يؤكد على : (( ان العراقيين وحدهم هم اصحاب المصلحة الحقيقية في الحفاظ على وحدة وقوة وامن واستقرار العراق؟ وان هذا الامر لن يتحقق الا بالتعاون فيما بينهم لبناء عراق موحد، متماسك وديمقراطي …. )) واضاف الدكتور ابراهيم معلقا ًعليه يقول (( لا خلاص للعراقيين الا بالاعتماد على انفسهم وبالتخلص من الفاسدين والوجوه الفاشلة ووضع برنامج وطني يضمن مشاركة كل المكونات ويحفظ حقوقهم ووضع خطة واضحة لردم الهوة التي خلقها الاحتلال ومن جاء معه. ))
لتحريرعراقنا المشتت هناك الآن الضرورة القصوى لوجود منظمة وطنية كفوءة تؤمن بوحدة الشعب العراقي وبمساواة العرب والاكراد والتركمان والكلدو آشوريين والارمن. منظمة تشمل المسلمين والمسيحيين والصابئة واليزيديين. نحن العراقيون نحتاج الى نبذ الخلافات التي ورثناها من الحرب العراقية الايرانية التي خططها هنري كيسنغر ومولها شيوخ الخليج الذين يتسارعون الآن للاعتراف باسرائيل وعقد حلف معها. اننا بحاجة الى فكر جديد وعمل جديد ضد الطائفية وضد الانحياز القومي والديني ومنع تقسيم الشعب الى “الاكثرية” و”الاقلية” واحتكار قمة الحكم بواحدة منها. فالنسيج العراقي المتعدد يرفض بشدة سيطرة كتلة انعزالية عليه بحجة سمو دينها او قوميتها.ان الادعاء بكون العرب او الشيعة هم الاكثرية فلهم حق قيادة الحكومة او الادعاء بأن للاكراد حق الانفصال او حتى الفيدرالية ادعاءات مفرقة في بلد مثل العراق وقد تم الاثبات على ضررها و فشلها. علينا ان نتحد على اساس ((العراقيون متساوون في كل الحقوق والواجبات ! )) نعم علينا ان نوحد كل من يمكن توحيده لانقاذ كل الشعب من الجحيم الذي يعيشه بكل الطرق الممكنة. فشعبنا يستحق الحرية مثل الشعوب في فيتنام وكوبا وفنزويلا وكوريا. فقط بعد التحرر يستحق لنا حتى التفكير بالديمقراطية!
رأي اليوم-سيرياهوم نيوز