تقرير خضر خروبي
خلافاً للتوقعات، أَظهرت نتائج الانتخابات العامة في باكستان، ضمن سباق محموم على مقاعد البرلمان الـ 266، من أصل 336 منها 70 مخصصة لكلّ من النساء والأقليات، فوزاً ساحقاً لـ»حركة إنصاف»، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد. فالانتخابات التي جرت في سياق سياسي هو الأكثر جدلية في تاريخ البلاد، منحت الحركة، بزعامة عمران خان القابع في السجن منذ شهر آب الماضي بتهم أربع أساسية، العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، أي ما يقرب من 100 مقعد في «الجمعية الوطنية»، الغرفة الدنيا للبرلمان، وذلك في مقابل حصول «حزب الرابطة الإسلامية» بزعامة نواز شريف، على نحو 71 مقعداً، وفق النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات الباكستانية بعد الانتهاء من فرز 90% من الأصوات. وعقب ظهور النتائج الأولية، نشرت «إنصاف»، مساء الجمعة، مقطعاً مصوّراً تمت فيه الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وقد ظهر فيه خان مخاطباً مناصريه، قائلاً: «أهنّئكم جميعاً بالفوز في انتخابات عام 2024».
«كسر قواعد اللعبة» من خلف القضبان
في معرض تعليقها على نتائج الانتخابات الباكستانية، ذهبت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى القول إنّ ما جرى يحمل إشارات «توبيخ شديد اللهجة للجنرالات الأقوياء» على رأس المؤسسة العسكرية، ولا سيما أنها المرّة الأولى التي يتمكّن فيها أحد اللاعبين السياسيين من تسجيل نجاح انتخابي بهذا الشكل من دون أن يكون مدعوماً من الجيش. وأضافت الصحيفة أن الحدث الباكستاني شكّل «مفاجأة» بالنسبة إلى العسكر، لأنهم كانوا يتوقّعون «نصراً سهلاً» للحزب الذي يتزعمه شريف، ويراهنون على الانتخابات بغية «وضع حدّ لحالة الاضطراب السياسي» الراهنة. ووفق الصحيفة، فإن النجاح الانتخابي الكبير لحركة «إنصاف»، «أفضى إلى قلب قواعد اللعبة السياسية السائدة في باكستان منذ عقود، والقائمة على دور شبه مطلق للجيش، وخصوصاً لناحية توجيه دفة سياسات (الحكومات المتعاقبة) من خلف الستار، أو لناحية تزكية وصول القادة المدنيين إلى السلطة، وخلعهم منها». وخلصت إلى القول إن نتائج الانتخابات «أظهرت أن خان لا يزال يُعدّ قوة سياسية لا يستهان بها في المشهد الباكستاني، على رغم تنحيته وسجنه» على ذمة قضايا تبلغ إجمالي فترة محكوميتها نحو 34 عاماً، مبيّنة أن «استراتيجية خان المرتكزة على الدعوة إلى الإصلاح، ومقارعة الجيش، لاقت أصداء واسعة لدى عموم الباكستانيين، وخصوصاً الشباب منهم، ممَّن ضاقوا ذرعاً بالمنظومة السياسية».
وفي الاتجاه نفسه، أكد المحلّل السياسي الباكستاني، زاهد حسين، أن ما أفرزته الانتخابات العامة في البلاد يمكن عَدُّه بمثابة «تصويت معارض لمنظومة الحكم التقليدية أو الـ Establishment، وقوى الوضع الراهن برمته، ولا سيما الحزبَين السياسيَّين الأساسيّين الآخرين، ونهج الحكم العائلي»، في إشارة إلى المؤسسة العسكرية، وحزبَي «الرابطة الإسلامية» بقيادة آل شريف، و»الشعب» بقيادة آل بوتو وزرداري.
مشهد ما بعد الانتخابات: حلقة اللااستقرار المفرغة
من جهتها، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن ما حقّقه المرشحون المحسوبون على «حركة إنصاف» «تجاوز التوقعات إلى حدّ كبير»، لافتة إلى أن نتائج الانتخابات تحمل دلالات على «استمرار الدعم (الشعبي) للحركة، التي جرى تهميشها سياسياً من قِبَل المؤسسة الباكستانية». وانطلقت الصحيفة الأميركية من تصريحات كان قد أدلى بها نواز شريف، عقب الانتخابات في مقر حزبه في مدينة لاهور، أكد فيها اعتزام حزبه السعي خلف تشكيل حكومة ائتلافية بالتعاون مع أحزاب أخرى، في ضوء إقراره بعدم امتلاك «الرابطة الإسلامية» أغلبية حاسمة لتشكيل حكومة بمفردها، مستبعدةً أن يكون شريف بصدد التعاون مع حزب خان لهذه الغاية، وذلك بالنظر إلى كون الأخير على خلاف عميق مع المؤسسة الباكستانية من جهة، وإلى صعوبة عودته إلى السلطة في الوقت الراهن من جهة ثانية، مع بقاء زعيمه خلف القضبان، وتفضيل قيادات رفيعة فيه البقاء في صفوف المعارضة للحكومة والجيش معاً.
نبّهت قيادات في حركة «إنصاف» إلى وجود محاولات من جانب سلطات إسلام أباد للتلاعب بنتائج الانتخابات
ورجّحت الصحيفة أن يعمد شريف إلى تشكيل حكومة ائتلافية من خلال التحالف مع «حزب الشعب» الباكستاني، بقيادة بيلاوال بوتو زرداري، لأن هذا هو «الطريق الأكثر وضوحاً أمامه للوصول إلى السلطة».
وفي ظل تشكيكها في نيات الحكومة على وقع تباطؤ عملية فرز الأصوات، والتي سبقها انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت مع بدء عملية الاقتراع الخميس الفائت، نبّهت قيادات في حركة «إنصاف» إلى وجود محاولات من جانب سلطات إسلام أباد للتلاعب بنتائج الانتخابات، مرفقةً كلامها بنبرة تحذير من أنها قد لا تتمكّن من السيطرة على ردود فعل أنصارها إذا ما شعروا بأن أحداً سلب ما يرونه «انتصارهم الانتخابي»، وهو ما لمّح إليه الأمين العام للحركة، عمر أيوب خان، حين دعا مناصريه إلى التظاهر خارج مراكز الاقتراع للمطالبة بتسريع عمليات الفرز. دعواتٌ واكبتها أنباء عن وقوع ضحايا في اشتباكات بين أنصار خان، والشرطة أمام عدد من تلك المراكز في بعض المناطق، كبلوشستان، وخيبر بختنخوا، إضافةً إلى مواقف دولية، منها ما صدر عن وزارة الخارجية الأميركية التي أعربت عن «قلقها من المزاعم المتعلّقة باحتمال حصول تدخل سياسي في العملية الانتخابية». ومن هذا المنطلق، رأى المحلّل السياسي الباكستاني، إعجاز خاتاك، أن «هناك احتمالاً قوياً لتفاقم حالة عدم الاستقرار»، وخصوصاً إذا ما شعر أنصار خان بأن مرشحيهم الفائزين بالانتخابات «يُكرهون» على الانضمام إلى ائتلافات حكومية، على غرار تلك التي ينشدها شريف.
وعلى وقع معركة مرتقبة بين حزبَي «إنصاف» و»الرابطة الإسلامية» على خطب ودّ المشرّعين لتشكيل حكومة ائتلافية، يستبعد محلّلون غربيون نجاح «إنصاف» في هذا الخصوص، ولا سيما أنه بصدد مواصلة الصدام مع السلطات الباكستانية من بوابة نيّته تقديم طعون انتخابية في نتائج الاقتراع في عشرات المناطق. في المقابل، يجزم آخرون بأن «أيّ حكومة ائتلافية يتمكّن شريف من تشكيلها، ستكون معنية بمواجهة تحديات سياسية خطيرة، بالنظر إلى أن الحكومة الائتلافية السابقة، والتي قادها حزبه، لم تكن تتمتّع بشعبية كبيرة، على خلفية سجن خان، فضلاً عن إخفاقها في معالجة الأزمة الاقتصادية». ووفقاً لهؤلاء، فإن أيّ حكومة سيرأسها شريف، أو يشارك حزبه في تشكيلها، ستواجه «أزمة شرعية» بعد تقارير في شأن مزاعم بتورّط الجيش في التلاعب بفرز الأصوات خلال الساعات الماضية لحساب «الرابطة الإسلامية»، ما ينذر ببقاء المشهد السياسي الباكستاني مفتوحاً على «معارك قضائية طويلة» قبل حسم نتائج الانتخابات والطعون الانتخابية المصاحبة لها، وقبل خروج أيّ حكومة مقبلة إلى الضوء.
سيرياهوم نيوز 1_ الاخبار اللبنانية