| حسني محلي
في كلِّ خطاب لإردوغان ووزرائه، لا بد لهم جميعاً من أن يتهموا كليجدار أوغلو وتحالف الأمة “بالخيانة الوطنية والتآمر مع العدو الخارجي والتحالف مع الإرهاب”.
استنفر الرئيس رجب طيب إردوغان كل إمكانياته وإمكانيات الدولة التركية لمنع منافسه كمال كليجدار أوغلو من الفوز عليه في الجولة الأولى، ظناً منه أن الجولة الثانية ستكون لمصلحته، ما دام يسيطر على جميع مقومات الانتصار، وأهمها المال وأجهزة الدولة (الأمن والاستخبارات والقضاء) و90% من الإعلام الحكومي والخاص، وهو ما لم يكن كافياً بالنسبة إليه كي يضمن فوزه على كليجدار أوغلو.
وتتوقع معظم استطلاعات الرأي لكليجدار أوغلو أن يفوز في الجولة الأولى. وما لم يفز فيها، تشير التوقعات إلى أنه سيفوز في الجولة الثانية بفارق 5 نقاط على الأقل، والبعض يقول 10 نقاط، بسبب رد فعل الشارع الشعبي، بما فيه بعض أنصار إردوغان وأتباعه الذين سئموا من أسلوبه الاستفزازي التصعيدي والمتدني، والقول لهؤلاء الأتباع الذين باتوا يقارنون بين “المتوتر” إردوغان و”الهادئ” كليجدار أوغلو.
دفع ذلك إردوغان إلى المزيد من التصعيد لضمان دعم أنصاره وأتباعه له، وعبر المقولات القومية والدينية والطائفية، وحتى الأخلاقية. ومع أن كمال كليجدار أوغلو حذر من احتمال لجوء إردوغان إلى فبركة بعض المشاهد المرئية والمسموعة بالاستفادة من الذكاء الاصطناعي بهدف منع الناخبين من التصويت له في آخر لحظة، فلم يتخلَّ الأخير عن نهجه التقليدي في الهجوم على منافسه وحلفائه زعماء أحزاب تحالف الأمة الخمسة، يُضاف إليهم رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة.
بات الكذب بأعلى درجاته والمبالغة بأقصى حدودها مع تجاوز حدود الأدب السياسي السمة الرئيسية لحملة إردوغان الانتخابية، التي لم يعد لها أي ضوابط دستورية أو قانونية أو اجتماعية، ما دام يسيطر على الطرف أو الأطراف التي ستحدد هذه الضوابط، وأهمها المفوضية العليا للانتخابات والمحاكم والأجهزة الأمنية.
في كلِّ خطاب لإردوغان ووزرائه، لا بد لهم جميعاً أن يتّهموا كليجدار أوغلو وتحالف الأمة “بالخيانة الوطنية والتآمر مع العدو الخارجي والتحالف مع الإرهاب”، الذي يقصدون به حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يقول إردوغان عنه إنه امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور، فقد قال في أحد خطاباته: “إن كليجدار أوغلو ومن معه يتلقون الأوامر من جبال قنديل (شمال العراق، حيث يتموضع قادة حزب العمال الكردستاني)، ونحن نتلقى الأوامر من الله”.
وفي خطاب آخر، قال: “إن من لا دين ولا علم (يقصد العلم التركي) ولا أذان لهم يدعمون كمال”. ولم يتوقف إردوغان عند هذه الاتهامات، ليفاجئ الجميع باتهامات من النوع الثقيل، عندما قال: “يا كمال، نحن نعرف أنك من مؤيدي الشذوذ الجنسي، وكذلك الحزب الجيد والمستقبل والديمقراطية والتقدم، وهذه هي حال الشعوب الديمقراطي، فهم جميعاً من حماة الشذوذ الجنسي”.
إردوغان الذي سبق أن وصف نساء المعارضة بـ”العاهرات”، يبدو أنه بات مقتنعاً بأنه سيخسر الانتخابات، وإلا لما قال: “إن أمتي (يقصد نفسه) لن تسلم المنصب للشخص الذي سيصبح رئيساً للجمهورية بدعم من قنديل (يقصد العمال الكردستاني)”.
أسلوب إردوغان هذا ألهم وزراءه ومساعديه ومستشاريه، إذ قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بولنت توران “إن قضاء (يقصد مصير) إردوغان وقدره هو قضاء تركيا وقدرها”، فيما رأى مستشاره الشخصي محمد آوجوم “أن أي تغيير في السلطة سيعني عملاً خطراً يستهدف استقلال تركيا”.
أما رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم، فقد رأى أن الانتخابات بمنزلة “حرب الاستقلال ضد المحتلين”، وشبّه “نضال إردوغان ورفاقه ضد من يسعى للتحالف مع جماعة فتح الله غولن الإرهابية والعمال الكردستاني الإرهابي بأنه نضال سيقرر مصير تركيا إلى الأبد”.
وكانت أقوال وزير الداخلية سليمان صويلو الأكثر إثارةً في الشارع السياسي والشعبي، إذ قال: “من لا يؤمن على عائلته لدى كمال كليجدار أوغلو، كيف يرضى لنفسه بأن يسلم البلاد له! إذا ذهبنا، فسوف يأتي من يدعم الشذوذ الجنسي، أي أن يتزوج الرجل بالرجل، بل الإنسان بالحيوان”.
الوزير الذي طلب من المفوضية العليا للانتخابات أن ترسل نسخة من نتائج التصويت قبل الإعلان عنها إلى الوزارة، عدَّ انتخابات 14 أيار/مايو “انقلاباً سياسياً ضد النظام القائم في البلاد”.
عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية سليم جيفيتجي أوغلو تجاوز حدود التهديدات، فقال: “سنقطع أذن كل من يفكّر في إيذاء إردوغان”.
أما زعيم حزب الهدى الإسلامي المتطرف زكريا يابيجي أوغلو، وهو ذو ميول طالبانية وقاعدية، فقد ناشد أتباعه وأنصاره وقال: “إذا فاز كمال كليجدار أوغلو بأغلبية بسيطة، فاستعدوا لكل الاحتمالات”. هذا ما كرره أيضاً زعيم إحدى المجموعات الدينية المهمة، وهو إسماعيل هونارليجا، فقد ناشد الموالين له قائلاً: “إذا تطورت الأحداث بشكل لا نحبذه، فعليكم جميعاً أن تكونوا على أهبة الاستعداد”، وهو الاستعداد الذي تتحدث عنه الكثير من الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تعود إلى المعارضة السورية، المسلحة منها وغير المسلحة، وهي تدعو جميعاً إلى التصويت لإردوغان والاستعداد للدفاع عنه في مواجهة التطورات المحتملة.
ترى بعض الأوساط في هذا الموقف مبرراً كافياً بالنسبة إلى إردوغان حتى يرفض شروط الرئيس الأسد للمصالحة، وأهمها إيقاف كل أنواع الدعم للمجموعات المسلحة شمال سوريا، التي يعرف الجميع أنَّه قد يحتاج إليها في المرحلة المقبلة بمفاجآتها المثيرة والخطرة.
أقوال الرئيس إردوغان ووزرائه وأتباعه تثبت بكل وضوح أن الرياح باتت لا تهب كما تشتهي سفنه، وبات واضحاً أنها اصطدمت بصخور الشاطئ المستعصي، وإلا لم يكن سيلجأ إلى هذا الأسلوب الذي يعرف الجميع أنه لم يعد يؤثر إلا في 30% من الناخبين، وهم أتباعه وأنصاره، والاستطلاعات تتوقع لعددهم أن يتراجع خلال الأيام القليلة المقبلة، بعدما سئم البعض منهم هذا الأسلوب الاستفزازي المتوتر.
يعتقد إردوغان أن المزيد من التصعيد والمبالغة في كل الأحاديث قد يبقيهم في خندق الوفاء له بعدما خدمهم طيلة 20 عاماً مضت، وهو ما كان السبب في إيصال الأغلبية الساحقة منهم، والبلد أيضاً، إلى حافة الإفلاس باعتراف الجميع، بعدما زادت نسبة التضخم على 200%، وزادت الأسعار على 300-400%، والبطالة على 20%.
وبات واضحاً أن إردوغان بأسلوبه الحالي لا يريد لهؤلاء أن يفكروا في حياتهم اليومية، بل يريد لهم يشبعوا بالطائرات والمسيرات والسيارات الكهربائية وحاملة الطائرات والمدرعات التي يقول إنها صناعة وطنية.
تشكّك المعارضة في كلّ ذلك، وتقول إنَّ إردوغان يكذب باستمرار، فكل ما يتحدث عنه هو “من ضرب الخيال”. هذا إذا ما تجاهلنا قصص الفساد الخطرة التي هدد كليجدار أوغلو بالكشف عنها ومحاسبة كل المسؤولين عنها.
هذا التهديد يبدو أنه أهم سبب – إن لم نقل الوحيد – يدفع إردوغان إلى استنفار كل إمكانياته لمنعه من الانتصار عليه، وإلا فإنه لن يسلم السلطة له باعترافه، من دون أن يبالي بالسيناريوهات الخطرة التي لن تحسد عليها تركيا إذا كان جاداً في تهديداته، ما دام ما ارتكبه من أخطاء داخلية وخارجية كان ثمنه غالياً بالنسبة إلى تركيا، ولكنه لا يريد أن يدفع الثمن بمفرده في حال خسارته في الانتخابات التي ستقرر مصير الجمهورية التركية في مئويتها الثانية، بعد ما عاشت ما عاشته خلال 100 سنة ماضية، بعدما أسسها كمال أتاتورك عام 1923. والآن، يسعى كمال الثاني (كليجدار أوغلو) لإعادة بناء ما دمره إردوغان خلال 20 عاماً.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين