آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » انتخابات حزب البعث وتحديات الواقع…

انتخابات حزب البعث وتحديات الواقع…

 

بقلم: د. حسن أحمد حسن

قد يكون من المبكر الحديث عن تجربة الانتخابات التي يجريها حزب البعث الحاكم ،وما يمكن استخلاصه من نقاط قوة ووهن، لكن المهم والمتغير الذي يجب أخذه بالحسبان أنها وفرت البيئة المطلوبة لضمان توسيع المشاركة، وهذه خطوة مهمة يبنى عليها الكثير لمواجهة تحديات الواقع القائم، وهي ليست قليلة ولا سطحية، بل متعددة وتتطلب تضافر جهود الجميع، وقد حرصتُ على استخدام عبارة “تحديات الواقع” في العنوان، مع أن النظر مشدود إلى المستقبل الذي على السوريين هندسة معالمه بإرادتهم ووفق أولوياتهم، فمن لا يخطط للمستقبل عليه أن يقبل بأن يكون جزءاً مما يخططه الآخرون…
نعم العين على المستقبل، لكن ما الضمان للوصول بخير إلى المستقل القريب على أقل تقدير؟ … الجواب وباختصار شديد ـــ كما أرى شخصياً ـــ لا ضمان إلا بتجاوز التحديات الجدية القائمة، سواء كنتيجة حتمية لسنوات الحرب الممتدة منذ عام 2011، أو ما يتعلق منها بالعوامل الذاتية التي يتشارك الجميع بتحمل المسؤولية فيها ـــ بنسب مختلفة ـــ ومن الطبيعي أن أية تحديات جدية تضع من تواجهه أفراداً كانوا أم منظمات ومؤسسات، أو شعوباً ودولاً ومجتمعات أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يتم تكثيف الجهود وتضافرها وتوجيهها وفق بوصلة تحويل التحديات إلى فرص وهذا مرهون باستثمار جهود الجميع، كلٌ وفق إمكانياته ومن الواقع الذي يعيش فيه ويعمل ضمنه، وإما أن تتحول التحديات إلى تهديدات وهذا يعني قطع الطريق باتجاه المستقبل المأمول.
بعيداً عن التنظير وكل ما هو غير مرغوب به في هذه الظروف الضاغطة التي يعيشها المجتمع السوري، أجد ذاتي مدفوعاً لرفع الصوت ما استطعت من منطلق الإحساس بالمسؤولية كأي مواطن يحب وطنه، ويرى بأم العين أن بعض التحديات تقترب من التحول إلى أخطار وتهديدات، وهذا يضع على عاتق كل فرد مسؤولية المشاركة بقطع الطريق على ذلك، مع الإشارة إلى أننا لم نعد ـــ نحن السوريين ــــ نملك ترف الوقت الإضافي، ولا ترف الاكتفاء بالاطمئنان إلى أن الوطن سيبقى بخير، فالسيد الرئيس الذي استطاع أن يحافظ على مقومات الهوية ونقاء الانتماء طيلة سنوات أكثر من عجاف، وقد تم تجاوز الأصعب والأخطر، وهذا كفيل ببعث الاطمئنان والركون إلى التراخي الذي سيتحول بالضرورة إلى أحد التحديات الكبرى…
نعم أنا مؤمن حتى نقي العظم بحكمة قائد الوطن وقدرته على تجاوز الصعاب والمخاطر وتفكيك كل الألغام التي قد تعترض المسيرة حتى غير المتوقعة منها، لكن الاكتفاء بهذا القدر من الاستجابة للتحديات يعني التنصل من المسؤولية الشخصية بشكل أو بآخر، كما يعني إلقاء الأحمال عن أكتافنا بلا مبرر وتحميل المسؤولية لمن استطاع تجنيب الوطن وشعبه الكثير من المطبات الخطيرة، وبالمحصلة إلقاء المسؤوليات الشخصية للأفراد والمؤسسات وبقية مكونات المجتمع على المستوى الأعلى، ولا أستطيع أن أفهم هذا الأمر إلا على أنه شكل من أشكال قلة الوفاء والتنصل من المسؤولية.
من يعيد قراءة كلمات السيد الرئيس ولقاءاته وأحاديثه وبخاصة الحديثة منها يلمس مدى تقصير النخب الفكرية والسياسية والمجتمعية سواء من هم في موقع المسؤولية أو البقية حتى لو لم يكن الشخص مكلفاً بأي عمل رسمي، فالوطن أغلى وأسمى، والمبادرة لا تتطلب انتظار دعوة للقيام بالواجب، وأستطيع أن أقول بكثير من اليقين: لا يكاد يخلو حديث من أحاديث السيد الرئيس من تقديم رؤية مكتملة الأركان، ورسالة واضحة المعالم، وأهداف مرتبة حسب الأولويات، والمطلوب ممن تلقى على عاتقهم مسؤوليات جديدة تترتب على الانتخابات الحزبية الحالية العمل على صياغة كل ذلك في سياسة شاملة للدولة تشتق منها سياسات فرعية يشرف الحزب ــــ بصفته الحزب الحاكم ــــ على إقرارها ومراقبة مدى الالتزام بتنفيذها، والمحاسبة بشقيها: الثواب والعقاب على الأداء العملي، والسؤال هنا: وماذا عن دور بقية النخب الفكرية والسياسية والإعلامية والمجتمعية؟ … قد يكون الجواب ممزوجاً بكثير من الوجع، فلا أظن ـــ حسب حدود ما أعلم ـــ أننا في النخب المذكورة قمنا بما يجب القيام به، وإلا لكان تم تحويل ذلك كله إلى مرتسمات تبلورت خطاباً وطنيا مقنعاً لأنه موجه إلى العقل والوجدان، ومسؤولية النخب زرع الإحساس بالأهمية الشخصية للمخاطب واحترام عقله، وبالتالي إيجاد روافع الخطاب المقبول من المجتمع بمختلف شرائحه، والجميع بحاجة إلى من يشعره بأنه مثله في الوجع، ويشاطره كل تداعيات الواقع القائم، وفي الوقت نفسه لا يقل عنه وطنية وأهمية.
أخيراً من المهم والضروري النظر إلى الانتخابات الحزبية كخطوة على طريق مسار طويل من الإجراءات المطلوبة، وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس في أحاديثه، مع الإشارة إلى أن اهتمام سيادته بتفعيل الانتخابات الحزبية ليس مجرد رغبة بالتجديد، بل قراءة موضوعية للتحديات القائمة، وخطوة عملية في مواجهتها، وقراءتي الذاتية أن مثل هذه الخطوة لم يقدم عليها سيادته بصفته أميناً عام للحزب فقط، بل بحقيقة كونه قائد الوطن المؤتمن عليه والساعي بكل السبل لتعزيز أوراق قوته وتحييد ما أمكن من التحديات إن كانت الإمكانيات المتاحة لا تسمح بتحويلها إلى فرص، وإذا كان أقصر تعريف لفن القيادة يقول: “القيادة: مهارة تنفيذ المهام بجهود الآخرين” فعلى كل منا المبادرة لتنفيذ ما يستطيعه، سواء أكان ضمن المرشحين لحضور المؤتمر الموسع للجنة المركزية أم لا، ومن المهم نبذ عامل الخوف من الوقوع في الخطأ، فمن الطبيعي أن نخطئ لأننا بشر، وواقع الحال يقول: في سورية من الكفاءات والمهارات القيادية والإدارية ما يمكنها من استعادة دورها الريادي وتعزيزه ليكون أقوى مما كان، وهذا يتطلب تجاوز عقلية العودة إلى الأطر الجاهزة والمحددة للتفكير التي كانت معتمدة قبل عام 2011م. فعقارب الساعة لا تتحرك إلا باتجاه واحد.

(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...