| هيام القصيفي
رغم أن العهد الحالي ينتهي بعد أربعة أشهر وأسبوعين، إلا أن الكلام السياسي لا يزال مطروحاً في الوسط السياسي ولدى مراجع دينية وسياسية حول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. هذا الكلام الذي طرح قبل أشهر وعاد إلى التداول في الأيام الأخيرة ينطلق من مجموعة ضرورات، لكنه يطرح في المقابل جملة عوائق.
في الضرورات تذكير بأن كل كلام يتعلق بالحكومة أو بالمجلس النيابي أو بالحياة المعيشية أو الكهرباء أو الترسيم، يبدأ بعبارة الفراغ الرئاسي. في الشارع كما في المحافل السياسية لا كلام يعلو فوق احتمال الفراغ الرئاسي الذي تكرر ثلاث مرات حتى الآن، ولا يزال متقدماً على ما عداه. وإلا ما معنى أن يكون الكباش السياسي حاداً حول حكومة أشبه بالانتقالية سيكون عمرها أربعة أشهر وتقدم استقالتها فور انتخاب الرئيس الجديد، وما معنى التلويح المسبق باحتمال تأخر الانتخابات على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال، أو المطالبة بحصص وحقائب في حكومة ستتولى إدارة الوضع الداخلي لأشهر قليلة. عدا عن النقاش الذي فتحه الرئيس ميشال عون حول الاحتمالات المطروحة لما بعد انتهاء ولايته، وعما إذا كان سيغادر القصر الجمهوري فعلاً، إذا بقيت حكومة تصريف الأعمال.
يميز المدافعون عن الانتخابات المبكرة بين تقصير ولاية رئيس الجمهورية وهو أمر غير مطروح تماماً، وأساساً لم يعد له من مبرر، وبين الانتخاب المبكر، حتى لو لم يتبق سوى مهلة شهرين. إذ إن الدستور ينص على انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي بشهرين، أي إن المهلة تبدأ في الأول من أيلول المقبل. وبذلك يتبقى شهران فحسب، للدفع في هذا الاتجاه.
في ذهن المدافعين عن الفكرة أن انتخاباً مبكراً لرئيس جديد للجمهورية يعني أولاً سحب كل التشنجات السياسية، ما ينعكس حكماً على الوضع الاقتصادي والمالي، وهذا من شأنه أن يعيد بعضاً من عناصر الطمأنينة الداخلية. ثانياً أن الانتخابات المبكرة، بعد سنتين حافلتين بالانقسامات السياسية الحادة، يضع لبنان أمام سكة الحل من رأس الهرم، للمرة الأولى منذ سنوات، بدل تركيز الجهد على تشكيل الحكومة كأولوية، ومن ثم الانتقال لاحقاً إلى تراتبية الاستحقاقات من حكومة جديدة وبدء ورشة إصلاح والدخول مجدداً في عجلة الحكم. وهذه مسؤولية رئيس الجمهورية الحالي، لأنه بذلك يعيد لرئاسة الجمهورية ما كان يطالب به قبل وصوله إلى قصر بعبدا، من تعزيز وضعها عدا صلاحياتها. وهذه المسؤولية ليست وطنية بالمعنى العام فحسب، بل هي في نظر بعض المدافعين، حفاظ على الموقع الماروني، الذي طالما ردد عون خلال العهود الماضية مطالبته بضرورة تحصين كرسي رئيس الجمهورية المسيحي – الماروني وخاض تياره الوطني معارك للحفاظ على التوازنات المسيحية والمارونية في الوظائف الإدارية بما في ذلك الأقل تأثيراً.
الانتخابات المبكرة تضع لبنان أمام سكة الحل من رأس الهرم بدل تركيز الجهد على تشكيل الحكومة
يذكّر المدافعون بأن تجربة انتخاب الرئيس الياس سركيس خلفاً للرئيس سليمان فرنجية أعطت الجامعة العربية والأمم المتحدة وعواصم القرار التي كانت معنية بوقف الحرب في لبنان انطباعاً إيجابياً حول حرص لبناني حينها على بقاء الدولة اللبنانية، ولو كان النقاش مستمراً حول تعديل نظامها، والرغبة في خضم اشتداد المعارك، في استعادة دورة الحياة السياسية الطبيعية. والعبرة ليست فقط في القيام بهذه الخطوة كمثال بل بأداء الرئيس سليمان فرنجية الذي كان مؤيداً ومتجاوباً ومسهلاً لانتخاب الرئيس الجديد، الذي بدأ تحضيراته خلال الأشهر الستة الفاصلة عن تسلمه مهامه الدستورية. ومع ذلك بقي الرئيس فرنجية رئيساً للجمهورية حتى اللحظة الأخيرة من ولايته الدستورية، وأكد مراراً عدم التخلي عن صلاحياته للرئيس المنتخب الياس سركيس، بل جرى حفل تسليم وتسلم في أداء طبيعي بينهما.
وهنا تبدأ أولى المعوقات في نظر مؤيدي هذا الاقتراح. لأن رئيس الجمهورية يرفض النقاش فيه في شكل قاطع، وخصومه الذين يرون فيه مسبباً للتعطيل سنتين من أجل انتخابه، يجدون تكراراً للتجربة نفسها في عدم قبوله فتح أي ثغرة في تقديم الانتخابات الرئاسية على ما عداها. علماً أن العهد شارف على نهايته، والانتخابات المبكرة لا تحصل قبل سنة من نهاية عهده مثلاً، ما يسحب من عون أي ذريعة بوجود من يستهدفه بتقصير ولايته أو المس بها. وهذه الخطوة ستعيد الدينامية السياسية إلى الساحة وتعيد ترتيب الأولويات ما يشجع عواصم غربية وعربية على إيلاء الوضع اللبناني اهتماماً أكثر. لكن رئيس الجمهورية يرفض تماماً أي مقاربة لهذا الموضوع على اعتبار أن انتخابات رئاسية مبكرة ستلغي من الآن كل كلام حول تأمين ورثته وخليفته، وفق حسابات نتائج الانتخابات النيابية كما يراها، فيفضل الرهان على حكومة تدير الفراغ وتؤمن له المحاصصة الحكومية. وهذا حتى قبل أن ينتقل الحديث إلى موقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أو حليفه حزب الله.