الرئيسية » تحت المجهر » انتخابات صربيا وهنغاريا.. المنتصر بوتين وإردوغان!

انتخابات صربيا وهنغاريا.. المنتصر بوتين وإردوغان!

|حسني محلي

هناك احتمالات انفجار الوضع الأمني في البوسنة، باستفزاز من الصرب أو الكروات، وهو ما سيضع واشنطن وحلفاءها في أوروبا أمام أزمة جدية وخطيرة، ستستغلّها موسكو للردّ على عداء هذه العواصم لها في أوكرانيا.

هناك احتمالات انفجار الوضع الأمني في البوسنة، باستفزاز من الصرب أو الكروات، وهو ما سيضع واشنطن وحلفاءها في أوروبا أمام أزمة جدية وخطيرة، ستستغلّها موسكو للردّ على عداء هذه العواصم لها في أوكرانيا.

جرت، الأحد الماضي، انتخابات تشريعية ورئاسية في البلدين الأوروبيين، صربيا وهنغاريا، وهما مهمان جداً للمعادلات التكتيكية والاستراتيجية والنفسية بالنسبة إلى أميركا وأوروبا، والأهم بالنسبة إلى روسيا وتركيا؛ أي بوتين وإردوغان.

حقّق حزب اتحاد المواطنة المجري  (Fidesz)، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، انتصاراً كبيراً مع حليفه حزب الشعب المسيحي الديمقراطي (KDNP)  على تحالف المعارضة، الذي يضمّ 6 أحزاب سياسية، كما هي حال تحالف المعارضة في تركيا.

وجاء هذا الانتصار ليرفع معنويات الرئيس إردوغان، الذي استغل إعلامُه هذا الانتصارَ، فشنّ حملته السياسية ضد أحزاب المعارضة، التي يسميها إردوغان “تحالف الترقيع”.

أوربان، الذي يحكم البلاد منذ 12 عاماً، وهو صديق مقرب جداً من الرئيس إردوغان، وعضو في منظمة الدول التركية (بصفة مراقب)، هو الوحيد الذي تحدّى قرارات الاتحاد الأوروبي، وأعلن أن بلاده ستدفع مستحقات الغاز الروسي بالروبل.

انتصار أوربان، كما هو مصدر فرح كبير في موسكو وأنقرة، كان بمثابة الصدمة لأميركا ودول الحلف الأطلسي، التي كانت تتمنى، بل تتوقع أن تهزم المعارضة أوربان “الاستبدادي وعدو الديمقراطية، ولا فارق بينه وبين إردوغان في السيطرة على جميع مرافق الدولة ومؤسساتها وأجهزتها”.

ويفسّر ذلك ما أكده أوربان بعد إعلان فوزه، بحيث قال: “لقد انتصرنا على اليسار في الداخل، واليسار الدولي في كل مكان، وبيروقراطية بروكسل (الحلف الأطلسي)، وإمبراطورية جورج سوروس، في كل أموالها ووسائل الإعلام الدولية الرئيسة، بل حتى الرئيس زيلينسكي”.

وهو القول الذي يحمل في طياته كثيراً من الواقع، فلقد أعلن تحالف المعارضة، خلال حملته الانتخابية، أنه “سيُبعد هنغاريا عن تحالفاتها التقليدية مع روسيا وتركيا والصين”.

وخلافاً لسكان هنغاريا، ومعظمهم من الكاثوليك والبروتستانت، فإن الأغلبية الساحقة لسكان صربيا هي من الأرثوذكس، كالروس الذين يبدو أنهم هم أيضاً سعيدون بانتصار الرئيس ألكسندر فوتشيتش،  الصديق المقرب جداً من  الرئيس إردوغان.

وقال فوتشيتش، بعد إعلان النتائج، إن “صربيا ستسعى للمحافظة على علاقات الشراكة والصداقة مع روسيا، وستلتزم وضع الحياد فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ولن تغيّر قرارها بشأن رفض  العقوبات الغربية ضد روسيا، على الرغم من الضغوط  الخارجية التي تتعرض لها”.

الصرب، الذين يكنّون عداءً شديداً لأميركا وللحلف الأطلسي، اللذين قصفا بلغراد خلال حرب كوسوفو (آذار/مارس-حزيران/يونيو 1999)، لم يُخفوا عتبهم آنذاك على حلفائهم الروس الذين لم يتصدوا  للعدوان الأطلسي.

انتصار حلفاء بوتين في بلغراد وبودابست سيساعد موسكو في حربها، سياسياً واقتصادياً ونفسياً، ولاحقاً عسكرياً، ضد واشنطن وحلفائها في أوروبا، بسبب ما لصربيا وهنغاريا من أهمية وثقل كبيرَين وسط القارة الأوروبية، بشأن أزمتها المعقدة، ألا وهي البوسنة.

فالجميع يعرف أن صربيا كدولة، والصرب في البوسنة وكرواتيا ودول الجوار الأخرى، لم يتخلَّوا عن أحلامهم بشأن إقامة دولة صربيا الكبرى.

ففي التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، أُقيم في مدينة بانيا لوكا، وهي عاصمة الشطر الصربي من جمهورية البوسنة، حفل وعرض عسكري كبير، حضره الزعيم الصربي ميلوراد دوديك، وهو عضو المجلس الرئاسي في جمهورية البوسنة، إلى جانب ممثلين اثنَين عن الكروات والمسلمين.

دوديك، الذي يحظى بدعم كبير من صربيا بسبب انتمائه القومي والمذهبي الأرثوذكسي، كان إلى جانبه في العرض العسكري رئيسُ وزراء هنغاريا وصديق إردوغان،  فيكتور أوربان.

كما لم يتردد رئيس وزراء سلوفينيا (المدعومة من ألمانيا)، يانيز يانسا، في التعبير عن دعمه لمخططات دوديك، التي تهدف إلى تقسيم البوسنة على أساس عرقي وأساس ديني.

وسبق ليانسا وأوربان أن اتخذا مواقف معادية للإسلام، وخصوصاً خلال موجة اللاجئين السوريين وغيرهم إلى أوروبا، في الفترة 2014-2017.

ويتحدث الإعلام الأوروبي باستمرار عن دعم سري وعلني من الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، الذي لا يخفى عنه تدخله السافر في الجمهوريات التي استقلّت بعد تمزّق يوغوسلافيا، وفي مقدمتها كوسوفو والجبل الأسود.

ويدفع ذلك بعض الأوساط القومية، ليس فقط في صربيا، بل في كرواتيا وسلوفينيا، إلى الحديث عن “خطة لتفكيك سلمي لجمهورية البوسنة والهرسك”، التي قامت في إطار “اتفاق دايتون” الذي تبنّته واشنطن بعد انتهاء الحرب الأهلية هناك عام 1995. وتهدف الخطة إلى إعادة ترسيم الحدود الخارجية في غربي البلقان، حيث تصبح هناك صربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى وألبانيا الكبرى، بعد تقسيم البوسنة والهرسك بين كرواتيا وصربيا، على أن يبقى جزء صغير من البلاد للمسلمين البوشناق.

واشنطن، التي أعلنت رفضها مثلَ هذه المشاريع والخطط واستمرار التزامها “اتفاق دايتون”، حظي موقفها هذا بتأييد واضح وعلني من الاتحاد الأوروبي، الذي هدَّد بـ”عقوبات ضد الصرب والكروات في حال استمرار سياساتهم الاستفزازية والخطيرة”.

أمّا رئيس وزراء هنغاريا، فيكتور أوربان، فهدّد بدوره بـ”استخدام حق الفيتو ضد أي قرار أوروبي يستهدف صربيا أو الصرب في البوسنة”.

وأخيراً، مع استمرار الاهتمام الأميركي والاهتمام الأوروبي بالوضع الصعب والمعقّد والقابل للانفجار في أيّ لحظة، لا تُخفي واشنطن والعواصم الأوروبية قلقها وتخوفها من احتمالات أن تستغلّ موسكو هذا الوضع، ردّاً على مواقف العواصم الغربية ضدها، ليس فقط في أوكرانيا، بل حتى في شرقي البلقان، كبلغاريا ورومانيا، اللَّتين تطلّان على البحر الأسود، ودول البلطيق التي تتخذ مواقف عدائية ضد موسكو.

أمّا الرئيس إردوغان فيواجه، في الوقت نفسه، انتقادات عنيفة داخلية وخارجية بسبب علاقاته الشخصية والسياسية بكل من المجر وصربيا، اللتين تدعمان صرب البوسنة، بينما هو يتحدث باستمرار عن دعمه مسلمي البوسنة، وهم من بقايا الحكم العثماني للمنطقة.

ويبقى الرهان على احتمالات انفجار الوضع الأمني في البوسنة، عبر استفزاز من الصرب أو الكروات، وهو ما سيضع واشنطن وعواصم حلفائها في أوروبا أمام أزمة جدية وخطيرة، ستستغلّها موسكو للرد على عداء هذه العواصم لها في أوكرانيا. وهي الأزمة التي إن انفجرت، فستجرّ جميع دول البلقان، في قومياتها وأعراقها ومذاهبها، إلى مستنقع الصراعات التاريخية، التي ستنعكس على نحو خطير على القارة الأوروبية، بصورة عامة.

وسيضع مثل هذا الاحتمال الرئيس إردوغان أمام تحديات صعبة ومعقَّدة بسبب تعاطفه التقليدي مع شعب البوسنة المسلم (قد يتخلى عنهم كما تخلّى عن الفلسطينيين بعد تحالفه الجديد مع “تل أبيب”) وتحالفه مع الصربي فوتشيتش. ويتذكّر بدوره أن أمهات كل من السلطان محمد الفاتح وسليمان الثاني وعثمان الثالث صربيات، من دون أن يكون لحليفه أوربان، الذي يقول إنه من أصول عثمانية، مثلُ هذا الحظ، فليس بين أمّهات السلاطين العثمانيين الآخرين أي مجرية، فمعظمهنّ من الروم والبلغار والروس واليونانيات واليهوديات!

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حلفاء كييف يستعدون للأسوأ: «التنازل» عن الأراضي حتمي؟

ريم هاني       لم يعلن أي من الرئيسين، الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو الروسي فلاديمير بوتين، عن شروطهما التفصيلية لإنهاء الحرب في أوكرانيا ...