| نقولا ناصيف
ما يصح في جلسات انتخاب الرئيس أن المأزق الفعلي لا يكمن في نصابها. الثلثان يحضران وكذلك الأكثرية المطلقة. الدورة الأولى تجري على أكمل وجه. ذلك هو الوجه الدستوري المألوف. ما بعد ذلك تُكتشف العلّة. لا يعجزون عن انتخاب الرئيس، بل لا يريدون
لا يملك الرئيس نبيه بّري سوى أن يدعو الى جلسة تلو أخرى لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، الى أن يأتي الأوان الجدي. لا يملك كذلك إلا أن يقفل الجلسة ويطلب تلاوة المحضر بعد التأكد من تطيير نصاب الانعقاد قبل مباشرة الاقتراع للدورة الثانية. تكمن المعضلة في تعذر انتخاب الرئيس، والأصح في عدم إرادة انتخابه، أكثر منها في أيٍّ من الصلاحيتين اللتين لرئيس المجلس أن يستخدم. تحديد مواعيد الجلسات الى أن يُنتخب الرئيس مؤداه عدم انقطاع المجلس عن محاولته الوصول الى الاقتراع الأخير، وإظهاره أنه معنيّ بالواجب الدستوري هذا ولا يتخلّف عنه. في المقابل، فإن إبقاء الجلسات مفتوحة، وتالياً المحضر بدوره مفتوحاً، مرتبطان بنصاب الثلثين المحتوم توافره في القاعة قبل مباشرة الدورة الثانية أو التي تليها وانتخاب الرئيس بالأكثرية المطلقة. ما يصحّ في الدورة الأولى قبل مباشرة الاقتراع ينسحب على الدورات التالية، وهو وجود ثلثَي النواب لافتتاح دورات الاقتراع.
ليست المشكلة الفعلية الدائرة من حول تعاقب الجلسات عبثاً سوى أن الانقسام السياسي وحده الذي يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لا تملك أيٌّ من القوتين الرئيسيتين في المجلس، الى الآن على الأقل، الأكثريتين المطلوبتين الموصوفة والعادية لانتخاب رئيس، أياً يكن أو من أيٍّ منهما انبثق. لا قوى 8 آذار وحلفاؤها ولا التيار الوطني الحر معاً أو منفرديْن يمسكان بنصاب ثلثَي الانعقاد، ولا الفريق المقابل مُرشِّح النائب ميشال معوّض قادر على الحصول على النصاب الموصوف كذلك.
لذا، سواء ذهب البرلمان الى الدورة الأولى كما في كل من الجلسات السبع المنصرمة، أو انتقل فوراً الى الدورة الثانية لينتخب الرئيس، سيجد نفسه أمام حائط مسدود: في ظل موازين القوى الحالية بين الكتل، لن يلتئم إلا الثلثان على الأقل أولاً، ولا يملك أي من الفريقين أصوات الفوز من الدورة الثانية للاقتراع الملزم الحصول عليه مهما يبلغ عدد الدورات التالية. حتماً لا يُنتخب رئيس بالأكثرية النسبية، ولا الدستور يسمح.
أما أن يحصل الانتخاب، فمؤداه أن ثمة تسوية ما قد حصلت قبل الذهاب الى الجلسة، أو تمكّن أيٌّ من الفريقين من ليّ ذراع الآخر.من أين تأتي التسوية إذذاك؟
على نحو كهذا، يدورون في الحلقة المقفلة وفي الوقت نفسه هم عاجزون عن كسرها.
لدى مسؤولين رسميين اعتقاد بمصدر مثلث للإخلال بالمعادلة الحالية المستعصية: الأميركيون والفرنسيون، والسعوديون، والإيرانيون. هم أصحاب التأثير على الكتل وتوجيهها. لكل منهم إصبعه الذي يمنع ويأذن ويُؤنّب.
بحسب هؤلاء ممن سمعوا من ممثلي أولئك مباشرة أو بالواسطة، ليس ثمّة ما يدعو الى توقع دور لهم في الوقت الحاضر:
1 – يقول الأميركيون والفرنسيون للمسؤولين اللبنانيين إنهم لن يتدخلوا في انتخابات الرئاسة اللبنانية، ما خلا الحضّ على إجرائها. لن يُسمّوا أيّ مرشح لئلّا يتحمّلوا تبعة إخفاقه أو خذلانه إياهم. لن يتدخلوا في الأسماء أياً تكن، لكنهم سيوافقون حكماً على مَن يتوافق عليه اللبنانيون لانتخابه رئيساً. إذذاك يدعمونه ويجهرون بموقف التأييد. سوى ذلك، هم المحسوبون الأكثر اهتماماً بلبنان، سينتظرون.
3 – من غير المنطقي توقع استعداد إيران لتقديم أيّ تنازل في إنجاز الرئاسة اللبنانية في مرحلة تحتاج فيها الى التشدد والتصلب، وهي تخوض فيها اشتباكين ضاريين في آن: اضطرابات داخلية ونزاعات مفتوحة مع الخارج.