تمرّدت مناطق أردنية مُتعدّدة وفي مختلف محافظات المملكة وبشكل واضح على تهديدات وزير الداخلية مازن الفراية ومدير الأمن العام اللواء عبيد الله المعايطة مساء الجمعة بالظهور في الشوارع مجددا وإحراق الإطارات في اعتصامات اقرب الى حالة عصيان مدنية على الطرقات الرئيسية يؤسسها المتضررون وتتسع احتمالاتها وتدخل البلاد مجددا في سيناريوهات امنية الطابع بالرغم من سعي السلطات الأردنية للاستثمار في مقتل العقيد في الأمن العام الذي توفي برصاصة وسقط شهيدا قبل يومين عبد الرزاق الدلابيح.
وبعد ساعات فقط من مؤتمر صحفي شارك به وزير الداخلية ومدير الأمن العام ووزير الاتصال وتضمن نصائح للأردنيين والمواطنين بتجنّب المناطق الساخنة أو التي تحصل فيها مخالفات للقانون رصدت وبوضوح شديد في رسالة جماعية أيضا للحكومة مظاهر التجمع والاعتصام لا بل قطع بعض الطرق والأزقة وإشعال الإطارات في العديد من المناطق وفي خمس محافظات على الأقل، الأمر الذي يُوحي بوضوح بأن الأزمة مستمرة والتي أصبحت فيها مطالب سائقي الشاحنات في قطاع النقل البري مجرد تفصيلة صغيرة لكنها تتّخذ اليوم شكل أزمة وطنية مرتبطة بالاحتقان الاقتصادي والاجتماعي وبرفع هتافات تطالب بإسقاط الحكومة والبرلمان وتدعو مجددا لتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
ظهرت الفعاليات الحراكية مجددا طوال ليل أمس وحتى فجر السبت وبالرغم من التلويح بأن الأجهزة الأمنية ستعمل على إنفاذ القانون وقالت مصادر مطلعة وفيديوهات على منصات التواصل بوضوح بأن حالات تجمع اعتصامية الطابع وأقرب إلى عصيان مدني ظهرت على طريق عمان مأدبا.
وفي بعض نواحي وقرى محافظة مأدبا وأيضا في مدينة الكرك و مدينة المفرق وفي 3 مناطق وبلدات صغيرة على الأقل في منطقة الزرقاء وتجمّع بعض النشطاء على طريق عمان إربد وتم إغلاق طريق عمان ناعور غربي العاصمة وحصلت تجمعات لا بل اشتباكات مع رجال الأمن والدرك عبر الحجارة في منطقة الشونة الجنوبية.
تلك الأطر الحراكية تضرب بعرض الحائط تهديدات بالمستوى الأمني في الحكومة والتلويح بان الخيار الامني هو الذي سيحصل لاحقا رغم أن البيان الذي صدر في وقت متأخر من مساء الجمعة باسم مديرية الأمن العام شكر المواطنين الذين التفّوا حول المديرية ورجالها وساهموا في استعادة حالة الاستقرار.
والبيان تحدّث عن إعادة توزيع القوات الأمنية في مختلف محافظات المملكة وأعلن الرأي العام بانتشار أمني مكثف لحفظ الأمن واستعادة الهدوء والحرص على أملاك وسلامة المواطنين.
كما تحدّث البيان عن اعتقال 44 مواطنا سيتم تحويلهم إلى السلطات القضائية المختصة في ساعات الليل وحتى فجر السبت.
وبدا واضحا لجميع المراقبين أن حالة العصيان تتدحرج وتستمر بالرغم من الجانب الدرامي في حادثة مقتل العقيد بجهاز الأمن العام التي أثارت مشاعر الرأي العام الأردني بصفةٍ عامّة.
ومن المرجح هنا أن التلويحات والإنذارات وحتى مظاهر الانتشار الأمني فيما يبدو قد تخفق في احتواء حالة الانفجار المعيشية حيث مجموعات بعضها ملثم وبعضها على استعداد لقطع الطريق ظهرت مجددا مع تجمعات وهتافات واحتقانات من كل المستويات بالرغم من إعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية بأن الأجهزة الأمنية ستُوسّع انتشارها وبالرغم من نصيحة الوزير للمواطنين بتجنّب بُؤر الاحتكاك مع قوات حفظ القانون.
ويعني ذلك أن الخطاب الذي تبنّاه المؤتمر الصحفي الثلاثي واجهه الشارع الأردني حراكيا بالمزيد من النشاط لكن دون اعتداءات مباشرة لا على المواطنين ولا على سياراتهم بالعادة كما كان يحصل في الوقت الذي تدرس فيه الخيارات الأمنية على صعيد القبض على قتلة العقيد برصاصة في الرأس.
والإنطباع على مستوى الخبراء أن الاحتجاجات قد تعود للتصاعد بعد يومين وحين تنتهي مراسم العزاء بالدلابيع احتراما لعشيرته ولذويه.
ويعني كل ذلك عمليا بأن تحذيرات الحكومة لا تبدو مقنعة لا بل في المقابل بدأت تظهر الأصوات القبلية والعشائرية التي تتحدّث عن أزمة حكم ودولة وليس عن أزمة حكومة فقط وتوجه اللوم لسياسة الحكومة في عدم شرح الظرف الاقتصادي وللتقصير في التعامل مع احتياجات المواطنين البُسطاء.
وأظهرت بيانات صدرت سواء عن قبيلة بني حسن الكبيرة الضخمة أو عن قبيلة بني حميدة أو عن وجهاء في مدينتي الزرقاء ومعان حالة التفهم لمبررات الاضراب للسائقين ولمبررات ظهور الناس في الشوارع احتجاجا على لقمة العيش لا بل تحدّث بيان قبيلة بني حميدة حصرا عن أزمة في الحكم والإدارة وليست في الحكومة فقط تحتاج إلى إجراءات أكثر بكثير من تلك الإجراءات التي اتّخذت.
ويُحاجج خبراء ومسؤولون يحاولون التعليق على مسار الاحداث بان الطاقم الوزاري الاقتصادي في الحكومة هو الذي افتعل الأزمة برمّتها خصوصا مع توفّر خيارات بإيجاد طريقة لتعويض سائقي الشاحنات الذين كانوا أول من أضرب على الطرق العامّة عن خسائرهم جرّاء ارتفاع سعر الديزل.
ويبدو أن الخبراء يُشيرون إلى مُقاربة كان يمكن للحكومة أن تلجأ لها تجنبا للانفعال والانفعال المضاد ولاحتواء أزمة كانت تنطوي على تفخيخ اقتصادي ومعيشي سبق أن حذّر منه نخبة من كبار السياسيين ولم تُعرف بعد المستويات المكانية والزمانية التي ستُحيط بحالة الانتشار الأمني الجديدة لكنها حالة أعقبت تهديد الأمن العام بإخضاع الجميع أو جميع المناطق لقُوّة القانون.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم