الدكتورة حسناء نصر الحسين
شكلت انتصارات الجيش العربي السوري أثراً كبيراً على مشاريع ومخططات الإدارة الأمريكية التي لم تتوقف يوماً عن البحث لدى خبرائها ومستشرقيها عن مخططات جديدة لتمزيق الوطن العربي ومنطقة الشرق الاوسط برمتها، ليكون مشروع المستشرق الصهيوني برنارد لويس هو نقطة الارتكاز لدى وكالة الاستخبارات الامريكية السي آي أيه، وعليه تبنى سياسات الولايات الأمريكية لاستهداف الدول العربية والشرق أوسطية .
فكانت سورية حاضرة بقوة في هذه المخططات التقسيمية لبرنارد لويس منذ عام ١٩٧٩ اي منذ الانطلاقة الأولى لهذا المشروع وما مرت به الدولة السورية من استهداف امريكي غربي صهيوني قبل فترة العدوان ما هو الا عمل تمهيدي لتنفيذ هذا المشروع الى أن أتت اللحظة المناسبة بعد حروب اجرامية طويلة قادتها واشنطن في منطقة الشرق الاوسط للتمهيد للانتقال للخطوة اللاحقة الخاصة بالدول العربية فكانت سورية أحد أهم الدول العربية المستهدفة لكونها قلب العروبة النابض ولمكانتها في وجدان الشعوب العربية وما لهذه الدولة من موقع استراتيجي بالغ الاهمية ولكون ضربها واستهدافها واحتلالها يشكل انهيار للمشروع العربي القومي المناهض للكيان .
أمام هذه العقلية السورية التي تنتهج المقاومة للمشاريع الامبريالية والصهيونية والليبرالية أعدت واشنطن عدتها للمضي قدماً بتنفيذ مخطط برنارد لويس من خلال شن حرب عدوانية على سورية تلاقت فيها قوة الارهاب الدولي على مستوى دول وأنظمة وافراد وتنوعت وتفننت بعدوانها ليشمل كل نواحي الحياة السورية بكل مؤسساتها وقطاعاتها لتصل لمرحلة العقوبات القيصرية الغير شرعية لخنق الاقتصاد السوري وتجويع شعبها الصامد الذي لم يقبل بسياسة الاذعان والانصياع .
إلا أن الانتصارات التي حققها الجيش السوري قلبت الموازين وافشلت المخططات الامريكية وثبّتت خرائط الدولة السورية لتنتصر ارادة وحدة التراب السوري على مخططات البنتاغون .
هذه الانتصارات بدت ثقيلة على كاهل اسياد العدوان على سورية، فهي الدولة العظمى التي لا تهزم، هزمت امام ارادة النصر لهذا الجيش السوري الذي حظي بكل الدعم الشعبي الكبير في حربه على الارهاب وداعميه .
ليتحول المشهد من محاولة امريكا لخنق الدولة السورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً الى مشهد الخنق السوري للأهداف الامريكية ومشاريعها وادواتها من خلال ما قدمه الجيش العربي السوري وحلفائه من انتصارات في الميدان، وبما أحدثته تلك الانتصارات من تداعيات ونتائج ارباكت هذا الامريكي في كل حساباته وخاصة الاستراتيجية على الجغرافية السورية .
انتقال واشنطن لسياسة الخنق الاقتصادي للشعب السوري وماله من فصل تآمري جديد يهدف الى تجويع الشعب وإحداث أثر في عقليته المقاومة وفك ارتباطه عن هذا المسار المقاوم، ومع فشل واشنطن في إحداث هذا الأثر بالرغم من كل التداعيات التي افرزتها هذه العقوبات على حياة المواطن السوري من استهدافه في أمنه الغذائي والمائي والصحي والدوائي إلا أن هذا لم يحقق اي نصر يسجل لواشنطن سوى وصمة عار يضاف لرصيدها الاجرامي المثقل بالجرائم ضد الانسانية .
لتأتي الخطة باء من ما يسمى بقانون قيصر لترقى لجريمة ابادة جماعية بحق الشعب السوري الذي يُعَاقب بذنب انتمائه لوطنه وجيشه ونهجه الرافض لسياسات الاستعمار الحديث .
بالرغم من الاعتراف الامريكي بفشل ادارة ترامب المنتهية صلاحيته بتحقيق أي نتائج تذكر من هذه العقوبات سوى استهدافها للمواطن السوري بلقمة عيشه تستمر هذه الادارة الفاشلة بالمضي قدما فيها لتأتي خطوة الاتحاد الاوروبي بوضع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على أعلى سلم العقوبات الغربية استكمالاً لمخطط الاستمرار بهذا العدوان على سورية بمنع قيادتها من تحقيق العملية السياسة التي عملت جاهدة وتعمل للوصول اليها، وما التدخل الامريكي السلبي في المفاوضات الدائرة بين القيادة السورية وقوات قسد الارهابية التي رعاها الحليف الروسي في منطقة عين عيسى في ريف الرقة إلا لإبقاء هذه المنطقة الهامة من الجغرافية السورية خارج سيطرة الدولة السورية في محاولة امريكية لإفشال اي مفاوضات سياسية تُمكن الدولة السورية من بسط سيطرتها على هذه الجغرافية السورية الاستراتيجية التي تشكل عودتها للأم السورية نصراً كبيراً على مشاريع واشنطن والغرب الصهيونيين .
أمام هذه الانتكاسات التي منيت بها الادارة الامريكية وحلفائها وفشلها على مستوى الميدان وفشلها ايضا في احداث اي خرق في السياسة السورية من خلال قانون قيصر نرى عودة امريكية غربية صهيونية تركية للعب في الخرائط التي ثبتها الجيش السوري والحلفاء على ارض الميدان من خلال حربه ضد جماعاتهم الارهابية لتعود هذه المنظمات التكفيرية للعمل بنشاط في منطقة البادية السورية وإعادة افتعال الازمات في محافظة دير الزور التي كان الجيش السوري وحلفائه قد سطروا ملحمة بطولية بدحر الإرهاب الامريكي الصهيوني منها في عام ٢٠١٧ لتبقى قوى الاحتلال الامريكي في المناطق حيث الآبار النفطية في هذه المحافظة، لتعود هذه التنظيمات وبتغطية امريكية بريطانية صهيونية للعبث بأمن وامان اهلنا في منطقة البادية السورية من خلال ما تقدمه قاعدة التنف الامريكية الغير شرعية لهذه العصابات الارهابية .
وما العدوان الصهيوني المتكرر على سورية المدعوم بشكل مباشر من واشنطن في دير الزور والبو كمال إلا محاولة بائسة من هذه الادارة الفاسدة لخلط الاوراق ومحاولة خلق واقع جديد يشكل حياة للإرث السام لولاية ترامب يثقل كاهل ولاية الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن.
وما نشهده من تحركات امريكية غربية صهيونية ليس إلا حفلة وداع لإدارة أمريكية فاشية فاشلة يسجل لها التاريخ استراتيجيتها العتيدة في تجويع الشعب السوري بعد خساراتها وأدواتها في الميدان .
يُسَجل للجيش السوري في انتصاراته أنه من كان مايسترو المواجهة وضابط ايقاع النصر في إفشال مفاعيل النسخ المطورة لقانون قيصر الامريكي فلا مخططات برنارد لويس ولا مخططات من سبقه ومن سيخلفه تستطيع ان تنال من استقلال وطن تضامنت فيه قيادته وجيشه وشعبه ومقاومته ليدافعوا عن حبات ترابه .
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 18/1/2021