| علي عبود
الضجة الإعلامية التي واكبت الإعلان المزعوم عن إغلاق شركة أندومي كشفت الإهتمام الحكومي بالشركات الإستهلاكية وإهمالها للشركات الإنتاجية!
وقد تدخل وزير التجارة الداخلية بسرعة الضوء فاتصل بصاحب الشركة مؤكدا له أنه سيعالج المعوقات التي دفعته للإعلان عن إغلاق شركته عبر الفيس بوك!!
وبغض النظر عن الطريقة اللاقانونية التي تم من خلالها إعلان إغلاق شركة الوجبات السريعة فإن إتصال وزير التجارة الداخلية الفوري بصاحبها أثار سؤالا في غاية الأهمية: هل شركة أندومي أهم من 2000 شركة إنتاجية مهددة بالإغلاق؟
لم نقرأ ولم نسمع إن وزير التجارة أو زميله وزير الإقتصاد اجتمع بممثلين عن هذه الشركات لمعالجة الإشكاليات التي أوصلتهم إلى حافة التوقف عن الإنتاج تمهيدا لإغلاق منشآتهم!
ويبدو إن الذريعة الوحيدة لإقدام الجهات المعنية لإخراج الـ 2000 شركة من سوق العمل والإنتاج هي عدم تسديد أصحابها لبقية رأسمالها التأسيسي ضمن المدة القانونية التي حددها قانون الشركات!
حسنا، أيهما أهم للإقتصاد ولتشغيل العمالة، التقيد الحرفي بالقانون وإغلاق الـ 2000 شركة، أم بمنح الحكومة لأصحابها مهلة قانونية جديدة لتسديد بقية رأسمال التأسيس؟
ترى لماذا لم يهتم وزير التجارة بمصير الـ 2000 شركة إنتاجية مثل إهتمامه الضوئي بشركة أندومي إلا إذا كان يعتبرها تهديدا للأمن الغذائي للسوريين؟
كان بإمكان الوزير الإجتماع بأصحاب الشركات المهددة بالتوقف بقوة القانون وسؤالهم: مامطلبكم كي تستمروا بالإنتاج؟
لاشك إن هناك مبررات لأصحاب الشركات لعدم تسديد بقية رأسمال التأسيس في أحد المصارف، فلماذا لم يستمع إليها وزير التجارة، ربما لوأن أصحابها نشروا غسيلهم على صفحات الفيس بوك لتجاوب الوزير معهم سريعا، مثلما فعل مع صاحب شركة أندومي ووعده بمعالجة مايواجهه من صعاب!
وفي حال قرر الوزير تنفيذ قانون الشركات فهذا يعني حرمان الأسواق من مواد وسلع ستؤدي إلى ارتفاع أسعار مثيلاتها المنتجة محليا أوالمستوردة، وتشريد آلاف العمال، فهل الغاية من القانون تشجيع الإنتاج أم التقيد بالنصوص والمهل الزمنية؟
لاشك إن أصحاب الـ 2000 شركة خالفوا قانون الشركات لعام 2011، ولكن هل يكون العقاب بالإغلاق أم بمنحهم مهلة جديدة لتسديد التزاماتهم المالية؟
وبما ان وزارة التجارة لايمكنها منح هذه المهلة فقد ارتأت ان تستشير مجلس الدولة حول الخيارات المتاحة لتجاوز هذه المخالفة القانونية، على الرغم من معرفة القانونيين في الوزارة بالجواب سلفا، فقد كان رد مجلس الدولة متوقعا: إغلاق الشركات المخالفة تنفيذا للمادة /56/ من المرسوم التشريعي رقم /29/ لعام 2011.
ومالم يفعله وزير التجارة اقترحه مجلس الدولة: بإمكانكم رفع مشروع تعديل للمادة /56/ إلى الحكومة!
ترى لماذا لم يختصر وزير التجارة الأمر منذ أشهر ويطلب من رئاسة مجلس الوزراء تعديل المادة /56/ بما يتيح تسديد الحصص المتبقية على الـ 2000 شركة من رأسمالها التأسيسي؟
إن لجوء وزارة التجارة إلى القضاء يثير الريبة، فهي كأنّها تستهدف جهة أخرى لتحمّلها مسؤلية إغلاق 2000 شركة منتجة، لأن مامن جهة قضائية ستجيز مخالفة القانون، وبالتالي فلم يكن أمام وزير التجارة منذ البداية سوى خيارين لاثالث لهما: اما إغلاق الشركات المخالفة أوتعديل المادة /56/ بما يضمن تسوية أوضاعها كي تبقى عجلات إنتاجهها شغالة؟
ونستغرب أن يعد وزير التجارة الداخلية بعرض موضوع إغلاق الـ 2000 شركة إنتاجية على اللجنة الاقتصادية لاستصدار توصية بمنح مهلة جديدة لتلك الشركات لتسوية أوضاعها، فهو قطعا يعرف تماما إن اللجنة الإقتصادية مثل الوزارة، ومثل القضاء ليس لديها أي صلاحيات في مخالفة القوانين النافذة، ولا يمكن النظر إلى اللجوء للجنة الإقتصادية سوى مضيعة للوقت وعدم الجدية ، لأن شركة أندومي التي تعود لصاحب رأسمال كبير جدا بنظر وزير التجارة أهم بكثير من 2000 شركة إنتاجية أصحابها في عداد رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة!
وإذا أردنا توسيع دائرة المسؤوليات فإننا على قناعة إن قضية الـ 2000 شركة منتجة وصلت إلى مكتب رئيس الحكومة إن لم يكن عن طريق وزير التجارة فحتما عن طريق غرفة صناعة دمشق، فلماذا لم تناقش هذه القضية في مجلس الوزراء، بل نستغرب عدم تكليف المجلس لوزير التجارة “اللامبادر” بإعداد مشروع لتعديل المادة /56/ من المرسوم التشريعي!
وبما انها ليست المرة الأولى التي تُعدّل فيها مواد قانونية للمتخلفين عن تسديد التزاماتهم المالية، فلماذا تصدر هذه التعديلات لحالات خاصة وفردية، ولا تصدر سريعا لمنع إغلاق 2000 شركة منتجة سيؤثر توقفها وإلغاؤها من الوجود على توفر السلع والمواد في الأسواق وارتفاع جنوني لأسعار مثيلاتها المحلية والمستوردة، أودخولها تهريبا إلى سورية؟
الخلاصة: ننتظر تدخلا رئاسيا لمنع إغلاق 2000 شركة منتجة تأسست ضمن مشاريع صغيرة ومتوسطة تورّد للسوق الكثير من المواد والسلع، مادامت الجهات الحكومية على مختلف متدرجاتها ومسمياتها لاتهتم إلا بشركات أصحابها متنفذين أو مدعومين من متنفذين!
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع6-11-2022)