علي عواد
يشتعل العالم الافتراضي بمشاهد غير مألوفة ينشرها مؤيدو الرئيس دونالد ترامب. تحترق قبعات «ماغا» (لنُعد لأميركا عظمتها) في فيديوهات تداولها مستخدمون على منصات التواصل، تعبيراً عن رفضهم للرئيس ترامب. لا يمكن الاستهانة بهذا المشهد؛ فقبعة «ماغا» تمثل أحد أهم رموز هذا التيار، وتتحول اليوم إلى أداة انتقامية بأيدي جمهور اعتاد الدفاع عنه.
ملف إبستين يشعل موجة غضب
انطلقت الموجة الأخيرة بسبب قضية السيّئ الذكر جيفري إبستين. كان تيار «ماغا» ينتظر من ترامب وإدارته كشف حقائق «ملف العملاء» المرتبط بإبستين، إلا أنّ الإعلان الرسمي الصادر من وزارة العدل الأميركية بأن الملف «غير موجود»، أشعل الشكوك والغضب في صفوف المؤيدين.
نشر موقع «وايرد» أنّ فيديوهات كاميرات مراقبة زنزانة إبستين جرى تعديلها، ما زاد شكوك المؤيدين حول وجود تلاعب متعمّد.
تكتب مجتمعات اليمين المتطرف على الإنترنت، التي كانت معروفة بتأييدها المطلق لترامب: «خيبة أمل كبرى. تصرف ترامب غير مقبول».
ردّ ترامب على الغضب بمنشورات على منصته «تروث سوشال» يصف فيها الاهتمام بقضية إبستين بأنه «خدعة». نعت الذين يصدقون هذه القضية بأنهم «ضعفاء». تكتيك لم ينجح في تهدئة النفوس.
أزمات إعلامية متتالية
لا يقف ملف إبستين وحيداً. تتوالى قضايا خلافية بين ترامب ومشاهير التيار المحافظ الذين دعموه إعلامياً. تثير هذه الخلافات تساؤلات حقيقية عن مدى تماسك القاعدة الإعلامية الداعمة لترامب، ومدى قدرة المؤثرين على الدفاع عنه في أزمات إعلامية متتالية.
هجوم إعلامي مباشر على مستشار ترامب ومبعوثه إلى لبنان والمنطقة
يُعلن الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون على منصته أنّ قصف إيران قرار «مرفوض». يعترض صاحب البودكاست الشهير، جو روغان، على المداهمات التي تستهدف العمال المهاجرين. يتحدث الملياردير إيلون ماسك عن مشروع «القانون الجميل» منتقداً إياه علناً.
يعبّر الكوميدي والمؤثر الإعلامي أندرو شولز، الذي استضاف ترامب سابقاً في بودكاست Flagrant، عن إحباطه قائلاً: «ترامب يفعل عكس كل ما صوتنا من أجله». لا أحد راضياً عن ترامب؛ تحالف «ماغا» بكل أطيافه غاضب منه.
ليفين يتحدى ترامب إعلامياً
يُعد مارك ليفين واحداً من أبرز المنظّرين لخطاب النيوكونز (المحافظين الجدد) في الإعلام الأميركي.
يستمع إلى برنامجه الإذاعي اليومي الملايين، ويُتابع منشوراته على منصة «إكس» جمهور واسع من المحافظين المتشددين.
في الساعات الأخيرة، شنّ هجوماً مباشراً على مستشار ترامب ومبعوثه إلى لبنان والمنطقة، توم باراك، بعد تصريحات الأخير التي انتقد فيها «إسرائيل» واتهمها بتعقيد المشهد السوري.
وصف ليفين باراك بـ«الأحمق»، واعتبر أن علاقاته مع شخصيات داخل النظام السوري الجديد، بينهم عناصر سابقة في تنظيم «داعش»، تمثل خطراً مباشراً على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة.
ودعا ترامب إلى طرد باراك فوراً، معتبراً أن إبقاءه في منصبه يعطي غطاءً سياسياً وإعلامياً لسياسات تخدم «القتلة»، على حد تعبيره.
النزاعات تصل إلى الكونغرس
يتعمق الخلاف إعلامياً مع إعلان نائب الرئيس ترامب السابق، مايك بنس، عن تأييده الكشف الكامل لملفات إبستين. يصرح بنس لقناة «سي. بي. أس»: «حان وقت الكشف عن جميع الوثائق الخاصة بالتحقيق مع إبستين». يؤيده رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، مطالباً الإدارة بتوضيح موقفها.
ينتشر هذا المطلب إعلامياً بعد الإعلان عن طرد المدعية مورين كومي، وهي المسؤولة عن ملفات إبستين وشريكته غيسلين ماكسويل داخل وزارة العدل. يُثير هذا القرار غضب جمهور ترامب، الذي يرى في طردها محاولةً إعلامية واضحة للتستر على الحقائق المرتبطة بالقضية.
التأثير الإعلامي وانقلاب المشهد
يكشف استطلاع أجرته وكالة «رويترز» أنّ نحو 70 في المئة من الأميركيين يعتقدون أنّ الحكومة تخفي معلومات حساسة عن عملاء إبستين. تظهر هذه النسبة حجم الشك الجماعي، حتى خارج معسكر «ماغا» التقليدي. تسهم هذه الأرقام في تحريك المؤثرين الإعلاميين داخل التيار المحافظ، وتجبرهم على إعادة تقييم موقفهم من ترامب.
توضح تصريحات ماتيو غيرتز من مؤسسة «ميديا ماترز» أن المشهد الإعلامي دخل مرحلة تحوّل فعلية. يرى غيرتز أن «تراكم الانتقادات من جهات متعددة كافٍ لتغيير معادلة الدعم». تؤكد هذه الرؤية أن المعركة صارت بين قنوات إعلامية تحاول الحفاظ على مصداقيتها، وجمهور يطالب بإجابات. تتحول هذه المعركة إلى صراع داخل البيئة المحافظة نفسها، حيث أصبحت حماية صورة ترامب عبئاً إعلامياً، لا مكسباً.
ينتشر الغضب حتى بين الأكثر تطرفاً، مثل المعلق السياسي من أقصى اليمين الأميركي نيك فوينتيس الذي يصرح عبر «إكس»: «الترحيلات الجماعية كذبة. لا يمكن إلقاء اللوم على المستشارين الفاشلين فقط. ترامب من عيّنهم».
تعبر هذه التصريحات عن احتدام المواجهة الإعلامية داخل البيئة التي كانت تُعدّ حصن ترامب الأقوى. يسقط جدار الدعم الذي بُني على مدار سنوات إعلامياً بفعل تراكم الأزمات.
انهيار السردية
حرق قبعات «ماغا» لم يشكّل لحظة انهيار كبرى كالتي مثّلها سقوط جدار برلين، لكنه تعبير واضح عن نهاية حقبة من الولاء الإعلامي الأعمى. ينشر أنصار ترامب السابقون هذه المشاهد تعبيراً عن غضبهم من تجاهل الرئيس لقضية إبستين، والتي استمالهم بها منذ ولايته الأولى.
يبدو واضحاً أنّ الزخم الإعلامي حول ترامب بدأ يتغير. هروبه من القضية وضع الإعلاميين والمؤثرين في مأزق، فلم يجدوا سوى إعادة توجيه الكرة إليه. الجمهور يطالب بالحقيقة، ويطرح أسئلة حساسة جعلها ترامب نفسه محور السردية الإعلامية التي بناها، في مسار لم يتوقعه حتى أشد مؤيديه. تتآكل القصة من الداخل. لم يعد بإمكان أي منصة أن تبيع لجمهورها خطاب ترامب القديم.
يتحول الترويج له إلى عبء ثقيل لا يحتمله حتى أشد المؤيدين صخباً. الرجل الذي غذّى نظريات المؤامرة ينهار تحت وطأتها. انكسر السحر.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار