آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » انطباعات مغترب سوري قضى عطلته الصيفية في بلد الكنوز والجمال

انطباعات مغترب سوري قضى عطلته الصيفية في بلد الكنوز والجمال

الدكتور جوليان بدور:
لم أستمتع في حياتي بعطلة كهذه العطلة، لطف الناس في سورية ومعاملتهم وخفة روحهم ودمهم، كرم الناس وضيافتهم، جمال الطبيعة وعبقها، روعة الطقس واعتداله، تنوع البيئة وغناها، جمال الزهور وعطرها، أشياء نادرة وجدتها كلها هناك في زيارتي أجمل البلدان رغم هول ما خلفته الحرب عليها.
والواقع لم يكن قرار قضاء العطلة الصيفية في ربوع وطني سورية سهلاً على الإطلاق بعد انقطاع دام لسنوات، فبالإضافة إلى الصعوبات التقنية التي فرضها الحصار الجائر على سورية (أي عدم وجود إمكانية حجز بطاقة طائرة أو فندق عن طريق النت) والصورة القاتمة التي تنشرها وسائل الإعلام المٌغرضة، كانت هناك تساؤلات عديدة تدور في مخيلتي.
كيف سيكون حال البلد والناس بعد أكثر من إحدى عشر سنة من الحرب الكونية القذرة والحصار الجائر عليه؟ ما هي تداعيات جائحة كورونا، التي غيرت النفوس والعالم، على الأحوال الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للسوريين؟
كم من الأشخاص سأشاهد على الأرصفة ينامون أو يتسولون بعد هذه الحرب القذرة على بلدنا كما هو الحال الآن في أغلب الدول الغربية؟ هل مازالت أسعار المواد الغذائية الأساسية (الخبز مثلًا) في متناول الجميع أم إنها ارتفعت بشكل جنوني وأصبحت خارج القدرة الشرائية لغالبية الناس؟
كيف سيكون حال الطقس وهل سنعاني، مثل ما عانى الأوروبيون هذا الصيف، من موجات الحر الشديد التي اجتاحت أوروبا؟ هل عاد الأمن والأمان إلى سورية كما كان في الماضي؟
من الصعب جداً الإجابة على هذا النوع من التساؤلات، ولكن بعد قضاء ما يقارب الشهر في ربوع الوطن سأحاول الإجابة باختصار شديد على هذه الأسئلة.
لا يمكن لأي مراقب أن ينفي الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سورية بسبب الحرب والحصار والتدني الكبير في القوة الشرائية للرواتب، والعملة الوطنية، والمستوى المعيشي للناس، وأزمات البنزين، والنقل والكهرباء، وغيرها من الأمور، ولكن السؤال الذي يُطرح هو: هل هذه الأزمة هي نتيجة طبيعية لحرب دامت أكثر من ١١ سنة ولم تنتهِ بعد أم لا؟
في الواقع فإن قراءة تاريخ الدول التي عانت من الحروب (وخاصة ألمانيا وروسيا في الحرب العالمية الثانية) تشير إلى أن أي بلد يتعرض لحرب بهذه الضراوة ولمدة بهذا الطول والحصار بمثل هذه القساوة، لا يمكن أن يتلافى الفقر ومعاناته بعد نهاية الحرب بسبب تدمير المقومات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمجتمع.
إذاً الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه السوريون الآن هو وضع استثنائي لن يدوم طويلاً.
وبالرغم من ذلك يمكننا القول بأن الأمور ليست قاتمة وسوداوية لهذه الدرجة كما يحاول نقله المتشائمون ووسائل الإعلام المغرضة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العناصر والحقائق التالية التي شاهدتها بنفسي خلال زيارتي وتجوالي في مدن وطني:
* سورية جريحة لكنها منتصرة، حيث مازالت الدولة قائمة وتقوم بواجباتها وتحترم المواعيد الدستورية في كل محطاتها.
* مازال سعر رغيف الخبز (المادة الغذائية الأساسية للسوريين) من بين الأرخص في العالم بفضل الدعم الكبير للدولة لهذه المادة.
* مازالت أسعار الفواكه والخضار والمواد الغذائية الأخرى الأرخص مقارنةً بالدول المجاورة والبعيدة والتي لم تعانٍ من أي حرب.
* خلال زياراتي المتكررة لمدينة اللاذقية، ومروري بدمشق، لم أر سوى القليل من الأشخاص (وغالباً نفس الأشخاص) يمارسون مهنة التسول، على عكس ما هو سائد في الكثير من الدول الغنية؟
* بالرغم من قساوة الأزمات التي مرت على الشعب السوري والحرب الكونية عليه، مازالت البسمة تعلو على وجوه أغلب السوريين، وما زالوا محتفظين بنعومة التعامل وكرم الضيافة مع السياح والأجانب، بمعنى آخر لا تشعر كزائر أجنبي أو مغترب نظرات الازدراء والدونية التي نشاهدها من قبل بعض الناس في بعض البلدان الغنية.
* منذ زمن طويل لم أستمتع بمناخ وطقس كالذي قضيته في قريتي البسيطة، ولم أرَ بيئة بهذا الصفاء والنقاء كالبيئة في بلدنا (بالرغم من الانتشار الكثيف والمحزن لأكياس النايلون في الغابات).
* حرارة معتدلة في النهار وطقس مائل للبرودة في الليل، سماء زرقاء صافية لا تشوبها طبقة من الغيوم الملوثة (كما هو الحال في أغلب الدول الغنية) ولا يعكر صفاؤها سوى الظهور الآني للضباب عند المساء وفي الصباح الباكر.
* وأما عن غروب الشمس وشروقها فحدث بلا حرج، غروبها في كل مرة يقدم لك لوحة من الألوان ما فوق البنفسجية تنعش النفوس وتوقف الأنفاس، وفيما يخص الهواء فهو من الصفاء لدرجة تشعر بالراحة والهناء والاسترخاء عندما تستنشق النسيم العليل.

* وفيما يخص الطبيعة والبيئة والنباتات والزهور البرية والجبال والوديان في سورية فهي من الجمال والتنوع أعجز من توصف حقاً بكلمة أو جملة، لم أستمتع بحياتي بهذا الكم من الإعجاب والتقدير كما استمتعت هذه المرة، ولم أرَ تنوعاً وجمالاً في الزهور والورود كما رأيته هذه المرة.
* والأهم من كل هذا وذاك هو عودة الأمن والأمان إلى ربوع الوطن بعكس الاقتصاد وتحسن مستوى المعيشي، اللذين يتطلبان، وفقاً للقوانين الاقتصادية، وقتاً أطول للعودة إلى مجراهما السابق، فالأمن والأمان استتبا من جديد كما كان الأمر في الماضي وإلى درجة كبيرة جداً، وهذا الإنجاز لا يقدر بثمن، فكيف بإمكان دولة، مازالت في حالة حرب منذ أثني عشر عاماً، وعانت ما عانت من دمار طال كافة أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية أن تتمكن في وقت قياسي من فرض الأمن والأمان على كافة المناطق التي تقع تحت سيطرتها؟ ألا يعتبر الأمن والأمان من أهم الأشياء في الحياة؟ ما الفائدة من امتلاك الثروة والمال إن لم تشعر بالأمن والأمان؟
* في طريق العودة توقفت في دمشق وتجولت في سوق الحميدية المليء بالناس، لم أشعر قط ولو لثانية بأنني في حالة من عدم الأمان أو أنني معرض للسرقة، شاهدت البسمة على وجوه أغلب الناس والأطفال وبذل الجهد مع الابتسامة من أجل جذبك وإقناعك لبيع منتجاتهم.
* والدليل الآخر على استتباب الأمن والأمان هو محلات بيع الذهب من دون حراسة خاصة، الواجهة غير مزودة بزجاج ضد الكسر، الباب على طول مفتوح، لا كاميرات للمراقبة ولا حرس خاص كما هو الحال في البلدان الغربية، ومع ذلك من النادر جداً أن تسمع خبر سرقة لمثل هذا النوع من المحلات.
* والدليل الآخر على استتباب الأمن والأمان هو الحياة في الريف، إذ عاد الناس إلى عاداتهم القديمة، أي ترك الأبواب الرئيسية للبيوت مفتوحة والأنوار مضاءة لاتُطفأ، مع وجود مشكلة التقنين في الكهرباء التي لم تتعاف بعد.
* فهل هناك في الحياة أغلى وأثمن من الشعور بالأمن والأمان، ألا يعتبر هذا سراً من أسرار السعادة والراحة النفسية التي يتميز بها السوريون عن غيرهم من الشعوب؟
* لم أستمتع في حياتي بعطلة كهذه العطلة، لطف الناس ومعاملتهم وخفة روحهم ودمهم، كرم الناس وضيافتهم، جمال الطبيعة وعبقها، روعة الطقس واعتداله، تنوع البيئة وغناها، جمال الزهور وعطرها، وإذا ما أضفت إلى كل هذا بأن سورية هي التاريخ القديم ومهد الحضارات والأديان، فلن تجد صديقي أجمل من بلدنا، بلد الشمس وأم الأبجدية.
* وأخيراً أنا اعتقد جازماً بأنه كما عادت البيئة إلى رونقها ولعب دورها الطبيعي، والشعب السوري إلى كرمه وأخلاقه وطباعه، والأمن والأمان إلى ربوع الوطن، سيعود الخير وتعم الرفاهية من جديد في القادم من الأيام على الشعب السوري.

*باحث وأكاديمي من أصل سوري في جامعة لارينيون الفرنسية

 

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هكذا نخفف من قلق أطفالنا وتوترهم خلال فترة الامتحانات

تعدّ فترة الامتحانات من أكثر الفترات توتراً وضغطاً على الطلاب، حيث يتعرضون للضغوطات النفسية والمدرسية نتيجة التحضير للامتحانات والضغط لتحقيق النجاح. ويرى الخبراء أنه يقع ...