الرئيسية » تحت المجهر » انعكاسات الأزمة الأوكرانية على أزمة الغذاء في العالم العربي

انعكاسات الأزمة الأوكرانية على أزمة الغذاء في العالم العربي

|عبد الخالق فاروق

أصبحت 11 دولة في المنطقة العربية مهدَّدة بارتفاع أسعار الخبز والمحروقات، وتكاليف النقل ومعظم السلع الغذائية، والخدمات المرتبطة بالبترول والغاز.

تتنوع العلاقات الاقتصادية والسياسية العربية بروسيا الاتحادية – وقبلها الاتحاد السوفياتي -، بصورة كبيرة ومؤثّرة. وتتخذ هذه العلاقات صوراً متعددة، وتباينت هذه العلاقات بين دولة عربية وأخرى، وبين مرحلة تاريخية وأخرى. والدارس لتاريخ هذه العلاقات يمكنه التمييز بين أربع مراحل متعددة في سماتها وسلوكها: 

الأولى: تلك التي امتدت منذ منتصف الخمسينيات، وعقد صفقة السلاح السوفياتية لمصر عام 1955، حتى منتصف الثمانينيات، والتي ظلّلها ما كان يُطلَق عليه مصطلح الحرب الباردة. وتميزت بغلبة الطابع الأيديولوجي من جهة، والتعاون، اقتصادياً وسياسياً، مع بعض الدول العربية، التي حُسِبت على ما أُطلق عليه وقتئذ “معسكر التقدم والتحرر” في العالم العربي، وكان في مقدمها مصر الناصرية، والجزائر، والعراق، وسوريا، واليمن الجنوبي، وإلى حد ما ليبيا. وتميّزت بالتعاون في مجالَي الصناعة والتسليح لجيوش هذه الدول مع كثير من التبادلات التجارية. 

الثانية: التي تبدأ منذ تولّى ميخائيل غورباتشوف ومجموعته شؤون الحزب والرئاسة السوفياتية (1985-1991)، والتي سادت خلالها شعارات “البرويسترويكا” و”الغلاسنوست”، وانتهت بسقوط حائط برلين عام 1989، وتفكك الدولة السوفياتية ذاتها عام 1991. وتكاد تكون هذه العلاقات السوفياتية العربية في حالة تجمُّد وتكلُّس، سواء مع دول ما كان يُسَمّى سابقاً “التقدم والتحرر”، أو حتى مع الدول المحافظة، أو الملكيات الرجعية في المنطقة. وفي المقابل، ازداد الاهتمام، بصورة هائلة، بتقوية وشائج التعاون – بل التنازلات – مع معسكر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والتي – للأسف – لم تأتِ للدولة السوفياتية بالمَن والسلوى المنتظَرَين والموعودَين، بل سقط معها الاتحاد السوفياتي وتفكّكت أوصاله، وسقط معه التحالف الاقتصادي للدول الاشتراكية (مجموعة الكوميكون)، وحلف وارسو الدفاعي. 

الثالثة: الفترة الرمادية التي يمكن أن نطلق عليها أعوام التيه الروسي، والتى أعقبت تفكك الدولة في عهد الرئيس المخمور “بوريس يلتسن”، والمافيا والصهاينة المحيطين به، والذين أوصلوا الدولة الروسية – وريثة الاتحاد السوفياتي في المعنيَين القانوني والسياسي – إلى حافة الإفلاس والمجاعة والانهيار، اقتصادياً وسياسياً، وفيها خسرت روسيا مواقعها تماماً، سواء في العالم العربي، أو في كثير من دول العالم، وتدنّت العلاقات الاقتصادية والسياسية بينها وبين الدول العربية بصورة خاصة، وبينها وبين سائر دول العالم بصورة عامة. 

الرابعة: تلك التي بدأت مع صعود الرئيس فلاديمير بوتين وتولّيه شؤون الحكم والرئاسة، والإمساك بمفاصل الدولة المتفككة، نهاية عام 1999 حتى يومنا هذا. وشهدت تحولات إيجابية في العلاقات الاقتصادية والسياسية العربية – الروسية، لعل أبرز ما يميزها تواري المنظور الأيديولوجي من بناء السياسة الخارجية الروسية، وغلب فيها المجال لمفهوم المصالح الاقتصادية المجردة على ما عداها من أبعاد سياسية (1). 

منذ مطلع عام 2005، تصاعد اهتمام روسيا، بصورة ملحوظة، بالمنطقة العربية، وهو الاهتمام الذي تمّ تتويجه بزيارة الرئيس فلاديمير بوتين للمنطقة عام 2007، والتي عًدَّت البداية في تحسين العلاقات الروسية بدول المنطقة (2). فأهمية المنطقة العربية وجوارها المباشر، وفق المنظور الاستراتيجي، تكمن في موقعهما الجغرافي؛ حيث ملتقى قارات العالم القديم، ولأن المنطقة العربية تشرف على أهم البحار العالمية، فضلاً عن تحكّمها في أهم الممرات المائية لطُرُق التجارة الدولية. كما أنها، من المنظور الروسي، تتمتع بمخزونات هائلة من الطاقة؛ تلك التي تقدَّر بما يفوق 40% من الاحتياطي العالمي من النفط، و39% من الاحتياطي العالمي من الغاز، بالإضافة إلى ما تتمّتع به المنطقة من كتلة سكانية ليست بالقليلة. وبما أن روسيا تشغل الحيز الأكبر من منطقة “أوراسيا”، فإن المنطقة العربية، وجوارها المباشر، مثل إيران وتركيا، تمثّل بالنسبة إليها الفاصل الجغرافي بينها وبين المياه الدافئة(3).

ويمكننا أن نميز بشأن علاقات التعاون الروسي – العربي بين خمسة مجالات أساسية: 

الأول: مجالات التبادل التجاري المتنوع والمتعدد. 

الثاني: مجالات الاستثمار المتبادل.

الثالث: مجالات التسلح ومبيعات الأسلحة والمعونة الفنية. 

الرابع: مجال تسوية المديونيات القديمة.

الخامس: ويكاد ينحصر في الحالة المصرية، وهو أفواج السياح الروس إلى المنتجعات والشواطئ المصرية.

فلنتناول كل واحد بشيء من التفصيل:

مجال التبادل التجاري:

إذا تأملنا مجال التعاون والتبادل التجاريَّين بين الطرفين، نجد أن هذا التبادل زاد بصورة ملحوظة خلال الأعوام العشرين الأخيرة، من 5.5 مليارات دولار عام 2006، إلى 22 مليار دولار عام 2018(4). ويميل الميزان التجاري بين الطرفين لمصلحة روسيا غالباً.

كما بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا في ذلك العام (2018) نحو 7.6 مليارات دولار. وهكذا مثّلت مصر الشريك التجاري الأول لروسيا في أفريقيا، كما تمثل مصر ما نسبتة ثلث حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية (5).

ومن أهم الصادرات الروسية لمصر مجموعة الحبوب، وخصوصا القمح، بحيث يشكل القمح الروسي ما نسبته 55% على الأقل من واردات مصر من القمح، يليه القمح الأوكراني بنسبة تتراوح بين 15% و20%، أي أن هاتين الدولتين المشتبكتين في المعركة الحالية في أوروبا يشكلان معاً نحو 70% على الأقل من أحتياجات مصر السنوية من القمح، وهو ما يشكل مشكلة كبرى لمصر في ظروف الأزمة الأوكرانية الراهنة.

وتأتي دولة الإمارات في الترتيب الثاني كشريك تجاري لروسيا على المستوي العربي، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر العشرة الأولى من 2021 حوالي 5.1 مليار دولار، محققاً قفزة كبيرة مقارنة بنفس الفترة في 2020، كما أن دولة الإمارات تعد أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، إذ تستحوذ على 55 % من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع روسيا (6).

وإذا توقَّفنا عند المحتوى والمضمون لهذا التبادل التجاري بين روسيا وكثير من الدول العربية، نكتشف أنه يعتمد على صادرات الحبوب الروسية ـ والأوكرانية – بصورة أساسية إلى هذه الدول، بعد استبعاد النفط ومنتوجاته وصادرات السلاح.

وهنا، قد يكون ملائماً التوقف ملياً عند هذه التجارة، ومدى انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية والأطلسية الراهنة على الموقف العربي، وفقاً للحقائق التالية:

1- أنتجت بلدان الاتحاد الأوروبي (مجتمعة)، نحو 127 مليون طن من الحبوب، في موسم 2020-2021، وفقاً لبيانات موقع “ستاتيستا” الإحصائي.

2- تُعَدّ روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم بمتوسط صادرات سنوية، يبلغ 44 مليون طن. 

3- تأتي أوكرانيا في المرتبة الخامسة عالمياً، بحيث تُنتج 24 مليون طن من القمح، تصدّر منها في المتوسط نحو 18 مليون طن سنوياً.

4- تأتي الهند ثانية أكبر دولة منتجة للقمح في العالم وفقاً لوكالة بلومبرغ. وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الهندية أنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج القمح إلى مستوى قياسي في موسم عام 2021ـ2022، ليصل إلى 111.3 مليون طن(7). وتُعَدّ بنغلادش أكبر المشترين للقمح الهندي عام 2020-2021، وزادت صادرات القمح الهندية لتصل إلى نحو 6 ملايين طن في الأشهر العشرة المنتهية في الـ31 من كانون الثاني/يناير 2022. 

5- إذا أضفنا الأرجنتين ورومانيا وأستراليا وفرنسا وكندا، يكون لدينا المصادر الرئيسة الكبرى لإنتاج القمح وتصديره إلى سائر دول العالم. 

وعلى صعيد التجارة العالمية للقمح، تُظهر البيانات وجود خمس دول تكاد تكون مسؤولة عن أهم صادرات القمح في العالم، وهي وفق الترتيب التالي: 

1- روسيا 7.9 مليارات دولار أميركي (بنسبة 17.6 % من إجمالي صادرات القمح العالمية).

2- الولايات المتحدة 6.32 مليارات دولار (14.1%).

3- كندا 6.3 مليارات دولار (14%).

4- فرنسا 4.5 مليارات دولار (10.1%). 

5- أوكرانيا 3.6 مليارات دولار (8%). 

أي أن هذه الدول الخمس وحدها تصدّر ما نسبته ثلثا (63.8% تقريباً) الصادرات العالمية من القيمة الإجمالية لصادرات القمح.

وبينما تساهم روسيا وأوكرانيا بما نسبته 30% من مجموع إمدادات القمح العالمية، فإنها تقدّم 19 % من السوق العالمية للذرة، و80 % من زيت دوار الشمس. 

وتبرز أهمية القمح في الوقت الحالي للمجتمعات العربية، التي تستهلك أكثر من 70 مليون طن من القمح سنوياً، تتصدَّره مصر المصنَّفة أكبرَ مستهلك للقمح، بحجم 22 مليون طن عام 2021، تستورد منها في المتوسط 13.8 مليون طن عام 2021، تليها الجزائر عربياً. 

وإذا حاولنا ترتيب الدول الأكثر استيراداً للقمح في العالم، وفقاً لبيانات موسم 2020-2021، وطبقاً لموقع ستاتيستا، فهي على النحو التالي: 

1- مصر: 12.1 مليون طن.

2- إندونيسيا: 10.4 ملايين طن.

3-تركيا: 8.1 ملايين طن.

4-الجزائر 7.7 ملايين طن.

5- بنغلاديش 7.2 ملايين طن.

6-نيجيريا 6.6 ملايين طن.

7-البرازيل 6.4 ملايين طن.

8-الفلبين 6.1 ملايين طن.

9-اليابان 5.5 ملايين طن.

10-المكسيك 4.7 ملايين طن.

وتُعَدّ مصر ثاني أكبر دولة بالنسبة إلى استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، تليها العراق والمغرب واليمن وتونس وليبيا ولبنان والجزائر. وتستورد مصر وحدها ما نسبته 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، ووصلت قيمة ما استوردته عام 2019، إلى نحو 4.7 مليارات دولار. كما استوردت نحو 12.9 مليون طن عام 2020، بقيمة 3.2 مليارات دولار أميركي، واشترت 3.5 ملايين طن من القمح حتى منتصف كانون الثاني/يناير2022، وفقاً لشركة (S&P Global). وفي عام 2021 استوردت ما نسبته 50% من القمح من روسيا و30% من أوكرانيا، أي أن 80% من احتياجات مصر من القمح قادمة من هاتين الدولتين فقط، هذا ناهيك بوارداتها من الزيوت والأعلاف والذرة.

ويكلف برنامج استيراد القمح الحكومةَ المصرية نحو 5.5 مليارات دولار. ومن المتوقع، وفقاً لبيانات وزارة المالية، أن يؤدي ارتفاع أسعار القمح إلى زيادة الدعم 763 مليون دولار في موازنة 2021-2022 (8). أمّا بيانات وزارة الزراعة المصرية فتشير إلى أنه، خلال الفترة من تموز/يوليو 2020 إلى حزيران/يونيو 2021، بلغت صادرات القمح الروسي إلى مصر 8.96 ملايين طن من إجمالي 13.3 ملايين طن استوردتها مصر خلال هذه الفترة.
وتنقسم المشتريات المصرية بين الهيئة العامة للسلع التموينية وشركات القطاع الخاص(9)، وتتوقع وزارة الزراعة المصرية أن ترتفع واردات مصر من القمح إلى 13.6 مليون طن خلال موسم 2021-2022. كما سيرتفع استهلاك مصر من القمح خلال الموسم الجديد ليبلغ نحو 23 مليون طن، بزيادة 2.1% في موسم 2020-2021، بسبب زيادة عدد السكان الذي بلغ 102.2 مليون نسمة (10).

وصرّح المتحدث باسم الحكومة المصرية أن لدى مصر مخزوناً استراتيجياً من القمح يقترب من خمسة ملايين طن في الصوامع والمطاحن تكفي لتغطية أربعة أشهر، وسيضاف إليها القمح المحلي بداية من الـ15 من نيسان/أبريل 2022، ليكفي المخزون لمدة تسعة أشهر لتلبية حاجات السكان، مؤكداً “أننا لن نتمكّن من الشراء بالسعر قبل الأزمة”، وخصوصاً بعد أن ارتفعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى 344 دولار للطن.

أمّا الجزائر فهي تُعَدّ ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا بعد مصر، وخامس مستورد للحبوب في العالم، وتستورد الجزائر حاجاتها إلى القمح من روسيا، بحيث بلغت 5.363 ألف طن في السنة الزراعية الحالية، بزيادة عن صادرات العام السابق بواقع 1.3 مرة، وفقاً لبيان من الخدمة الاتحادية الروسية للرقابة البيطرية والصحة النباتية. وأفادت وكالة بلومبرغ للأنباء بأن الجزائر تعاقدت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 على استيراد 200 ألف طن من القمح الروسي، بينما اشترت أكثر من 600 ألف طن من القمح في مناقصة أخرى. 

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن وزير الزراعة، محمد عبد الحفيظ هني، أن لدى الجزائر مخزوناً من القمح يكفي لمدة ستة أشهر، وأنها اتخذت كل احتياطياتها لضمان تغطية السوق الوطنية، وتلبية حاجات المواطنين إلى الحبوب، لمواجهة الضغوط الكبيرة في سوق الحبوب العالمية حالياً.

أمّا المغرب فأعلن أن لديه مخزوناً من القمح يغطي استهلاكه لخمسة أشهر، بعد أن تسلّم معظم طلبياته من أوكرانيا قبل بدء الصراع الحالي. ويستورد المغرب 20% من قمحه تقريباً من أوكرانيا، و10.5% من روسيا، بينما يستورد الكميات المتبقية من الأرجنتين وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. ويبقى الإشكال الوحيد في ارتفاع الأسعار في حال اللجوء إلى أسواق بديلة. لذا، قررت الحكومة المغربية، وفقاً لتصريحات الوزير المكلّف شؤون الميزانية فوزي لقجع للصحافيين، أنها ستزيد في مخصصات دعم الطحين إلى 350 مليون يورو، كما أوقفت الرسوم الجمركية المتعلقة باستيراد القمح (11). 

تونس، التي تستورد 60% من القمح من أوكرانيا وروسيا، لديها مخزون يكفي حتى حزيران/يونيو 2022، كما أكد عبد الحليم قاسمي، من وزارة الزراعة، في كانون الأول/ديسمبر، بالقول إن “البديل عن أوكرانيا هو الولايات المتحدة، إلاّ أن الفارق يكمن في أن الشحنة تحتاج إلى 25 يوماً للشحن من الولايات المتحدة (…)”. وأكد متعاملون أوروبيون أن تونس اشترت قمحا ليناً وعلف شعير في مناقصة،، كما أكدت وكالة الأنباء التونسية أن 4 بواخر أجنبية محمّلة بالقمح والشعير المستوردَين في عُرض البحر من دون التمكّن من دخول ميناء صفاقس التجاري وتفريغ شحناتها بسبب عدم قدرة ديوان الحبوب على دفع ثمن هذه المواد الأساسية المستوردة، نظراً إلى تزايد الدَّين الخارجي مع تَأَكُّل احتياطيات العملات الأجنبية. وتتطلع تونس إلى أوروغواي وبلغاريا ورومانيا للحصول على إمدادات القمح الناعم لحماية نفسها من الاضطرابات المحتملة في الإمدادات، كما أن هناك خيارات للتوجه إلى الأرجنتين وفرنسا وبولندا. وبدأت السلطات التونسية التواصل مع كندا وأستراليا لمحاولة تأمين باخرة قمح كبيرة في المقابل (12). 

أمّا العراق، وهو مستورد رئيسي للحبوب، فنقلت وكالة الأنباء العراقية عن وزير الزراعة، محمد مهدي الخفاجي، قوله إن مخزون القمح لدى وزارة التجارة حالياً لا يغطي استهلاك أكثر من ثلاثة أشهر، واتُّخذت إجراءات عاجلة لتدبير مخزونات استراتيجية من القمح، ودعم برنامح بطاقات التموين المحلي، في الوقت الذي تثير الأزمة الأوكرانية الروسية مخاوف بشأن الأمن الغذائي.

وفي الأردن، نقل التلفزيون الرسمي عن وزير التجارة والصناعة الأردني قوله إن مخزون البلاد من القمح والشعير يكفي لمدة عام، نظراً إلى أن الأردن يملك احتياطيات كبيرة من القمح، يكفيه لمدة 15 شهراً، بإجمالي 1.5 مليون طن، بينما يبلغ استهلاكه السنوي 950 ألف طن. وأضاف الوزير يوسف الشمالي أن الأردن لن يرفع أسعار الخبز مهما زادت أسعار المواد الخام(13).

أمّا سوريا، التي كانت مكتفية ذاتياً من القمح حتى تاريخ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، فاضطرت بعد أعوام من الحرب إلى شراء 1.5 مليون طن من القمح في عام 2021، معظمها من روسيا. وتقول دمشق إنها تعمل الآن على توزيع المخزونات لاستخدامها على مدى شهرين.

أمّا لبنان فيستورد بين 600 و650 ألف طن سنوياً، 80% منها من أوكرانيا. وقال ممثّل مستوردي القمح في لبنان، أحمد حطيط، لوكالة “فرانس برس” إن “لدينا خمس بواخر في البحر حالياً محمَّلة بالقمح، جميعها من أوكرانيا. والمخزون الحالي، بالإضافة إلى البواخر الخمس، تكفي شهراً ونصف شهر. كما أكد وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، لوكالة “رويترز”، الجمعة، الـ25 من شباط/فبراير2022، أن احتياطيات لبنان من القمح تكفي شهرا على الأكثر، نظرا إلى أن انفجار مرفأ بيروت أدى إلى تدمير أهراءات القمح، وعدم القدرة على تخزين كميات كبيرة منه، وتجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى (14).

وفي السودان، الذي كان يُنظَر إليه، على مدى أعوام طويلة، على أنه سلة الغذاء للعالم العربي بسبب ما يملكه من مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الغنية، فقد عانى مجاعات وطوابير الخبز في الأعوام العشرة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى اشتعال نيران الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت في النهاية نظامَ حكم الجنرال عمر البشير في خريف عام 2019، بعد أن تسلّط على حكم السودان لأكثر من ثلاثين عاماً. وبعد الانقلاب العسكري الجديد في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، تراجعت احتياطياته النقدية، وتوقفت المساعدات الدولية رداً على هذا الانقلاب العسكري الجديد. وبالتالي، سيكون الشعب السوداني هو أول المتضررين. لذا سارع وفد سوداني رفيع المستوى، يضم عدداً من وزراء الحكومة برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، إلى زيارة العاصمة الروسية موسكو، بهدف البحث في سبل التعاون بشأن تأمين واردات القمح الروسي.
أمّا دولة الإمارات المتحدة، فقد أكد عبد الله بن أحمد آل صالح، وكيل وزارة الاقتصاد، أن روسيا وأوكرانيا من أهم الدول التي تستورد القمح والدقيق منها. وأشار إلى “أننا نراقب الموقف، ونبحث في البدائل في حال تعطلت سلاسل الإمداد من الدولتين. كما تتم مراقبة المخزون الاستراتيجي من القمح والذرة، خلال الفترة الحالية، مع تطور الأحداث في أوروبا”.

تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية في موقف الغذاء العربي (الكميات والأسعار) 

تلقي الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا بظلالها على مواطني معظم الدول العربية، وتمتد إلى تفاصيل حياة المواطنين، بدءاً بمصر ولبنان واليمن، مروراً بدول المغرب العربي، عبر أهم سلعة يستهلكونها وهي رغيف الخبز. فالأرقام كلها تشير إلى أن الشعوب العربية تعتمد، في خبزها اليومي، على القمحين الروسي والأوكراني، بنسبة تتراوح في المتوسط بين 30% كحد أدنى، و70% في بعض الحالات، مثلما هي حالة مصر. ويمثل القمح من روسيا وأوكرانيا ورومانيا نحو 60% من احتياجات السودان (منها 46% من روسيا وحدها). ويأتي اليمن بعد السودان، ويحصل على نسبة 31% من احتياجاته إلى القمح من روسيا، بينما يحصل على نسبة 6.8% من أوكرانيا. وكذلك 28% من احتياجات لبنان، ونحو 30% من احتياجات العراق. أمّا تونس فتحصل على أكثر من نصف وارداتها من القمح تقريباً من أوكرانيا وروسيا. وبصورة عامة، تحصل الدول العربية على ما نسبته 25% من صادرات القمح العالمية، اعتماداً بصورة أساسية على القمحين الروسي والأوكراني. وسيؤدي النقص المحتمل للمعروض من الصادرات الروسية والأوكرانية، بأسواق الحبوب والبذور الزيتية، إلى ارتفاعات هائلة في الأسعار وتكاليف الغذاء. 

وهذا الأمر دفع كثيرين في الدول العربية إلى دق ناقوس الخطر، محذّرين من أن الحرب المشتعلة في أوكرانيا، ستمس قُوت الناس اليومي، وستؤدي حتماً إلى اضطراب تدفق الحبوب عبر منطقة البحر الأسود، كما سوف ترتفع أسعار الواردات الغذائية، سواء الواردة من هاتين الدولتين، أو من دول العالم الأخرى. وقد تجد شعوب هذه الدول صعوبة في توفير الخبز على طاولة الطعام، الأمر الذي سيؤدي إلى تظاهرات جديدة وعدم استقرار سياسي فيها (15). 

والحقيقة أن هذه الدول العربية سوف تعاني تداعيات هذه الأزمة من زاويتين: 

الأولى: هي احتمال انخفاض تدفق الكميات المطلوبة من القمح والذرة والأعلاف والزيوت المستورَدة من هاتين الدولتين، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية في أوكرانيا تقع في مناطقها الشرقية، التي تشهد معظم الأعمال العسكرية حالياً. 

الثانية: ارتفاع أسعار هذه المواد الغذائية، سواء من هاتين الدولتين، أو من غيرهما من الدول بسبب زيادة تكاليف النقل والشحن والتأمين من ناحية، أو بسبب الزيادات المتوقَّعة في أسعارها، جراء انخفاض المعروض منها في الأسواق العالمية. 

أمّا مصر فسوف تتأثر من هذه الحرب الروسية – الأوكرانية الأطلسية من زوايا أربع، هي: 

الأولى: واردات القمح والذرة والزيوت من حيث الكميات، ومن حيث الأسعار. 

الثانية: انخفاض الاستثمارات الروسية في مصر، واحتمال توقفها.

الثالثة: تعطُّل صفقات السلاح والتعاون الفني الروسي، ولو لفترة من الزمن. 

الرابعة: خسارة تدفقات مالية جراء توقف الحملات السياحية الروسية والأوكرانية الآتية إلى مصر.

وشهدت الأسواق على الفور ارتفاعاً في أسعار القمح، وبلغت أعلى مستوى لها منذ أكثر من 9 أعوام. ففي الـ 2 من آذار/مارس 2022، قفز سعر القمح في بورصة شيكاغو أكثر من 7% ليتجاوز 11 دولاراً للبوشل للمرة الأولى منذ عام 2008. كما قفزت العقود الآجلة للقمح لشهر أيار/ مايو المقبل في مجلس شيكاغو للتجارة 5.7 % إلى 11.34 دولاراً للبوشل، ثم اندفعت أسعار العقود الآجلة المتداولة في بورصة شيكاغو، والتي تُعَدّ مقياساً دولياً، إلى 13.40 دولاراً للبوشل. وبلغت الأسعار في بورصة باريس 406 يورو للطن، وبلغ سعر القمح نحو 344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة “يورونكست” التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية. 

وكانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، “فاو” (F.A.O)، أشارت إلى أن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بما يتراوح بين 8 % و20%، نتيجة الصراع الدائر في أوكرانيا، الأمر الذي سيؤدي إلى قفزة في عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية في كل أنحاء العالم. 

ووفقاً لوكالة “رويترز”، رفعت روسيا أسعار القمح. وحددت الشركات الروسية سعر القمح عند 326 و327 دولاراً للطن مسلَّماً على متن ظهر السفينة بزيادة قدرها دولارين عن الأسبوع السابق.

وكانت وزارة المالية المصرية قدّرت متوسط سعر طن القمح عند 255 دولاراً خلال العام المالي الجاري (2021ـ2022)، الأمر الذي سيدفعها إلى زيادة مخصصات شراء القمح وبعض المواد الغذائية الأخرى. 
وفي خطوة استباقية، قامت الحكومة المصرية بزيادة أسعار بعض أنواع الخبز، مع تخفيض الوزن في منتصف شهر آذار/مارس 2022. ومن المرجَّح أن تقوم – طبقاً لسياق سياساتها المستمرة منذ ثمانية أعوام – وتولي الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم، بزيادة الأسعار مجدَّداً، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة من خلال تخفيض أوزان عبوات السلع عموماً (سكّر – زيت – شاي… إلخ)(16). وهو ما سبق وصرّح به الرجل في آب/أغسطس عام 2021، عندما قال “حان الوقت لرفع سعر رغيف الخبز”. وأضاف، في تصريحاته حينئذ، أن “من غير المعقول أن يكون ثمن عشرين رغيف خبز مساوياً لثمن سيجارة واحدة”. وأثارت تلك التصريحات رفضاً واسعاً، من جانب قطاعات واسعة من الشعب المصري.

وزادت الطينَ بلة قراراتُ الحكومتين الروسية والأوكرانية. فمن ناحية، ألزمت الحكومة الأوكرانية، وفقاً لما نقلته وكالة “إنترفاكس – أوكرانيا” للأنباء، التجار بالحصول على ترخيص من السلطات لتصدير القمح ولحوم الدواجن والبيض وزيت دوار الشمس، وفُرضت أيضاً قيود على تصدير الماشية ولحومها، والملح والسكر والشوفان والحنطة السوداء والجاودار والدخان والذرة والزيوت، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، والتي تُعَدّ ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية. 

كما قام الجيش الأوكراني بتعليق الشحن التجاري في الموانئ الأوكرانية بسبب العمليات الحربية، وهو ما زاد المخاوف من تعطل الإمدادات من مصدر رئيسي للحبوب والزيوت النباتية. ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن رومان ليششينكو، وزير السياسات الزراعية والغذائية الأوكراني، أن حظر التصدير ضروري لمنع حدوث “أزمة إنسانية في أوكرانيا”، وتحقيق الاستقرار في السوق و”تلبية احتياجات السكان إلى المنتوجات الغذائية المهمة”.

وبالنظر إلى كون أوكرانيا هي خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم، بحيث تغطي وحدها نحو 7% من الإمداد العالمي، (بعد كل من روسيا 18%، وأميركا 16%، وكندا 14%، وفرنسا 10%). فمن شأن تقليل صادراتها من الحبوب أن يؤثّر في الإمدادات العالمية للقمح. كما أن الذرة يُعَدّ من أكثر صادرات أوكرانيا، بحيث تورّد نحو 9.7% من إمدادات العالم. وكانت صدّرت بقيمة 3.75 مليارات دولار من زيوت البذور في عام 2019، الأمر الذي يجعلها أكبر مصدّر لزيوت البذور في العالم، تصدّر بصورة أساسية إلى الهند والصين وإسبانيا وهولندا وإيطاليا ومصر.

وفي وقت سابق، قال مسؤولون ومصادر في قطاع الحبوب إن روسيا علًقت حركة السفن التجارية في بحر آزوف حتى إشعار آخر، لكنها أبقت موانئها على البحر الأسود مفتوحة أمام الملاحة(17). كما فرضت روسيا قيوداً على صادرات القمح والشعير والشوفان وحبوب أخرى.

وبالنسبة إلى مصر فهي تستورد ما نسبتة 20% من القمح الأوكراني، وتأتي بعدها إندونيسيا التي تحصل على 19.4% من هذه الصادرات، بالإضافة إلى تركيا وتونس والمغرب، وفقاً لبيانات المرصد الاقتصادي OEC)) عن عام 2019. كما تصدر أوكرانيا الذرة إلى مصر بنسبة 14.4% من صادراتها من الذرة، بالإضافة إلى الصين ودول الاتحاد الأوروبي وتونس وليبيا وإيران.(18) 

وبهذا القرار، أصبحت 11 دولة في المنطقة العربية، فضلاً عن ماليزيا وإندونيسيا وبنغلادش، مهدَّدة بارتفاع أسعار الخبز(19) والمحروقات، وتكاليف النقل ومعظم السلع الغذائية والخدمات المرتبطة بالبترول والغاز، وأهمها فواتير الكهرباء والغاز المنزلي وفي المصانع، وكذلك القمح والمواد الغذائية. ثم من المرجَّح أن تنفجر انتفاضات للغضب في عدة دول عربية وغير عربية، ومن بينها مصر ولبنان والسودان والعراق وتونس.

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حلفاء كييف يستعدون للأسوأ: «التنازل» عن الأراضي حتمي؟

ريم هاني       لم يعلن أي من الرئيسين، الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو الروسي فلاديمير بوتين، عن شروطهما التفصيلية لإنهاء الحرب في أوكرانيا ...