ايليا ج. مغناير:
أطلق نظام الدفاع الجوي السوري صاروخاً، إثناء قصف طائرات إسرائيلية لمواقع في الجولان المحتل، ليسقط على بعد 30 كيلومتراً من مفاعيل ديمونا النووي في النقب، التي تبعد 296 كيلومتراً عن دمشق. وأثار هذا التطور تساؤلات كثيرة خصوصاً في ضوء عدم إسقاط الصاروخ من الدفاعات الإسرائيلية. فهل هو إنتقام إيراني رداً على الهجوم الإسرائيلي التخريبي على مفاعل نطنز الإيراني أو أنه مجرد صاروخ أخطأ هدفه؟ القيادة الإسرائيلية رأت أن صاروخ S-200 “ضلَّ هدفه”، وفشلت منظومة متطورة بإعتراض هذا السلاح السوفياتي القديم الصنع، والذي كان أسقط طائرة F-16 اسرائيلية عام 2018. وإنتهز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان الفرصة للقول أن “بنيامين نتنياهو نام أثناء نوبة الحراسة” وفشل في إعتراض الصاروخ.
ومن المعتاد أن تقدم إسرائيل دليلاً على إطلاق أي صاروخ عليها وتبرز المحرك الزعانف. وهذا كان سيحدد هل هو فعلاً صاروخ SA-5 (S-200) أم فاتح – 110 كما إدعى أحد الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني إذاً إنها رسالة سورية – إيرانية، أن وقت رد الحساب قد حان. وهو ما أثار الرأي العام الإسرائيلي الذي جمع بين إطلاق الصاروخ والإنفجار الهائل الذي أصاب مصنع محركات للصواريخ المتطورة خارج بلدة الرملة. ويبلغ طول صاروخ SA-5 الأرض- جو 10.8 أمتار وتعمل أجهزته بالأشعة تحت الحمراء بباحث راداي ولديه أجنحة مناورة هوائية. وعلى الرغم من صناعتة عام 1967، إلا أنه يمتلك مفجر ذاتي يفجره إذا لم يصب الهدف وتالياً يقلص من أضراره عند وقوعه على الأرض.
أما صاروخ الفاتح D1 -110 فيبلغ طوله 8.9 أمتار، وهو صاروخ أرض – أرض موجه بالأقمار الإصطناعية وتلقيم موقع الهدف. ويبلغ مدى الجيلين الثالث والرابع منه 300 كيلومتر. وقد جهزت إيران حلفائها في سورية ولبنان بهذا الصاروخ الذي يعمل بالوقود الصلب. وزعمت إسرائيل أن الصاروخ إنفجر في السماء رغم أن الصور المتداولة لحظة الإنفجار أظهرت إنفجاراً قوياً على الأرض، وتالياً فأن فشل إعتراض الصاروخ وإنفجاره في الأرض بعد تخطيه مسافة أكثر من 250 كيلومتراً يلغي الرواية الإسرائيلية. وثمة من يستنتج أن إسرائيل تريد تجنب التصعيد مع سورية وإيران وأن القول بأنه “صاروخ تائه” يدل على أن تل أبيب تريد وضع الحدث خلفها وتجنب الدخول في “التفاصيل” والإعتراف أن هذا الصاروخ، مهما كان نوعه، إستطاع التملص من الدفاعات التي حدّثتها أخيراً.
وفي تقدير دوائر متابعة أنه لو قبلت إٍسرائيل براوية الفاتح – 110، فهذا يعني أن قرار إطلاق الصاروخ – الرسالة أتى من الرئيس السوري بشار الأسد شخصياً وأنه أراد القول لإسرائيل أنه يستطيع تسديد الفاتورة عندما يحين الوقت لذلك، وأن مستوى العلاقات السورية – الإيرانية قد وصل إلى ذروة التعاون الإستراتيجي وأن الرد على تخريب مفاعل نطنز قد حصل. وهذا ما يحرج رئيس الوزراء الإسرائيلي – الذي كان يتباهى بقصفه سورية بأكثر من الف غارة، وتالياً فإنه يدل على فشله بالوصول إلى أهدافه، بالإضافة إلى ذلك فأنه يؤشر إلى وهن القبة الحديد الإسرائيلية التي أظهرت عجزها خصوصاً إذا ما أطلقت صواريخ متعددة تفرض على دفاعاتها الجوية الطواف وتمنع عملية الإعتراض في أوقات الحرب المتعددة الجبهة أو حتى الجبهة المنفردة.
وإختارت أميركا الرواية “اللينة” بتبني قائد المنطقة الوسطى الجنرال فرانك ماكنزي ما قيل عن أنه “صاروخ تائه” بسبب “عدم الكفاءة السورية”، مضيفاً أن الحادث “لم يكن هجوماً متعمداً”. وهذا يدل أن أميركا لا تميل للإنجرار وراء الرد والرد المقابل بين إسرائيل وأعدائها خصوصاً أن نتنياهو هو المعتدي ويهاجم أهدافاً في سورية منذ أعوام وأن ضربة على يده مستحبة، وأن محاولته لإفساد التفاوض الأميركي – الإيراني ستفشل.
وتعتبر نظرية الجنرال ماكنزي، في رأي هذه الدوائر، مريحة لسورية أيضاً، والتي لم تقارن يوماً قدرتها العسكرية بتلك الإسرائيلية التي تنفق تل أبيب وواشنطن عليها عشرات المليارات من الدولارات سنوياً لتحديثها والحفاظ على تفوقها التجهيزي العسكري على جيوش الشرق الأوسط. دون أن تتمكن من فرض معادلة الردع طبعاً. ومع ذلك فأن هذه “المعركة بين الحروب” كانت كافية لضرب العنفوان الإسرائيلي وكي وعيه للبدء بالتفكير أن قرار الحرب مع سورية لن يكون نزهة.
وبهذا المعنى فإن جميع الأفرقاء أُسعدوا بالرواية الإسرائيلية – الأميركية الغامضة التفاصيل. إلا أن الحدث في حد ذاته أرعب إسرائيل وأميركا اللتان تريان أن مفاعل نووية صارت تحت مرمى الصواريخ وان “صاروخاً تائهاً” خرق معادلة الردع الإستراتيجي، وأن وقت دفع الفواتير سيكون غالياً ومكلفاً.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم