آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » أوكرانيا وتصدعات الموقف الأوروبي

أوكرانيا وتصدعات الموقف الأوروبي

كتب محمد خير الوادي

بعد انقضاء مائة يوم على الازمة الاوكرانية ، بدأت تظهرشقوق في الموقف الاوربي ، قد يؤثر توسعها سلبا على الجبهة الغربية المعادية لموسكو . ونلمس هذه التصدعات في امرين : الاول هو تردد بعض عواصم غرب اوربا في تقديم دعم كبير للجهد العسكري الاوكراني مع الاكثار- بالمقابل – من الحديث عن اهمية فتح المجال امام الخيار السياسي ، والامر الثاني هو تصاعد الخلافات بين دول الاتحاد الاوربي حول اقرار مزيد من العقوبات ضد موسكو . ونبدأ من تلكؤ بعض الدول الاوربية ، وعلى راسها المانيا ،في توريد الاسلحة الى الجيش الاوكراني . فرغم قرار البوندستاغ – البرلمان الالماني – في السماح للحكومة بارسال دبابات ومضادات جوية الى اوكرانيا ، ورغم المطالبات الشعبية والضغوط التي تمارسها واشنطن ، الا ان المستشار الالماني يتهرب – حتى الآن – من تنفيذ هذا القرار الذي اتخذ قبل عدة اسابيع .. فتارة يتذرع شولتس بعدم توفر العدد الكافي من العتاد العسكري ، وتارة اخرى يقول ان المصانع الالمانية شرعت في تصنيع المطلوب وهي بحاجة الى وقت طويل . وآخر حجة لجأ اليها شولتس لتسويغ مماطلته هذه ، اقتراحه باجراء عملية مقايضة مع اليونان وفق ما يلي : اثينا تقدم مائة عربة مصفحة سوفياتية قديمة الصنع الى اوكرانيا ، وبالمقابل سترسل برلين مائة دبابة المانية حديثة الى اثينا .وقد اثارهذا الاقتراح حفيظة بولندا التي اعلنت ، انها حصلت على وعد سابق مماثل من المانيا ، ولكن الجيش البولوني لم يحصل على اية دبابة المانية مقابل المئتي دبابة سوفياتية التي ارسلتها بولندا الى اوكرانيا ! وينتقد مسؤولون اوكران هذالموقف المتردد من جانب شولتز ، ويعزون ذلك الى ان الرئيس بوتين قد اثر على قياديين من حزب ميركل والحزب الحاكم الالماني الحالي ،عبر منحهم وظائف برواتب مغرية في موسسات طاقة روسية ، ويسوقون مثالا على ذلك المستشار السابق شرويدر والعديد من الوزراء والمسؤولين السابقين . وتنظر كييف كذلك بغضب الى المحادثات المتكررة التي يجريها كل من شولتز والرئيس الفرنسي ماكرون مع الرئيس بوتين ، وتعتبر ذلك طعنة غادرة في الظهر ! كما اثار تصريح ماكرون الذي اعلن فيه ان اوكرانيا ليست جاهزة لعضوية الاتحاد الاوربي ، وان انجاز ذلك سيتطلب عشرات السنين ، استهجان المسؤولين الاوكران وحنقهم . ولا يمكن التغاضي في هذا المجال عن ” المبادرة السلمية ” التي اطلقتها الخارجية الايطالية ، والتي تطالب بضرورة وقف القتال والشروع في محادثات طويلة الامد حول ” اراض مختلف عليها ” . ورغم دفن هذه المبادرة ، الا انها تشير الى وجود تيارات سياسية قوية في دول اوربا الغربية ، بدأت تبدي انزعاجها من استمرار الحرب ، وتنادي بالعودة الى الاستقرار الذي كان سائدا . وهناك سؤالان يُطرحان بهذا الخصوص ،اولهما: لماذا اتخذت دول اساسية في غرب اوربا مثل هذا الموقف المتردد ازاء الازمة الاوكرانية ؟ وثانيهما : ما هي حظوظ نجاح تلك التيارات المعارضة والتي بدأت تطفو على الساحة الاوربية ؟ هناك عدة اسباب للتردد الاوربي الغربي ازاء دعم اوكرانيا ، منها الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تتكبدها تلك الدول – لا سيما المانيا – جراء العقوبات على موسكو ، ومنها كذلك ، وجود نفوذ روسي قوي في صفوف حركات واحزاب كثيرة في دول غربي اوربا ، ومنها ايضا تنامي تيار في فرنسا والمانيا وايطاليا يعتقد ، ان خروج اوكرانيا قوية من الازمة الحالية ، سيهدد الوضع القيادي لكل من فرنسا والمانيا وربما ايطاليا في القارة الاوربية ، وان كيف باتت منافسا قويا يمتلك اوراق مؤثرة على اوربا .ولا يمكن اهمال سبب آخر لهذه التوجه هو، وجود تيارات سياسية في عدد من الاحزاب في اوربا الغربية ، معادية للولايات المتحدة . وينادي انصار هذه التيارات بضرورة ان تكون اوربا مستقلة في قرارتها السياسية والعسكرية عن امريكا . ويبدو ان الرئيس الفرنسي ماكرون يستسيغ هذا التوجه ، ولذلك يطالب بتأسيس قوات تدخل سريع اوربية ، ويسعى لتخلي اوربا عن مظلة الحماية الامريكية وانشاء مظلتها الخاصة .بالتأكيد ، هناك دوافع خاصة لماكرون من وراء هذا الطروحات ، منها ان فرنسا هي القوة النووية الوحيد في القارة الاوربية ، وانها لذلك ينبغي ان تتزعم دول القارة . ولن تكتمل صورة التراجعات التي تمت في مواقف الدول الاوربية دون الحديث عن الموقف الفاقع الذي يتخذه اوربان -رئيس وزراء هنغاريا . فهو من جهة يعتبر نفسه صديقا للرئيس بوتين ، ولكن في الوقت نفسه ، فان الحكومة الهنغارية التي يترأسها ، ايدت كل حزم العقوبات الست الى اقرها الاتحاد الاوربي ضد روسيا ـ باستثنا ء قطاعي النفط والغاز . وتعزي اوساط سياسية موقف اوربان هذا من الحظر النفطي الى وجود منافع شخصية ، اضافة الى سعيه المستمر لاقناع ناخبيه بانه يؤمن لهم الطاقة باسعار معقولة . واظن ان موسكو تدرك ذلك ، لذلك لم يتم استثاء هنغاريا من القرار الروسي الذي يعتبر دول الاتحاد الاوربي كلها غير صديقة . وسنحاول الان الايجابة على السؤال الثاني حول فرص نجاح تلك التصدعات التي تجري في الموقف الاوربي . هناك ثلاثة عوامل موضوعية لا بد من اخذها بعين الاعتبار يمكن ان تساعد في العثور على الجواب المناسب ، وهي : – ان معظم دول الاتحاد الاوربي ، لا سيما دول اوربا الشرقية ، تمنع المانيا وفرنسا وايطاليا من تمرير مبادرات لصالح روسيا في الاطار الاوربي .ولذلك آثرت روما تقديم مبادرتها السلمية مباشرة الى الامم المتحدة ، وليس الى الاتحاد الاوربي . – التأييد الشعبي الكاسح في دول اوربا كلها لاوكرانيا .ولا بد من الاشارة ، الى ان الاحزاب الحاكمة في كل من ايطاليا وفرنسا والمانيا مضطرة لمراعاة مزاج الناخبين للبقاء في السلطة . – الجهود الكبيرة التي بذلتها واشنطن خلال الشهور الماضية لتشكيل تحالف دولي معاد لروسيا .وفي واقع الامر ، فان واشنطن تمارس ضغوطا كبيرة لمنع حدوث تباينات جوهرية مع حلفائها الاوربيين . ثم ان التأثير العسكري لدول غرب اوربا على الازمة الاوكرانية لا يُذكر ،مقارنة بسيل الاسلحة الامريكية التي تتدفق على كييف ، لا سيما بعد اقرار قانون “لاند ليز” ،الذي يجيز اعارة وتأجير اسلحة فتاكة امريكية لاوكرانيا . وللتذكير فقط ، فان المساعدات المالية الامريكية المُقٌرة لكيف ستصل الى نحو ستين مليار دولار ، وهو مبلغ يفوق بعشرة اضعاف كل قيمة المساعدات التي قدمتها دول الاتحاد الاوربي لاوكرانيا . لهذه العوامل كلها ، فان تأثير الشقوق التي تحدثنا عنها والتي تظهر هنا وهناك في مواقف بعض دول الاتحاد الاوربي يبدو ضئيلا ، بسبب محدودية الدور الذي تمارسه دول في غربي اوربا في الازمة الاوكرانية .فضلا عن ذلك ، فان واشنطن المصممة على الاستمرار في سياستها المعادية لروسيا ، تعمل ليل نهار من اجل جسر الخلافات التي تظهر في المعسكر الغربي ازاء الصراع الاوكراني الروسي . وفي ضوء ذلك ، فان التعويل على ان تلك التصدعات ، يمكن ان تلعب دورا حاسما في نتائج المواجهات الدموية الجارية في اوكرانيا ،هو امل بعيد المنال في ظل وجود الهيمنة الامريكية في اوربا والناتو .

(سيرياهوم نيوز6-مركز آسيا والصين3-6-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

  مأمون فندي   كان من الممكن أن يكون العنوان عن السذاجة والدبلوماسية، أو يخفَّف ليكون «في البراءة والدبلوماسية»، وهو أمر لا يتعلق بفشل اتفاق ...