| فراس عزيز ديب
الخميس, 23-12-2021
ما إِن يطل شهرَ كانون الثاني حتى تعودَ إلينا شخصية «بابا نويل»، لتعيشَ بأدقِّ تفاصيلِ حياتنا حتى نهاية حفل رأس السنة. في سورية يبدو الوضع مختلفاً هذا مفهوم، لكن الوضع لم يكن كذلك قبل الحرب، حيث كان الكثير من الحارات يتزين بطريقةٍ تبدو فيها هذه المناسبة جامعة، لكنك إن سألت أي طفل ماذا يعني لك وجود بابا نويل فسيجيبك ببساطة اقتراب الاحتفال بميلاد السيد المسيح عليه السلام.
إن الصراع على يومِ الميلاد هو صراع ديني لن نخوضَ فيه، لكن ما يلفت النظر هو قدرة هذه الشخصية على اختصار عيد الميلاد بمعناه الديني إلى معناه التجاري. يعترف كبار السن في فرنسا مثلاً بأن شخصية سانتا كلوز طغت إلى حدّ بعيد على جوهر هذه المناسبة لدرجةٍ باتَ فيها الطفل ينظر بعين القداسة إلى «سانتاكلوز»، يدرك هؤلاء مثلاً أنهم عاشوا طفولتهم يحلمون بهدايا بابا نويل لكنهم في الوقت ذاته كانوا يدركون أن هناك رسالة روحانية حملها ميلاد رسول السلام.
بسياق هذا الصراع المجتمعي، نستطيع القول إنه وخارج الحادث الذي تعرض له تمثال بابانويل في مدينة ديجون الفرنسية عشيةَ الميلاد من العام 1951، لم يعرف العالم أي حدثٍ يستهدف هذه الشخصية كنوع من رد الاعتبار للمعنى الروحاني للميلاد، يومها حُكي عن دور لرجال الدين في تحريضِ الأطفال على حرق هذا التمثال لأنهم يرون أن الميلاد لا علاقةَ له بهذه الخزعبلات، لكن في الوقت ذاته هناك من اتهمهم بالتحريض على هذهِ الأعمال لأنهم يمقتون النظام العلماني للدولة.
تبدو وجهتا النظر على حق، فرجل الدين يتساءل كيف لطفل أن يصدق أن المسيح سيحمل له السلام إذا كان ممنوعاً رفع صليب أو صورة للسيد المسيح في المدارس، بينما هو مسموح لـ«سانتا كلوز»؟ الطرف الآخر يرى أن فكرة تعويم «سانتا كلوز» نجحت إلى حدٍّ بعيد بجعل هذه المناسبة عابرة للأديان، فمثلاً لا أحد يعرف متى يحتفل اليهود بعيد الفصح، أما رمضان فهو شهر غير قابل أن يكون عابراً للأديان يتشاركهُ الجميع، أما فكرة «سانتا كلوز» فهي بدت طاغية لدرجةٍ لا تستطيع فيها أن تميز هذا الرجل الذي يشتري الهدايا أو ذاك المنزل المزين بشجرة الميلاد.
دائماً ما يتم الربط بين مجازر ثقافية أو تراثية كهذه ومدحلة الليبرالية المتوحشة، لكن فكرة جعل الليبرالية أصل الشرور أو جعل بابا نويل ليبرالياً يبدو فيها نوع من التعمية، حتى استغلال فترة الأعياد وتحولها إلى سوقٍ تجاري كبير تبدو عادية، ألا تزدهر أسواق بيع الذبائح في عيد الأضحى؟
في الخلاصة لا يوجد في هذه الحياة ما هو إيجابي بالمطلق أو سلبي بالمطلق، على هذا الأساس دعونا نعترف أن تلك الشخصية الخرافية نجحت إلى حد بعيد بتوحيد العالم، هذا العالم الذي يراه كل منا على هواه، وحدهم أطفال هذا الشرق البائس لا يعرفون ماذا سيحمل لهم سانتا كلوز، مزيداً من الشعارات أم مزيداً من بيع الوهم؟ لا ندري، ما أدريه الآن هو شيء واحد فقط دعوني أُغمض عينيّ لتعود إليَّ صورةَ حي السريان في حلب كما تربينا أن يكون في عيد الميلاد.. وليذهب العالم إلى الجحيم.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)