بات الاستثمار في بعض جوانبه عاملآ مهددًا لهويتها البصرية والاجتماعية والاقتصادية:طرطوس… استثمارات بلا بوصلة أم فرصة لإعادة التوازن؟

*محمد صلاح الدين أبو عيسى

تُعدّ طرطوس إحدى أهم المدن السورية ذات الإمكانات السياحية والاقتصادية الفريدة، غير أن ما يشهده كورنيشها البحري من توسّع استثماري غير منظم يثير تساؤلات جوهرية حول جدوى هذه المشاريع وجدواها التنموي.
فبدل أن يكون الاستثمار أداة لتطوير الواجهة البحرية وتعزيز مكانة المدينة السياحية، بات في بعض جوانبه عاملًا مهددًا لهويتها البصرية والاجتماعية والاقتصادية.

الأثر الاقتصادي المباشر

الاستثمار الفوضوي، وإن كان يخلق أرباحًا آنية، إلا أنه على المدى المتوسط يؤدي إلى تراجع العائد السياحي العام، وانخفاض الطلب الداخلي والخارجي نتيجة فقدان التوازن العمراني والبيئي.
فحين يتحول الكورنيش من فضاء عام مفتوح إلى واجهات مغلقة ومتشابهة، تفقد المدينة عنصر الجذب الأساسي الذي يميزها ويمنحها خصوصيتها.
كما تؤدي هذه الفوضى إلى اختلال في السوق العقارية، وتراجع في فرص الاستثمار المستدام، وارتفاع تكاليف إعادة التنظيم لاحقًا، ما يمثل نزيفًا غير معلن للموارد المحلية.

*البعد الاجتماعي والثقافي

المشهد الساحلي ليس مجرد مساحة جغرافية، بل عنصر من الهوية الثقافية والعدالة الاجتماعية.
حجب البحر عن المواطنين يخلق فجوة بين المجتمع والإدارة المحلية، ويقوض الثقة العامة. المدن التي تحترم فضاءها العام تحترم ذاتها، أما التي تتركه للمصالح المؤقتة فتفقد تدريجيًا روحها.

مسؤوليات مؤجلة

تتحمل مجالس المدن ومديريات السياحة والثقافة المسؤولية المباشرة عن ضبط هذا الواقع، ليس بالمراقبة الشكلية، بل بإدارة رشيدة قائمة على التخطيط التشاركي والشفافية.
غياب التنسيق بين هذه الجهات ينعكس مباشرة على كفاءة القرار، ويضعف مناعة المدينة أمام الفوضى التنظيمية.
توصيات بناءة

1. إيقاف مؤقت لإصدار أي تراخيص جديدة على الواجهة البحرية، لحين إعداد تقييم اقتصادي وبيئي شامل.

2. تشكيل لجنة مهنية مستقلة تضم خبراء في الاقتصاد، السياحة، الثقافة، والتخطيط العمراني لدراسة الواقع ووضع رؤية متكاملة.

3. إعادة تأهيل الكورنيش البحري ضمن خطة وطنية تراعي التوازن بين الفضاء العام والاستثمار الخاص.

4. إقرار مبدأ “حق الوصول العام إلى البحر” كقاعدة تخطيطية ملزمة لأي مشروع مستقبلي.

5. إنشاء صندوق صيانة وتطوير الكورنيش تُموَّل موارده من عوائد الاستثمارات القائمة، لضمان استدامة المرافق العامة.

6. تعزيز الشفافية عبر نشر العقود والبيانات الاستثمارية بشكل دوري أمام المواطنين.

طرطوس اليوم أمام مفترق طرق تنموي: إما أن تستمر الاستثمارات بلا بوصلة فتخسر المدينة هويتها الاقتصادية والسياحية،
وإما أن يتحول هذا الواقع إلى فرصة لإعادة تنظيم شجاع ومسؤول يوازن بين التنمية والمصلحة العامة.

الإدارة الذكية ليست في منح التراخيص، بل في رسم الرؤية التي تجعل من كل مشروع لبنة في بناء مدينة متكاملة، لا عبئًا إضافيًا على مستقبلها.

*الكاتب:اقتصادي وأكاديمي
وباحث في اقتصاديات التنمية .

(أخبار سوريا الوطن-2)