الرئيسية » إقتصاد و صناعة » باحث اقتصادي يقترح معالجة المشكلات الاقتصادية بأدوات واقعية مرنة.. تسريع دوران العجلة الاقتصادية عبر زيادة الدخل

باحث اقتصادي يقترح معالجة المشكلات الاقتصادية بأدوات واقعية مرنة.. تسريع دوران العجلة الاقتصادية عبر زيادة الدخل

تشرين- هناء غانم:

رأى الباحث وأستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور رسلان خضور، أن ما حدث مؤخراً من تطورات ليس انفتاحاً اقتصادياً، بل هو انفتاح سياسي ومن المفترض أن ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي بفترة قريبة لاسيما مع دول الخليج التي هي تاريخياً سوق مهمة لسورية .
خضور أكد في حديثه لـ«تشرين» أنه حتى نكون موضوعيين يجب أن نعلم أن الانفتاح السياسي يترتب عليه الكثير من التبعات لينعكس على الوضع الاقتصادي، لافتاً إلى أننا بحاجة إلى إجراءات يجب القيام بها وتتضمن تسهيلات واضحة وصريحة للاستثمار في السوق السورية، والأهم وضع بعض المشروعات الجاهزة ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية ضمن حركة منظمة نوضح فيها ماذا تحتاج السوق السورية من مشروعات، وبالتالي المستثمر يدرس السوق والقدرة الشرائية والطلب وغيرها.

إعادة بناء الثقة
وعن الوضع الاقتصادي للمواطن السوري بين خضور أن الاقتصاد السوري يواجه أنواعاً مختلفة من التحديات بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب التي يمكن أن تُفضي إلى أزمات وكوارث كبرى، إذا لم تُعالج بشكل منهجي ومبرمج، ولعل أهم تلك التحديات، بل التحدي الأخطر الذي يواجه الاقتصاد والمجتمع السوري حالياً، وفي مرحلة ما بعد الحرب، هو التفاوت الصارخ في الدخل – حيث إنَّ هذا التفاوت الكبير، هو أحد أهم الأسباب التي تجعل المواطنين أقل ثقة، وأن إحدى قنوات إعادة بناء الثقة هي الإنصاف في توزيع الدخول ­ إذ أدّت الحرب والحصار والإجراءات القسرية الأحادية الجانب إلى تزايد نسبة الفقر وتراجع حجم الطبقة الوسطى في سورية، لكن ليست الحرب وحدها السبب في ذلك، بل يكمن السبب في التوزيع، وفي كيفية استخدام ما هو متاح من موارد، مؤكداً أن المشكلة في توزيع الناتج المحلي الإجمالي ما بين الأرباح والأجور، وهناك تفاوت كبير في الدخل رغم قلته هناك فئة تستولي على القسم الأعظم، وهي إما تورده إلى الخارج أو تدخره ولا تستهلكه وهذا يحتاج إلى نوع من الإنصاف والعدالة بتوزيع الدخل.

خضور: القول بأنه لا توجد موارد لزيادة الرواتب والأجور بحاجة إلى إعادة نظر!!

مبيناً أن حصة الرواتب والأجور المتدنية بالناتج المحلي الإجمالي تتطلب تعديل السياسات المالية والنقدية ومشكلة توزيع الثروات، وفي السياسة الضريبية تخفيضها بشكل عام على الرواتب والأجور، والعمل على إصدار قرار زيادة الرواتب حيث لا نطلب أن يتناسب مع المستوى المعيشي لأن ذلك يحتاج إلى أرقام كبيرة.

المشكلة ليست بالموارد
وذكر خضور أن هناك شرائح عملت بتوازن بالرواتب فقط بالنسبة للعاملين في القطاع العام وهم نسبة ليست بقليلة أي أكثر من 1.2 مليون موظف أي من 3 إلى ٥ ملايين أسرة تقريباً.
مبيناً أن القول بعدم وجود موارد لزيادة الرواتب والأجور أقل ما يقال عنه إنه غير دقيق، فليست المشكلة في الموارد، بل المشكلة في كيفية توزيع الناتج المحلي والدخل القومي بين دخول العمل من جهة ودخول رأس المال (الأرباح، الفوائد، الإيجارات)، من جهة ثانية لنأخذ مثالاً توضيحيّاً وفق الآتي: سنفترض بكل بساطة أن سلعة ما، كان ثمنها 1000 ليرة سورية في عام 2010، وأصبح ثمنها الآن 100000 ليرة سورية، ماذا يمثل سعر السلعة المدفوع البالغ 1000 ليرة؟ عملياً يمثل ما يُدفع لمن أسهم في إنتاج هذه السلعة، أي الأجور والأرباح والفوائد والإيجارات والريوع. قبل الحرب كانت حصة الرواتب والأجور بحدود 300 ليرة من قيمة السلعة، (30% وهذه نسبة متدنية بالأساس)، والباقي يتوزع بين الأرباح والفوائد والأجور والريوع، وفي عام 2018 السلعة نفسها التي أصبح سعرها 10000 ليرة سورية يحصل العاملون بأجر من قيمتها على 20% كحدٍّ أقصى، أي ما يعادل 2000 ليرة، وتذهب الـ 8000 ليرة كأرباح وفوائد وإيجارات وريوع.
هذا يعني أن الحصة الحقيقية للعاملين بأجر من الناتج المحلي قد انخفضت بمقدار 50% وزادت بالمقابل حصة الأرباح والريوع، فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 بحدود 60 مليار دولار (ما يعادل 2835 مليار ليرة سورية – على أساس سعر صرف 47 ليرة للدولار)، فإن حصة الرواتب والأجور كانت بحدود 18 مليار دولار (ما يعادل 851 مليار ليرة سورية)، وحصة الأرباح وبقية مكونات الدخل بحدود 42 مليار دولار (ما يعادل 1974 مليار ليرة).

وإذا كان الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 يعادل 60% من ناتج 2010، أي بحدود 36 مليار دولار، فإن حصة الرواتب والأجور هي بحدود 7 مليارات دولار (ما يعادل 3240 مليار ليرة – على أساس سعر صرف 450 ليرة للدولار)، وحصة الربح وبقية مكونات الدخل هي 28.8 مليار دولار ( 12960 مليار ليرة). وإذا كانت حصة الأجور من دخل قومي تبلغ 16.000 مليار ليرة، هو 20% مثلاً، فهذا يعني أنَّ العاملين بأجر يحصلون على قوة شرائية تبلغ 3200 مليار ليرة، وتذهب 12800 مليار كأرباح وإيجارات وريوع وفوائد.

التفاوت الحاد في توزيع الدخل خطر على الاقتصاد الوطني

أما اليوم فحدّث ولا حرج لأن ارتفاع الأسعار وتدني الأجور أصبح خارج المعدلات الاقتصادية، إذاً المشكلة هي ليست فقط مشكلة انخفاض الدخل القومي طوال سنوات الحرب، بل يكمن الجزء الأكبر من المشكلة في كيفية توزيعه، ومن يحصل بغير وجه حق على الحصة الأكبر.
إنَّ الخلل اللاحق بالعاملين بأجر هي ليس خللاً يربك هؤلاء فقط، بل إرباك للنمو الاقتصادي في الأمدين المتوسط والطويل، وللمجتمع التكافلي وعلى رأس المال الاجتماعي، وعلى أمن المجتمع السوري، فخفض الأجور لن يؤدي إلى المزيد من الرفاهية بالتأكيد، بل إلى المزيد من البؤس للأغلبية العظمى من السكان، إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض الأجور لم يعد ميزة جاذبة للاستثمار في زمن التطور التكنولوجي السريع، فانخفاض الأجور إلى مستويات متدنية يعني كفاءة أقل ومهارات أقل وإنتاجية أقل، وبالتالي يعني أرباحاً أقل في الأمدين المتوسط والطويل على المستوى الجزئي، ومعدلات نمو أقل على مستوى الاقتصاد الكلي.

إجراءات وسياسات
وأشار خضور إلى أن هناك إجراءات وسياسات على الأمد القصير والأمدين المتوسط والطويل يجب العمل عليها وتتطلب المزيد من التركيز والتطوير لتلك الإجراءات التي يُعمل عليها، كما تتطلب برامج ومشروعات إضافية يمكن العمل عليها ضمن سياسات متوسطة وبعيدة المدى.
ورغم أنَّ عملية الحدّ من التفاوت في التوزيع عملية صعبة لا يستهان بها، إلا أنه لم يعد تجاهل مشكلة التفاوت في توزيع الثروات والدخول خياراً ممكناً بعد الآن، والسؤال لم يعد هل؟ بل كيف؟ نحن ذاهبون إلى مشكلة أكبر إذا تأخرنا أكثر في اتخاذ إجراءات قصيرة الأجل، ووضع سياسات متوسطة وبعيدة الأمد للحد من حدة التفاوت.
ومعروف أن التفاوت في التوزيع، في جانب منه، ناجم عن تضارب المصالح الفردية لأفراد المجتمع، ومن مصلحة الدولة ومن مهام مؤسسات الدولة التوفيق بين المصالح الفردية ومصالح الجماعات المتناقضة والتحكم للحفاظ على الدولة ونظامها العام، والعمل وفق مبدأ تقارب المصالح، بدلاً من تضارب المصالح.
وتتوجه السياسات عادة إلى غايات متوسطة وبعيدة الأمد وليس إلى شواغل قصيرة الأجل، نحتاج إلى خمسين خطوة صغيرة فقط للوصول إلى توزيع أكثر إنصافاً للثروات والدخول، بحيث يستطيع الاقتصاد السوري تحقيق إمكانياته الحقيقية.
ويمكن أن تشكل عملية الحدّ من التفاوت في اتوزيع الدخل أحد مداخل معالجة الركود التضخمي، الذي يعاني منه الاقتصاد السوري، إذ يُعد التفاوت المفرط في توزيع الثروات والدخول من أهم أسباب الركود التضخمي، إلى جانب سطوة وسيطرة الاحتكارات لأن المشكلات الاقتصادية لا تكمن في العوامل الاقتصادية فقط، ولا يمكن حل المشكلات الاقتصادية بإجراءات اقتصادية فقط، وإنما تلعب البنية المؤسسية دوراً مهماً في تبني السياسات وتنفيذ البرامج والإجراءات التي تساهم في الحد من التفاوت.
وننطلق كما أسلفنا من أن مشكلتنا ليست فقط مشكلة تراجع في الإنتاج في زمن الحرب أو ندرة في الموارد على مستوى الاقتصاد الوطني، بقدر ما هي مشكلة الإنصاف في توزيع الموارد والإيرادات.
إيجاد فرص عمل
وحسب خضور إذا كنا مقبلين على بداية مرحلة التعافي ما بعد الحرب، يمكن أن يكون أحد الأهداف الرئيسة للمرحلة هو إيجاد فرص عمل، فالتعافي الذي لا يترافق بزيادة كبيرة في فرص العمل سيزيد التفاوت سوءاً، ويضعف الأداء الاقتصادي ويزعزع التجانس الاجتماعي. ويمكن أن يؤدي النمو إلى الحدِّ من الفقر، لكن ليس بالضرورة أن يؤدي النمو إلى تخفيض الفقر بشكل تلقائي، وليس بالضرورة أن يؤدي النمو إلى الحد من التفاوت في توزيع الثروات والدخول، لذلك لابد من التدخل الحكومي لتوسيع نطاق الفرص الاقتصادية للشرائح المنخفضة الدخل.
كما يمكن أن تؤدي السياسات التي تركز على الإنصاف في التوزيع إلى نمو أقل من تلك السياسات التي تركز على توسيع نطاق الفرص الاقتصادية للشرائح الفقيرة، لكن السياسات التي تركز على التوزيع تقلل من الفقر في الأمد القصير، في حين أن السياسات التي تعزز الفرص أمام الفقراء لا تؤدي إلى تقليل الفقر بشكل سريع، كما هي حال التركيز على التوزيع، وإنما تؤدي إلى نمو أسرع وفقر أقل وتفاوت أقل في التوزيع في الأمدين المتوسط والطويل.

معالجة الفساد والتوزيع المنصف والعادل للدخول

والثروات جزء من استراتيجية مكافحة الفقر في سورية

ويمكن أن نفهم أن عملية معالجة الفساد وعملية التوزيع المنصف والعادل للدخول والثروات كجزء من استراتيجية مكافحة الفقر في سورية، إذ إنَّ قسماً كبيراً ممن يعيشون في الفقر هم ضحايا الخلل البنيوي في إدارة الموارد، فالفساد يؤدي إلى تدني جودة استثمارات البنية التحتية وتدني جودة الخدمات العامة (التعليمية والصحية…) وهذا يؤثر سلباً في مستوى معيشة هؤلاء الناس. وما دمنا نتحدث عن الإنصاف، فالإنصاف يعني أيضاً إتاحة الفرص للوصول إلى الإنتاج والاستيراد للجميع، وهذا يتطلب تفكيك سطوة الاحتكارات وسيطرتها على إنتاج واستيراد العديد من السلع والخدمات الأساسية، مبيناً أن الطلب المحلي يقود النمو عندما نُخطئ في تشخيص الواقع، وعلى الأرجح لا تنفع وصفات العلاج في حل مشكلاتنا، مؤكداً أن انتعاش النشاط الاقتصادي مرهون بانتعاش الطلب الكلي، وانتعاش الطلب الكلي مرهون، في جزء كبير منه، بالإنصاف في التوزيع. نحن نسير كقطار يتجه نحو الهاوية، وبالتالي ليس أمامنا سوى الكوابح لوقف الانهيار، وتتمثل الكوابح في حزمة من السياسات والإجراءات. ولا يمكن أن يحافظ الاقتصاد السوري على توازنه، إلا إذا كان هناك طلب قادر على استيعاب السلع والخدمات المُنتَجة، وهذا يتطلب، بالدرجة الأولى، نمو الطلب المحلي بنسب مناظرة لنمو الإنتاج، وهذا لن يحدث إذا لم يكن هناك إنصافٌ في توزيع الدخول، والإنصاف في توزيع الدخول يعني زيادة نسبة الرواتب والأجور من الدخل القومي، في مرحلة متوسطة وطويلة الأجل تصل إلى الحدود الدنيا من متوسط النسب العالمية، على الأقل إعادة التوزيع من أعلى إلى أسفل ومن رأس المال إلى العمل عبر قنوات إعادة التوزيع الذي أصبح أمراً لا مناص منه ليس لأسباب اجتماعية فقط، بل لأسباب اقتصادية بحتة (وهي ربما الأهم)، لأن انخفاض حصة الأجور من الدخل القومي السوري يعني انخفاض القدرة الشرائية على استيعاب النمو المتزايد من الإنتاج، فالتفاوت الحاد في التوزيع هو خطر على الاقتصاد نفسه قبل أن يكون خطراً على المستوى الاجتماعي. فنمو الأرباح متوقف على بيع كميات أكبر من السلع والخدمات إلى أعداد أكبر من المستهلكين الذين يملكون قوة شرائية. لا يمكن للشركات أن تزيد من أرباحها بشكل مستدام، ومن دون كوارث وأزمات على مستوى الشركات وعلى المستوى الوطني، إذا لم يكن هناك طلب محلي بالدرجة الأولى على منتجاتها، وهذا الطلب لا بد من أن يستند إلى قوة شرائية والقوة الشرائية تتراجع في ظل هذا التفاوت الصارخ في توزيع الثروات والدخول. ولا يمكن للنشاطات الاقتصادية أن تنتعش ما لم يُحفز الطلب المحلي، وتصحيح المسار لن يحدث بالتأكيد من تلقاء ذاته. ويمكن أن نلف وندور حول هذه المشكلة إلى حين، وبعد حين لا مجال للف ولا للدوران. إذا كانت تنافسيّة الصادرات ونسبة القيمة المضافة فيها محدودتين، وإذا كان التفاوت الكبير في التوزيع سبباً في تراجع الطلب المحلي، ما الحل؟ وكيف يمكننا تحقيق نمو يقوده الطلب المحلي وليس الصادرات؟ إذا كان هدف النمو هو تحسين مستوى المعيشة للأكثرية، وليس للأقلية فقط، ولكي تتحقق استدامة النمو يمكن للحكومات المتعاقبة أن تجعل النمو احتوائياً، أي تستفيد منه الأغلبية العظمى من السكان. وهذا يتم بزيادة معدلات استهلاك الأسر المعيشية، لأن الاستهلاك هو المحرك الأساس للنمو القابل للاستمرار.

 

سيرياهوم نيوز3 – تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

سعر غرام الذهب يرتفع محلياً 22 ألف ليرة

    ارتفع سعر الذهب في السوق المحلية اليوم 22 ألف ليرة سورية للغرام الواحد ‏عيار 21 قيراطاً عن السعر الذي سجله أول أمس.   ...