عزيز موسى
تسعى الصين لتوسيع دائرة نفوذها في مناطق متعددة من العالم، في ظل احتدام المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ استطاعت من خلال تفكيرها الاستراتيجي والديناميكي أن تحقق سبقاً في القارة الإفريقية بالاستحواذ على أكبر المشاريع الاقتصادية الحيوية التي تقدر بمئات مليارات الدولارات، وذلك على حساب الغرب، لتتجه لاحقاً نحو الشرق الأوسط الذي يعتبر منطقة نفوذ أمريكية “تقليدية” طوال عقود، لما يمثله من بعد أمني واقتصادي هام على صعيد العالم، ونظراً لأهميته الجيوسياسية في ” استراتيجية الحزام والطريق”.
نجحت الصين بتحقيق وساطة بين فاعلين إقليميين كان يجمع بينهما العداء والمنافسة طوال سنوات طويلة ( إيران والسعودية)، وذلك باستخدام مبدأ الوساطة القائم على التركيز على النقاط المشتركة، حيث جاء إعلان الاتفاق الإيراني- السعودي بمثابة مفاجأة غير متوقعة للعديد من الأطراف، إذ عملت الصين بالتركيز خلال وساطتها على البعدين الأمني والاقتصادي والمنفعة المشتركة بين الطرفين بما يخدم مصلحتها، فهذا التقارب وما نتج عنه بالبيان المشترك للدولتين مؤخراً من بكين، والذي يقضي بإعداد الترتيبات لفتح سفارتي البلدين، واستئناف الرحلات الجوية والاتفاقات الأمنية والاقتصادية، يخدم الصين على صعيد إرساء الاستقرار في المنطقة من جهة، وتحجيم الدور الأمريكي من جهة أخرى، وهذا ما أكده مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز بحسب ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” في زيارته الأخيرة منذ أيام للسعودية، بأن الاتفاق مع إيران شكّل “صدمة” للإدارة الأمريكية، وبالتهديد بأن السعودية تعمل على التقارب مع دول ما زالت تخضع للعقوبات الأمريكية هي إيران وسورية، وخاصة في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة لحساب قوى أخرى فاعلة.
من جهة أخرى تدرك الولايات المتحدة مدى قوة الصين ونفوذها المتصاعد في العالم، ولعل ما حصل منذ أيام باتخاذ قرار من قبل منظمة (أوبك+) بتخفيض إنتاج النفط يوجه ضربة تحت الحزام ” للمصداقية الأمريكية” وفقاً لصحيفة غلوبال تايمز، هذا التخفيض الذي أعلن عنه من قبل (أبك+) أظهر مدى تراجع الهيمنة الأمريكية في التلاعب بالقرارات السياسية الهامة بالنسبة للدول على الرغم من امتلاكها أدوات جيوسياسية قوية، إذ أكد لي هايدونغ الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الصين للشؤون الخارجية: أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام مختلف أنواع الأزمات والصراعات والابتزاز بهدف تحقيق ما تريد في قطاع الطاقة، الذي بات يشكل ضغطاً كبيراً عليها، وهذا يشير إلى أن قرار تخفيض الإنتاج يبعث برسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد مهيمنة على قرارات الطاقة في منطقة الخليج.
ويبدو نجاح الصين واضحاً أيضاً من خلال المشاريع الاستثمارية المشتركة مع السعودية، انطلاقاً من إنشاء قطار سريع يضل بين مكة والمدينة المنورة، والذي ينقل 60 مليون مسافر سنوياً، وصولاً إلى التشارك في مشروع مدينة ( نيوم ) العملاق في السعودية بقيمة 500 مليار دولار، إضافة لإنشاء صندوق استثماري من قبل الصين بقيمة 20 مليار دولار لربط رؤية السعودية 2030 بمبادرة الحزام والطرق الصينية.
تُدرك الصين مدى أهمية منطقة الشرق الأوسط في استراتيجيتها لإنهاء الهيمنة الأمريكية والتحول نحو عالم متعدد القطبية، كمدخل هام لإعادة توزيع توازن القوى العالمي، كذلك باعتبار هذه المنطقة جزءاً أساسياً من مشروع الصين الاقتصادي العالمي، وحجم الإمكانات المادية والبشرية المتواجدة في المنطقة وما قد تساهم به على صعيد دعم المشروع الصيني، وهذا سيؤدي بما لا يدعو للشك لقيام الولايات المتحدة بتقويض هذا النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم