كتب محمد خير الوادي :
من يقرأ التصريحات والاراء الصادرة عن بعض المسؤولين العرب حول نتائج زيارة بايدن الى المنطقة ، يصاب بالحيرة فعلا . فهؤلاء يقولون ، ان بايدن جاء مستجديا الزعماء العرب ، وانه اخفق في تحقيق ما يريد من زيارته الشرق اوسطية ، وعجز عن تعزيز النفوذ الامريكي في المنطقة . ويسوق هؤلاء ادلة “قاطعة ” على هذا الاخفاق ، تتمثل في المحصلة ” الهزيلة” لزيارته ،والاستقبال الفاتر الذي حظي به في السعودية ، والفشل الذي حل بخطته خطة لانشاء ما يسمى ” بالناتو الاقليمي “! واعتقد ، ان الغاية من هذه الزوبعة الكلامية المصطنعة ، هي ذر الرماد في العيون عبر اقناعنا ،ان الجانب العربي قد حقق “انتصارا” هائلا على امريكا ورفض املاءاتها ، ومرغ انف رئيسها بالتراب ، وان الفضل في ذلك يعود لبعض قادتنا الاشاوس! كنت اتمنى لو حصل ذلك فعلا لا قولا ، وان تصاب السياسة الامريكية بمزيد من الهزائم ، لأن هذا يخدم القضايا العربية . ولكن الواقع يشير الى أمر آخر . لا أود – بهذا الخصوص- الدخول في جدل مع اصحاب هذه التصريحات او السعي لاقناعهم بمواقف مغايرة . و لذلك ،سافسح المجال للوقائع فقط كي تتحدث عن نفسها ، واترك الحكم للقاريء الكريم . والآن الى صلب الموضوع . هناك عدة محطات في زيارة بايدن : الاسرائيلية والسعودية والقمة الخليجية والعربية . وقد صدرت عن هذه المحطات بيانات رسمية تلزم الاطرافف التي تبنتها . وابدأ ” ببيان القدس” الذي وقع عليه بايدن ورئيس الوزراء الاسرئيلي .تضمن البيان تعهدا امريكا صريحا لا يقبل اللبس او التأويل ،بحماية اسرائيل وضمان تفوقها العسكري ومواجهة ايران ،والسعي لتسهيل اندماج تل ابيب بالمنطقة العربية.وشاهدنا كيف عبر بايدن ،في محطته الاسرائيلية ، عن مشاعره الحارة والصادقة تجاه ” الدولة اليهودية ” ،واعتزازه بكونه صهيونيا رغم انه غير يهودي ، وبانه الرئيس الامريكي الوحيد الذي زار اسرائيل عشر مرات . وبالمناسبة ، فان بايدن لا يفاخر فقط بصهيونيته ، بل يبرز دائما ارتباطه الاسروي باليهود .فابنه متزوج من يهودية وزوج ابنته يهودي .كما اقدم الرئيس الامريكي على لفتة مهمة عندما استغل استعراضه لأحدث انظمة الدفاع الجوي الاسرائيلية ، من اجل الاشادة بالتقدم في اسرائيل والترويج لقوتها . ولا ادري لماذا تفوت هذه التفصيلات الخطيرة المتعلقة بالمحطة الاسرائيلية “معظم المسؤولين العرب الذين يتحدثون عن اخفاق الزيارة ، والتي ادت الى توفير مزيد من مواطن القوة لاسرائيل .وهذا نجاح للسياستين الامريكية والاسرائيلية واخفاق للجانب العربي . وامضي قدما في ايراد الوقائع المتعلقة بمحطة بايدن السعودية . تم التركيز بهذا الخصوص من قبل عدد من الجهات على غياب قادة المملكة عن استقبال بايدن في المطار ، وفُسٌر ذلك على انه استخفاف سعودي مقصود بمقام الرئيس الامريكي .واللافت في الامر ، انه جرى التغاضي عمدا لدى الحديث عن ” اخفاق الزيارة ” عن مضمون البيان المشترك الامريكي السعودي المطول ، والذي يؤسس لقفزة نوعية جديدة في العلاقات بين البلدين ، ولفتوا الاهتمام فقط الى رفض السعودية المزعوم تلبية رغبة الرئيس الامريكي في زيادة انتاج النفط . فيما يتعلق بالشكليات البروتوكولية . اعرف – من خلال تجربتي – ، ان زيارة الرئيس – اي رئيس – يسبقها عمل تحضيري كبير ، يتم خلاله الاتفاق على كل تفصيل ، مهما صغر. ومن الثابت ،ان الجانبين الامريكي والسعودي، قد اتفقا مسبقا على التفصيلات المتعلقة بالزيارة .ولذلك ، فان القول ان القيادة السعودية تعمدت عدم الحضور الى المطار ، هو امر غير واقعي . هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فان دراسة مـتأنية لمضمون البيان المشترك الصادر عن زيارة بايدن الى السعودية ، تشير الى انطلاقة نوعية ومتميزة في العلاقات الامريكية – السعودية .، فقد اكدت واشنطن تصميمها على مساندة السعودية ودعم قدراتها الدفاعية باحدث الاسلحة ، ويتشارك الطرفان في موقفهما المعا دي للنووي الايراني . ورحبت امريكا بانفتاح السعودية على العراق ، وبتمديد وقف اطلاق النار في اليمن واطلاق العملية السلمية هناك ، كما اكدت الولايات المتحدة رغبتها المشاركة في تحقيق رؤية ولي العهد السعودي التنموية لعام 2030 . وبهذا الخصوص ، وقع الجانبان 18 اتفاقية للتعاون في مختلف المجالات . وفيما يتعلق بزيادة انتاج النفط ،لم ترفض السعودية هذا الامرمن حيث المبدأ، وانما قالت ان امكاناتها لا تتيح لها زيادة الانتاج اكثر من 13 مليون برميل في اليوم ، علما ان انتاجها الحالي يقدر بنحو 11 مليون برميل ، وهذا يعني ان هناك امكانية لزيادة مليوني برميل يوميا ستتم بشكل تدريجي . وفي الوقت نفسه ، لبت الرياض رغبة الرئيس بايدن في فتح مجالها الجوي امام الطائرات الاسرائيلية ، وكان بايدن اول من دشن هذا الامر . ولاستكمال الصورة ، لا بد من التوقف عند المقالة التي كتبتها السفيرة السعودية في صحيفة بوليتيكو الامريكية قبيل توجه بايدن الى السعودية ،والتي جاء فيها ،: “ان العلاقات مع امريكا تدخل مرحلة جديدة ، فقد ولت منذ زمن طويل الأيام التي كان يمكن فيها تحديد العلاقة الأمريكية السعودية من خلال نموذج ’النفط مقابل الأمن‘ الذي عفا عليه الزمن.. لقد تغير العالم ولا يمكن حل المخاطر الوجودية التي تواجهنا جميعًا دون تحالف أمريكي سعودي فعال” . واضافت السفيرة : ” ان التعاون مع امريكا هو جزء من المستقبل للسعودية “. وبطبيعة الحال ، فان السفيرة لم تكتب هذه المقالة دون موافقة ولي العهد السعودي على مضمونها . بعد هذا كله ، هل يمكن القول ، ان بايدن قد اخفق في السعودية ، وان الخلافات لا تزال تتحكم بنظرة قادة البلدين الى العلاقات الثنائية ؟ مرة اخرى اترك الحكم للقراء الكرام . اما فيما يخص المحطة الخليجية من الزيارة ،فقد تضمن البيان المشترك عن لقاءات بايدن بقادة دول الخليج الستة ، التزام امريكا بحماية هذه المنطقة وتعزيز قدرات الدول الخليجية الدفاعية من اجل التصدي لما اسماه الخطر الايراني .وبهذه المناسبة اتفقت دول الخليج وامريكا على احداث اطار للتكامل في مجال الدفاع الجوي ونظم الإنذار المبكر وتبادل المعلومات. ولتحقيق هذا الهدف تم انشاء قوة المهام المشتركة 153 و 59 بين دول الخليج والولايات المتحدة. كما اتفق الجانبان على استمرار عقد القمم الخليجية الأمريكية سنويا. اما حول القول ، ان بايدن قد اخفق في دفع الامور باتجاه اعلان تحالف اسرائيلي عربي ضد ايران ،تحت مسمى الناتو في الشرق الاوسط، فانني اشير الى ان التعاون الامني الاسرائيلي مع ستة من دول التطبيع العربية وبرعاية وتشجيع امريكيين ، يسير على قدم وساق . فالموساد اقام عدة محطات رسمية له في بعض الدول العربية ، ووزير الدفاع الاسرائيلي يجول على تلك الدول ، والمباحثات مستمرة لنصب انظمة صواريخ اسرائيليىة في مناطق عربية موجهة ضد ايران ، ورئيس الاركان الاسرائيلي سيزور عدة دول عربية لتنسيق الجهود العسكرية ، وهناك مباحثات مستمرة للتعاون العسكري بين اسرائيل وعدد من الدول العربية . بكلمات ، أخرى فان الناتو الشرق اوسطي يُبنى الآن بعيدا عن الانظار ، واجراءات انشائه متواصلة. صحيح ، ان موضوع اعلان الحلف رسميا لم يطرح في قمة بايدن مع عدد من قادة الدول العربية دفعا للاحراج ، لكن اجراءات اقامة هذا الحلف تسيرفي الواقع بوتائر كبيرة . قناعتي أن زيارة بايدن ، عززت العلاقات الخليجية الامريكية ، وفتحت أفاقا جديدة امام تطور التعاون السعودي الامريكي ، حيث وضع الطرفان خلافاتهما جانبا ، وركزا على المصالح المشتركة بينهما . والاهم من ذلك كله ، ان الزيارة ، قد طوت فترة التراجع الامريكي في الشرق الاوسط وهيأت التربة المناسبة لعودة امريكية قوية . ومفيد ايراد كلمات الرئيس الامريكي الذي قال : “ان بلاده لن تترك الشرق الاوسط ، ولن تسمح لكل من الصين وروسيا وايران بمليء الفراغ هناك “. اردت من هذه المقالة ، تصحيح بعض الانطباعات حول نتائج زيارة بايدن ، لان البناء على ادعاء اخفاق الزيارة واندحار امريكا وتراجعها ، يمكن ان يفضي الى مزيد من خلط الامور والبلبلة ، ويخلق اوهام حول انتصارات مزعومة ،تضعف العزائم وتشتت القدرات العربية ، وتحرف الوعي العربي عن مصادر الخطر الاساسية ، وتُلبس اسرائيل المدعومة امريكيا لبوس الصديق ، وتدخلها في نسيج المنطقة . وهنا مكمن الخطر الحقيقي . واختم بالقول : يحلو لبعض العرب أطلاق وصف ” النائم والخاسر ” على بايدن . وانا اسأل بدوري هل تنطبق هذه الاوصاف على الرئيس الامريكي ، لا سيما بعد زيارته الى المنطقة ؟ ام هناك من هو اجدر منه لحمل هذا اللقب من القادة العرب ،الذين لا هم لهم ، سوى التشبث بكرسي الحكم ، وبث الاوهام حول امجاد وانتصارات شخصية زائفة ؟
(سيرياهوم نيوز1-مركز آسيا والصين19-7-2022)