في انتظار المناظرة الثانية، والأخيرة، التي ستجمع الرئيسَين الحالي والسابق، جو بايدن ودونالد ترامب، في العاشر من أيلول المقبل – في ما لو استمرّ بايدن على موقفه في الترشّح -، لا يزال الجدل حول مفاعيل المناظرة الأولى قائماً، بفعل الأداء السيئ للرئيس، وإصراره على أن ليلةً واحدة لا يمكن أن تمحو «تعب» ثلاث سنوات ونصف سنة، من تولّيه المنصب الأول في هرم السلطة. وإذا كانت جُلّ استطلاعات الرأي تشير إلى صعوبة تحقيق بايدن انتصاراً على خصمه، إلا أن الرجل لا يزال مصرّاً على أنه الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة بالمرشّح الجمهوري، كما حصل في «رئاسيات 2020»، متجاهلاً، على عادته، التحوّلات الكبيرة التي شهدها العالم في ولايته الأولى، والتي لا يمكن، بطبيعة الحال، فصلها عن مسار انحداره الشخصي، والذي جاءت المناظرة باعتبارها القطرة التي أفاضت الكأس، لتعمّقه أكثر. وهكذا، يصبح «غرور» بايدن، كما أشار إليه ترامب، حاكماً في سياق السباق الرئاسي؛ فهو لا يريد أن ينسحب لمصلحة مرشح آخر ربّما تكون حظوظه أعلى، كما أنه لا يصدّق أن خسارته ممكنة، لأنه هو نفسه هزم الرئيس السابق قبل أربع سنوات.ولمّا كان السباق إلى الولاية الأولى يتمحور حول القطيعة مع سياسات ترامب وإرثه، إلا أن الحال تغيّر كثيراً في الأعوام التي مضت، وليس أدلّ على ذلك من مواقف بايدن إزاء حرب أوكرانيا، والدور الذي لعبته بلاده في الحرب على غزة، في ما يمثّل تجسيداً عمليّاً للنزعة «الريادة» التي شكّلت الوعي السياسي للرجل، منذ أن كان عضواً في الكونغرس، قبل أن يتدرّج في المناصب، وصولاً إلى تبوئه سدّة الرئاسة. على أن عدداً من أقطاب الحزب الديموقراطي باتوا يرون أن ترشيح زعيمهم لم يَعُد قابلاً للاستمرار، وسط مخاطر تتهدّد حظوظهم – بسبب تعنّته – حتى في حال رشّحوا اسماً آخر، فضلاً عن شكاوى الناخبين التي بدأت تطفو على السطح، من عزم الرئيس المضيّ قُدماً في مسعاه إلى الحصول على ولاية ثانية.
وصف النائب الديموقراطي، سكوت بيترز، موقف بايدن من الحملة الانتخابية بأنه «غير قابل للدفاع عنه»
وإذا كان بعض المتحمّسين لا يزال يفضّل بايدن على سواه، وخصوصاً في ظلّ غياب مرشّحين مؤثرين، واعتقاد هؤلاء بأن حظوظ الرئيس الحالي أعلى من حظوظ نائبته كامالا هاريس، ومن بين هؤلاء – للمفارقة – نواب عن الفرع «التقدمي» في الحزب الديموقراطي، مِن مِثل ألكساندريا أوكازيو كورتيز، وإلهان عمر، اللتين أعلنتا دعمهما بايدن، وأيضاً ستيفن هورسفود، زعيم مجموعة النواب الأميركيين من أصول أفريقية، فإن وجوهاً بارزة في الحزب، آخرها النائب الرفيع في «لجنة الخدمات المسلّحة» التابعة لمجلس النواب، آدم سميث، دعت بايدن إلى الانسحاب من السباق؛ وكذلك فعل السيناتور الديموقراطي، جون تيستر، الذي قال إنه «على الرئيس أن يثبت لي وللأميركيين أنه قادر على تحمُّل أعباء منصبه لأربع سنوات أخرى». ومن جهته، وصف النائب الديموقراطي، سكوت بيترز، موقف بايدن من الحملة الانتخابية بأنه «غير قابل للدفاع عنه»، وأنه «يشعر بقدر أقلّ من الثقة في قدرة هذه الحملة على الفوز في السباق، وإذا كنّا نعلم أنّنا سنخسر، فسنكون حمقى إذا لم ننظر في مسار آخر». وهو موقف تبنّته أيضاً النائبة أنجي كريغ، التي رأت أنه «يجب على بايدن التنحي عن منصب المرشّح الديموقراطي. إنه غير قادر على خوض حملة انتخابية فعّالة والفوز على دونالد ترامب». وتبقى معرفة ما إذا كان هذا الاعتراض سيتبلور ويؤدي إلى هجوم منسّق بدعم أسماء بارزة في الحزب، لحضّ المرشح الجمهوري على التنحّي، علماً أن اتّخاذ قرار مماثل سيكون صعباً في ظلّ جدول زمني ضاغط.
في هذا الوقت، استبعد ترامب انسحاب منافسه من السباق الرئاسي، رغم الضغوط التي يمارسها عليه حلفاؤه الديموقراطيون، بسبب مخاوفهم إزاء صحّته الذهنية. وفي أول مقابلة تلفزيونية له منذ المناظرة التي جرت بينه وبين بايدن، الشهر الماضي، قال المرشح الجمهوري، لشبكة «فوكس» الإخبارية: «يبدو لي أنّه باقٍ فعلاً (في السباق)، فهو مغرور ولا يريد الاستسلام، لا يريد أن يفعل ذلك». ولعلّ ما دلّ على ذلك، حضُّ بايدن مشرّعي حزبه على «الاتّحاد» حول ترشّحه، إذ قال، في رسالة إلى هؤلاء، إنه «رغم التكهّنات في الصحافة وأماكن أخرى، تصميمي ما زال قويّاً على الاستمرار في السباق»، مضيفاً: «آن الأوان للاتحاد وللمضيّ قدماً كحزب موحّد وإلحاق الهزيمة بدونالد ترامب».
ويعتزم الرئيس، أيضاً، عقد مؤتمر صحافي منفرد الخميس، بعدما تجنّب القيام بهذه الخطوة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، فيما سعت الناطقة باسم الأخير، كارين جان-بيار، إلى احتواء موجة تكهّنات أثارتها مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» مفادها بأن متخصّصاً في علاج داء «باركنسون» زار البيت الأبيض ثماني مرّات، بين صيف 2023 والربيع الماضي. وقالت جان-بيار: «هل تلقّى الرئيس علاجاً من داء باركنسون؟ كلا. هل يتلقّى علاجاً من داء باركنسون؟ كلا. هل يتناول أدوية لداء باركنسون؟ كلا»، من دون أن تشير لا إلى هوية الشخص الذي جاء من أجله المتخصّص، ولا الهدف من الزيارات، متحصّنة بواجب «السرّية».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية