بقرارها الإفراج عن تقييم الاستخبارات الوطنيّة الأميركية لمقتل جمال خاشقجي، أطبَقت إدارة جو بايدن حصارها على وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. حصارٌ ما فتئ يتزايد منذ «حادثة القنصلية» في خريف عام 2018، التي فاقت بتداعياتها كلّ ما تصوّره يوماً وريث العرش «الإصلاحي» وعلى رغم مساعيها إلى امتصاص صدمة التقرير، عبر تطمين قيادة المملكة القَلِقة إلى استمرار «الحلف التاريخي»، إلّا أن الإدارة الأميركية أبرزت هدفها بوضوح: إعادة ضبط العلاقات المُصابة بحمّى ترامب، لاستقطاب ابن سلمان مذلولاً إلى دارها
جاء الكشف عن التقرير فيما يسعى الرئيس جو بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات الأميركية في الشرق الأوسط، وإعادة «مبادئ حقوق الإنسان» إلى مكانة بارزة في السياسة الأميركية. كشفٌ يعكس استعداد الإدارة الوليدة لتحدّي المملكة في قضايا كثيرة، من مثل حقوق الإنسان وملفّ الحرب على اليمن. غير أن الرئيس الأميركي يخطو بحذرٍ للحفاظ على العلاقات مع المملكة، في إطار سعيه إلى إحياء الاتفاق النووي المُبرم مع إيران، ومعالجة تحديات أخرى؛ من بينها «محاربة التطرّف الإسلامي»، والمضيّ في سياسة دونالد ترامب لتعزيز قائمة المطبّعين العرب مع إسرائيل. إزاء ما تقدَّم، رتّبت واشنطن سلسلة من الخطوات لتخفيف الصدمة، إذ تحدّث بايدن، أوّل من أمس، إلى الملك سلمان، في مكالمة قال الجانبان إنها جدّدت التأكيد على التحالف القائم منذ عشرات السنين بينهما، وتعهّدا في خلالها بالتعاون. في هذا الوقت، يدرس البيت الأبيض إلغاء صفقات سلاح مع السعودية «تثير مخاوف تتعلّق بحقوق الإنسان»، وفي الوقت ذاته، قصر المبيعات العسكرية المستقبلية على الأسلحة «الدفاعية»، ريثما تنتهي الإدارة من تقييم العلاقات مع المملكة. وفي هذا الإطار، لفت ناطق باسم وزارة الخارجية إلى أن تركيز الولايات المتحدة ينصبّ، في الوقت الراهن، على إنهاء الحرب في اليمن، حتى وهي تضمن للسعودية كل ما تحتاج إليه للدفاع عن أراضيها.
قرّر بايدن عدم معاقبة ابن سلمان لما لتلك الخطوة من تداعيات عالية الكلفة
وعقب صدور تقييم الاستخبارات، اتّخذت الولايات المتحدة خطوة أولى خجولة، قرّرت بموجبها فرض عقوبات على 76 سعودياً، لم تُسمِّهم، متّهمين بـ»تهديد معارضين في الخارج»، وخصوصاً خاشقجي. وتندرج هذه العقوبات، بحسب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأميركية اسم «حظر خاشقجي»، وترمي إلى منع دخول أيّ شخص يُتّهم بالتعرّض باسم سلطات بلاده لمعارضين أو صحافيين في الخارج. ومن ضمن المشمولين بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، النائب السابق لرئاسة الاستخبارات العامة السعودية، أحمد عسيري، وجهاز «قوة التدخّل السريع» (قوّة النمر). عقوباتٌ لن تنسحب، بأيّ حال، على ابن سلمان، بحسب «نيويورك تايمز» التي أفادت بأن بايدن قرّر عدم معاقبة وريث العرش، «لأن ثمن خطوة كهذه عالٍ للغاية، وستضع واشنطن في موقف عدائي مع الرياض». لكن القيادة الديموقراطية في الكونغرس ترى أن العقوبات الأميركية الحالية غير كافية؛ إذ قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، روبرت مينيديز، إن «ما نراه هو الخطوة الأولى لجلب المحاسبة والشفافية لجريمة قتل خاشقجي، وأتمنّى أن نرى إجراءات ملموسة لمحاسبة وليّ العهد السعودي». لكن بلينكن أكّد أن بلاده لا تريد «قطيعةً» في العلاقات مع السعودية، بل إعادة ترتيبها «لتصبح أكثر انسجاماً مع مصالحنا وقيمنا».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)