| أديب سرحان
ازدياد ملحوظ في طلب العمليات التجميلية من جانب الذكور داخل سوريا، على الرغم من التحفظ المجتمعي، الذي يحدّ كثيراً انتشار مثل هذه الظواهر.
يخرج الشاب كاظم أحمد (26 عاماً) من مركزٍ طبيّ للتجميل في حيّ “الشهبندر” وسط العاصمة السورية دمشق، واضعاً ضماداً طبياً على أنفه، بعد أن أجرى عملية تجميلية ضمن المركز استمرت نحو 40 دقيقة.
يقول أحمد للميادين نت: “ترددت كثيراً قبل اتخاذ هذه الخطوة، لكن بعد مشاهدة كثير من الرجال والسيدات يقومون بهذه العمليات، من دون أن تشكّل خطراً على حياتهم، أو تؤثر في صحتهم، اتخذت قرار إجراء عملية تجميلية”، متابعاً أن “فكرة إجراء عمل تجميليّ راودتني كثيراً، وخصوصاً أني كنت أتعرض لمواقف تنمُّر من بعض الأصدقاء بسبب أنفي، فكان القرار من أجل التخلّص من عقدة لازمتني طويلاً”.
ويضيف أحمد: “لا أعتقد أن الخطوة التي أقدمت عليها تتعارض مع القيم الأخلاقية الموجودة في مجتمعنا، ما دام الهدف منها طبيّاً، في الدرجة الأولى. واللجوء إلى هذه الخطوة كان ضرورة مطلقة”. أمّا التكلفة المادية للعملية التجميلية، فيكشف أنها وصلت إلى حدود 800 ألف ليرة سورية (130 دولاراً).
كاظم أحمد ليس الشاب الوحيد، الذي توجّه إلى أحد مراكز التجميل المنتشرة داخل العاصمة دمشق، بحيث باتت تلك المراكز مقصداً لعدد كبير من الذكور، من أجل إجراء مختلف أنواع العمليات التجميلية.
يؤكد الاختصاصي في الجراحة التجميلية، زين قبيلي، للميادين نت، وجود ازدياد ملحوظ في طلب العمليات التجميلية من جانب الذكور داخل سوريا. ويعزو السبب إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في النمط الاجتماعي للشبان، بصورة عامّة، بالإضافة إلى أن المظهر اللائق مطلوب من أجل العمل، وخصوصاً إذا كان هناك نيّة في العمل خارج البلد من جانب الشبان، بحسب رأي قبيلي.
ويشير إلى أن الطبيب السوري مفضَّل لإجراء العمليات التجميلية نظراً إلى عدة عوامل، منها: تكلفة الأجور المنخفضة نوعاً ما، مقارنة بالأسعار الموجودة في دول الجوار، بالإضافة إلى قدرته ومهارته في إجراء العمليات الجراحية التجميلية.
ولفت قبيلي إلى أن الأزمة المستمرة في البلاد أدّت إلى صعوبة الحصول على الأمور المعيشية والخدمية الأساسية، فتوجه كثير من الناس نحو الاهتمام بالنفْس كسبيل وحيد متبقٍّ للرفاهية.
العدوى تصل إلى سوريا
يؤكد أحدث الإحصاءات، الصادرة عن الجمعیة الأميركیة لجرّاحي التجمیل (ASPS)، أن عمليات التجمیل للذكور في ازدیاد مستمر حول العالم، بحيث أصبح الرجال أكثر وعیاً بفوائد الإجراءات التجمیلیة، وخصوصاً مع تطور التقنيات الطبية، بصورة كبيرة، وعدم الحاجة إلى وقتٍ طويل لإجراء العمليات التجميلية والشفاء منها.
الانفتاح الثقافي الواسع سهّل نقل الفكرة الغربية في إجراء العمليات التجميلية للرجال إلى المنطقة العربية، وكان من الطبيعي أن تصل العدوى إلى سوريا، بحيث بدأت نسبة الرجال، الذين يلجأُون إلى التجميل، ترتفع بالتدريج، على الرغم من التحفظ المجتمعي الذي يحدّ انتشار مثل هذه الظواهر بصورة كبيرة.
وبشأن انتشار هذه الظاهرة بين الذكور في المجتمع السوري، خلال الأعوام القليلة الماضية، تؤكد الباحثة الاجتماعية، هناء الأزهري، للميادين نت، أن الرجل اليوم أصبح أكثر انفتاحاً على موضوع عمليات التجميل، ولم يعد يخجل من التكلم بشأنه، وإيجاد الحلول للحصول على شكل أفضل.
وتكشف الأزهري وجود عدة أسباب ساهمت في ارتفاع عدد الرجال المهتمين بعمليات التجميل، بينها وسائل التواصل الاجتماعي، والتأثر بالمشاهير والشخصيات المؤثّرة وصنّاع المحتوى في شبكات التواصل الاجتماعي.
وتضيف أن العمليات الأكثر طلباً لدى الرجال داخل سوريا حالياً هي زرع الشعر وشفط الدهون من منطقة البطن. ويتركز اهتمام الرجل على عمليات تجميل الأنف، وزيادة حجم الذقن، وتحديد ملامح الوجه، وإخفاء التجاعيد. وهذا كلّه نتيجة انفتاح الشبان على الغرب، وانتشار صنّاع المحتوى بصورة كبيرة، الأمر الذي ساهم في كسر حاجز الخجل لدى الرجال من أجل القيام بهذه العمليات.
وتشير الأزهري إلى أن هذه العمليات تكون ضرورية إذا كانت هناك عيوب خلقية وتشوهات لدى الرجال. أما الأمر المؤسف فهو انتشار هذه العمليات والتعامل معها كـ”موضة” يجب مواكبتها من جانب الشبان.
زيادة بنسبة 15%
واتّضح، عبر التواصل مع أكثر من مركز تجميل داخل العاصمة السورية دمشق، أن عمليات التجميل الأكثر طلباً لدى الرجال هي زراعة الشعر، ثم تجميل الأنف، وشفط الدهون، وتكميم المعدة، بينما تتباين التكلفة المادية بين عملية وأخرى، وبين مركز تجميلي وآخر.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور مصطفى أحمد للميادين نت إن التكلفة المادية المنخفضة للعمليات التجميلية في سوريا تجذب عدداً كبيراً من المهتمين من دول الجوار، وخصوصاً الراغبين في إجراء عمليات تجميل الأنف وشفط الدهون، بحيث أصبحت سوريا إحدى الوجهات الأساسية لإجراء العمليات التجميلية في المنطقة، نظراً إلى عدة أسباب، أهمها: مهارة الجرّاح السوري وخبرته في إجراء هذه العمليات، وانخفاض التكاليف المادية عن سائر الدول.
أما بشأن الأعداد وازديادها خلال الفترة الماضية، فيؤكد أحمد أن عمليات التجميل تزداد نسبتها سنوياً بسبب تطور الجراحة التجميلية كاختصاص حديث، إلى حدّ ما، بين الاختصاصات الطبية. والسبب الآخر هو تسليط الضوء على الجراحات التجميلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشير إلى أن نسبة المقبلين على إجراء العمليات التجميلية بين الذكور، بصورة خاصة، تزداد من عام إلى آخر. ووسطياً، زادت النسبة، في العام الماضي، 15% عن العام الذي قبله، وكانت العمليات الأكثر طلباً للرجال هي تجميل الأنف وشفط الدهون.
أصبح الذكور في سوريا اليوم أكثر انفتاحاً وأقل تحفظاً بشأن إجراء العمليات التجميلية والحديث عنها. ويرى البعض أن السبب في ذلك هو تأثرهم، إلى حدّ كبير، بالرسائل الإعلامية والإعلانية، التي تعمد إلى تكريس الأفكار الغربية ضمن المجتمعات الشرقية المحافظة، بينما يرى آخرون أن الرجل العربي، مثل المرأة، لديه بعض العيوب التي يرغب في تحسينها، ليبدو في مظهر لائق، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حالته النفسية.
رجال إلى جانب النساء في عيادات التجميل
البعض يقول إن عمليات التجميل باتت غريزة فطرية مُطلقة، لا تتوقف على الذكور أو الإناث. فعلى الرغم من إقبال النساء الكبير على التجميل، من أجل تحسين مظهرهن أو مواكبة “الموضة”، فإن هذا المجال بات مطروقاً أيضاً من جانب الرجال، وإن كان بدرجة أقل من السيدات حتى الوقت الحالي، لكن لم يعد مستغرباً وجود الرجال إلى جانب النساء في عيادات التجميل، بحيث يطمح الرجال إلى تحسين مظهرهم الخارجي، كما السيدات تماماً.
لكن فكرة التجميل للذكور لم تعد مرفوضة بالمطلق داخل المجتمع السوري، على الرغم من الضوابط الاجتماعية الشرقية الموجودة. وفي هذا السياق، يقول أسامة الحلو، وهو طالب في كلية الحقوق، للميادين نت، إنه “أمام التطور الطبي الكبير الذي يحدث في العالم، والانفتاح الثقافي بين مختلف المجتمعات، أصبح من الطبيعي لجوء بعض الشبان في منطقتنا إلى عمليات التجميل. وأعتقد أن هذا الأمر طبيعي ما دام معتمَداً ضمن الحدود المعقولة، ومرتبطاً بحاجة طبيّة معينة إلى تجميل تشوّه ما. فعندما يكون هناك ضرورة لمثل هذه العمليات، لا توجد مشكلة، لكن عندما يتحول الأمر إلى هوس، مثلما يحدث مع النساء حالياً، فهنا تكون الكارثة”.
وأشار الحلو إلى ضرورة وجود ضوابط اجتماعية معيّنة لمنع تحول عمليات التجميل للذكور إلى هوس، كما هي الحال بالنسبة إلى النساء، وذلك من خلال حملات إعلامية توعوية محددة.
إن إقبال الذكور في سوريا على عمليات التجميل لم يصل بعدُ إلى نِسَب عالية، ويبقى ضمن الحدود الدنيا، مقارنةً بالدول الأخرى، نظراً إلى وجود عدة عوامل تحدّ انتشار هذه الظاهرة، منها: الحرب والعوامل الاقتصادية والضوابط الاجتماعية، التي تفرض على الذكور نمط حياة معيناً، في كثير من الأحيان.
“تجميل” في ظل تدهور الوضع الاقتصادي
تتباين أنواع العمليات التجميلية، التي يُقْبِل عليها الذكور في سوريا، بحيث تقول اختصاصية الأمراض الجلدية، الدكتورة بتول الفيحان، للميادين نت، إن “أغلبية العمليات المطلوبة في الوقت الحالي هي البوتوكس من أجل إخفاء التجاعيد، كما بدأنا مؤخراً نلحظ إقبال الشبان على طلب عمليات فيلر للشفاه. وبصورة عامة، هناك زيادة ملحوظة في أعداد الذكور الراغبين في إجراء العمليات التجميلية”.
أما فيما يخصّ الأسعار، فتشير الفيحان إلى أن عمليات البوتوكس تبدأ بنحو 250 ألف ليرة سورية (40 دولاراً)، بينما تكلّف عملية الفيلر نحو 350 ألف ليرة سورية (60 دولاراً). أمّا جلسة العناية بالبشرة، فتتراوح تكلفة الجلسة الواحدة بين 50 ألفاً و100 ألف ليرة سورية. وهذه الأسعار تُعَدّ منخفضة ،إلى حدّ كبير، مقارنة بالأسعار الموجودة في الدول الأخرى، بحيث تكون تكلفة العمليات التجميلية أضعاف الأسعار في سوريا.
لا يخفى على أحد أن الوضع داخل سوريا، اقتصادياً ومعيشياً، صعب للغاية، بحيث انعكست نتائج الحرب سلباً على حياة السوريين. لكن، في المقابل، فإن مظاهر البذخ تجد حيزاً لها في المشهد العام. وأمام هذا الواقع، باتت عمليات التجميل مطلباً لكثير من السوريين كنوع من “الموضة” لا أكثر، بينما يرى آخرون أن هذه الظاهرة ضرورة طبية ملحّة من أجل علاج مشكلة معيّنة، وليست “موضة” فقط، في حين يعتقد البعض أن لجوء الشبان إلى عمليات التجميل هدفه الهرب من الواقع السوداوي وتحقيق الذات، في ظل العجز عن تأمين متطلبات الحياة الأساسية الأخرى.
وفي هذا السياق، تقول الخبيرة النفسية، آلاء رنكوسي، للميادين نت، إن إجراء العمليات التجميلية للرجال ليس بجديد، لكنه كان يتم سابقاً بسريّة بسبب نظرة المجتمع السلبية. لكنّ التطوّر والتغير في المفاهيم المجتمعية خلال الوقت الحالي، والانتشار الواسع والتطور الهائل اللذين طالا مجال التجميل، أدّت، مجتمعةً، إلى دخول الرجال هذا العالم من أجل الاهتمام بمظهرهم الخارجي، وهذا الأمر لم يعد حكراً على النساء فقط.
وأشارت رنكوسي إلى أن السبب الأبرز في توسع هذه الظاهرة وانتشارها، هو الضغط الذي تسبّبه وسائل التواصل الاجتماعي والمسلسلات والبرامج التلفزيونية، التي تقدّم الأشخاص، في صورة مثالية، وهو ما يخلق حالة من الرغبة في التجميل لدى الرجال من أجل الاقتداء بأولئك الأشخاص.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين