على ضفاف البحر الأحمر غرب مكة المكرمة، يقف ميناء الشعيبة – المعروف اليوم باسم بحرة الشعيبة – كشاهدة على حقبة تاريخية غنية، إذ كان أول منفذ بحري يخدم سكان مكة والمدن المجاورة لعدة قرون. ارتبط الميناء بأحداث مفصلية في التاريخ الإسلامي، إذ كان نقطة انطلاق أولى هجرات الصحابة إلى الحبشة، واستمر دوره حتى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، قبل أن تتحول الأهمية تدريجياً إلى ميناء جدة.
ورغم توقف نشاطه التجاري مع مرور الزمن، وتحوله إلى وجهة للصيادين وهواة الصيد، فإن الجهود الحديثة لإحياء إرثه التاريخي أعادت له الأضواء، ضمن مشاريع تطوير الساحل وتهيئة الشواطئ، ليصبح اليوم جزءاً من ما يُعرف باسم بحر مكة، وجهة سياحية وتاريخية متكاملة.
ميناء تاريخي ونافذة مكة البحرية
لم يكن ميناء الشعيبة مجرد شاطئ عادي، بل محطة حيوية للتجارة والحج. فقد كانت البضائع تصل إليه من اليمن والهند والحبشة، وتُصدّر منه التمور والأقمشة والسلع العربية، مما جعله من أكثر الموانئ نشاطاً في تلك الفترة. ومنه أبحر الصحابة الأوائل في الهجرة إلى الحبشة بأمر من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حفاظاً على دينهم من بطش قريش، وكانت أول رحلة في السنة الخامسة للبعثة، تبعتها رحلة أخرى ضمت أكثر من ثمانين صحابياً.
مع توسع الدولة الإسلامية واحتياجها إلى ميناء أعمق وأكثر أمناً، اتخذ الخليفة عثمان بن عفان قراراً استراتيجياً بتحويل المرفأ الرئيسي إلى جدة، ما شكّل تحولاً مهماً في تاريخ الموانئ السعودية.
ولعل من أبرز معالم بحرة الشعيبة اليوم السفينة الغارقة بالقرب من الشاطئ، التي جُلبت قبل أكثر من ثلاثين عاماً لتفكيكها، لكنها انجرفت بفعل الأمواج واستقرت بين الشاطئ والمياه. تحولت السفينة على مر الزمن إلى موطن للشعاب المرجانية وآلاف الكائنات البحرية، وأطلق عليها سكان مكة لقب «تايتانك السعودية»، لتصبح معلماً جذب الغواصين والزوار على حد سواء.
جهود الإحياء والتطوير
تعمل أمانة العاصمة المقدسة على إعادة الحياة إلى بحرة الشعيبة عبر تهيئة الشواطئ، تعبيد الطرق، تجميل المرافق العامة، وإطلاق حملات نظافة كبيرة أسهمت في رفع عشرات الآلاف من الأطنان من النفايات. كما من المتوقع أن تحتضن المنطقة مشاريع سياحية جديدة تعزز من قيمتها التاريخية والثقافية.
ويشير الباحث خالد أبو الجدائل إلى أهمية الشعيبة في تجارة مكة، كونها كانت نافذتها الأولى على أفريقيا واليمن والهند، قبل انتقال النشاط البحري إلى جدة، ما ساهم في ظهور أحد أقدم الموانئ في العالم.
تجربة سياحية فريدة
زيارة بحرة الشعيبة اليوم تمثل رحلة عبر الزمن. هنا يمكن للزائر استكشاف أطلال ميناء حمل بدايات الدعوة الإسلامية، والغوص حول السفينة الغارقة لاستكشاف الحياة البحرية المتنوعة، والاستمتاع بالهدوء على شاطئ طبيعي بكر.
إنها وجهة تجمع بين التاريخ والمغامرة والاسترخاء، لتصبح خياراً مثالياً لعشاق السياحة الثقافية والبحرية، وتعيد إلى الذاكرة قيمة ميناء كان ذات يوم نافذة مكة على العالم.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم