علي عبود
عادت الإدارة الديمقراطية إلى نغمة “حل الدولتين” للتعمية الإعلامية على دعمها لإسرائيل اللامحدود في الحرب التي تستهدف إبادة الفلسطينيين أو تهجيرهم من غزة والضفة الغربية!
ولا تخفي الإدارات الأمريكية المتعاقبة حملات التضليل بتسويقها لحل الدولتين منذ اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، فهي لم تكن جادة أبدا بفرض إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الـ 67، والدليل اعتراف الرئيس الأمريكي جو بايدن في نهاية تشرين الثاني الماضي في ذروة العدوان “الإسرائيلي على الفلسطينيين: “الإعتراف بدولة فلسطين يحتاج إلى موافقة المسيح”!!
ومن قتل المسيح لن ينتظر عودته ليعطيه مباركته أو يرغمه على الموافقة على إقامة دولة للفلسطينيين على جزء من أراضيهم المغتصبة، فهو يرفض منح أصحاب الأرض أي اعتراف بوجودهم أصلا، إلا كإدارة ذاتية تأتمر بأوامره وتساعده باعتقال أوقتل المقاومين لاحتلالها.
والسؤال: هل يمكن إقامة دولتين لشعبين على أرض واحدة: الأول يعتصبها والثاني يسعى لتحريرها؟
لاتوجد سابقة تاريخية لهكذا حل، بل أن التاريخ يؤكد أن الإحتلالات مصيرها الحتمي الزوال ولو استمرت لعقود، وبالتالي فإن حل الدولتين ليس أكثر من بدعة ألهت بها أمريكا الأنظمة العربية، وصولا إلى استبدالها بإتفاقيات تطبيع واستسلام بين عدد من هذه الأنظمة وإسرائيل، واعتراف أمريكي بشرعية احتلال “إسرائيل” لفلسطين من النهر إلى البحر!
وهاهي أمريكا التي ترفض وقفا لأطلاق النار في غزة تلهينا مجددا بالحديث عن “ضرورة الحل السياسي القائم على فكرة حل الدولتين باعتباره الوسيلة الأفضل لإنهاء النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل”.
فعليا، مامن إدارة أمريكية، وبدقة أكثر مامن حكومة عميقة في أمريكا منذ إعلان قرار تقسيم فلسطين في عام 1948 تؤمن بحل الدولتين، أي بإقامة دولة للفلسطينيين على جزء صغير من أراضيهم المغتتصبة!
وليس صحيحا مايُقال أن إقامة دولة للفلسطينيين أصبح مستحيلا لأن الضفة الغربية مزروعة ومحاطة بالمستوطنات، فعندما تقرر أمريكا إقامة مثل هذه الدولة، فيمكنها إرغام حكومة العدو بتفكيك هذه المستوطنات خلال أشهر، أو إلحاقها بالدولة الفلسطينية المحدثة، كما هوحال مناطق الـ 48!
أكثر من ذلك، لقد أرغمت المقاومة الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى على إخلاء مستوطنات غلاف غزة كما أرغمت المقاومة اللبنانية “إسرائيل” على إخلاء مستوطنات الشمال، وهذا يعني إن إخلاء المستوطنات من المناطق التي احتلتها “إسرائيل” في حرب 5 حزيران 1967 أمر ممكن لو كانت أمريكا جادة فعلا بحل الدولتين!!
ومن ينظر بتفاؤل إلى إحياء مشروع “حل الدولتين” بعد إهماله لأكثر من عقدين من قبل أوروبا وأمريكا وأنظمة عربية، نؤكد له بأن هذا الحل المتداول حاليا بعد عملية طوفان الأقصى غير وارد بشكل جدي إلا إعلاميا، ولمنح المبررات لما تبقى من أنظمة عربية للتطبيع مع كيان العدو، وإلا ماذا يعني أن تعلن “إسرائيل” بدعم لامحدود من أمريكا أن مخططها تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصرأو دول العالم، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، ومن مناطق الـ 48 إلى لبنان؟
لقد ردت “إسرائيل” على المبادرة العربية بـ (لا) كبيرة مدعومة بحروب مستمرة على غزة والضفة ولبنان، ولم توافق يوما على إقامة دولة فلسطينية في العقود الماضية، ولن توافق عليها مستقبلا، وما من بديل سوى اقتناع الفلسطينيين والعرب بأنّ حل الدولتين بدعة، وبأن الحل بإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” باعتباره آخر احتلال عنصري على وجه الأرض، وبإقامة دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية.
العدو يعلنها جهارا منذ سنوات: أولويتنا التطبيع مع السعودية، ولا نمانع مقابل إقامة “كيان فلسطيني يقوم على الحكم الذاتي على أن يكون منزوع السلاح”، وسبق أن قال الأمين العام للأمم المتحدة أمام ديبلوماسيين خليجيين لدى المنظمة الأممية إنه “متأكد من أن نتنياهو لا يؤمن بحل الدولتين، وأنه يسعى إلى طرد الفلسطينيين تدريجياً من الأراضي المحتلة إلى دول أخرى، وعلى رأسها الأردن”، وبإن الفلسطينيين يواجهون أخطاراً عدة، لعل أهمَّها الإنجيليون في الولايات المتحدة الذين لهم تأثير في الانتخابات الأميركية ويساندون “إسرائيل” من منطلق ديني، وهم يعتقدون بضرورة إقامة “إسرائيل” التاريخية وضم الضفة الغربية إليها ووجوب طرد الفلسطينيين من داخل “إسرائيل” نفسها، إضافة إلى تشييد الهيكل الثالث محل المسجد الأقصى قبل عودة المسيح!!
ونشير إلى طرح تم تداوله للمرة الأولى في عام 2018 على نطاق محدود يقضي بقيام دولتين افتراضيتين فلسطينية و“إسرائيلية”، في كونفدرالية جغرافية واحدة، أو ما يعرف بدولتين على أرض واحدة دون تحديد حدود جغرافية نهائية تفصل بينهما، واعتبرها البعض مقاربة جديدة لتسوية غير نهائية، لكنها طويلة الأمد، وبرأينا هذا نوع من الترف التنظيري أمام الجدلية القائمة وهي: “الإسرائيليون” يرفضون الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ بذريعة الأسطورة الدينية عن أرض الميعاد التي تشمل كل فلسطين، بما فيها الأراضي التي احتلت عام 1967،كما أن الفلسطينيين يرفضون تسوية يتم التنازل فيها عن الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في كامل أرض فلسطين، من النهر إلى البحر.
الخلاصة: لايمكن حل الصراع الفلسطيني الصهيوني بأقامة دولتين إحداهما قائمة وأخرى مجرد وعد، ولا بإقامة كونفدرالية بين دولتين على أرض واحدة، فالحل الحتمي والذي يستند إلى تاريخ الشعوب هو بإنهاء الاحتلال وعودة الأرض من النهر إلى البحر إلى شعبها الفلسطيني، وهذا الحل ليس بالضرورة ان يُحسم بحرب شاملة، وإنما بجعل الحياة في “إسرائيل” مستحيلة أو غير آمنة كما يحدث الأن في مستوطنات الشمال وغلاف غزة!
(موقع سيرياهوم نيوز-3)