في منتصف التسعينيات من القرن الماضي كان الطبيب الشاب على ابراهيم محمود قد بدأ يشق طريقه في عالم الطب الذي اختاره عن عشق وتحد ووفاء لروح والده الذي فقده صغيرا ..
ولأنّ التحدي سمة لابد أن يتمتع بها الطبيب فعلا وهو يشق طريقه نحو اكتساب المعرفة والخبرة فقد قرر منع بتر القدم السكرية لمريض سوداني كان يشغل منصب رفيع في بلاده واختار سورية للحصول على العلاج.
وفعلاً نجح الطبيب على ابراهيم محمود في شفاء القدم السكرية للمريض السوداني ومنع بترها، وهو ما حدث مع العديد من المرضى لاحقا , ولكن الأهم أن الطبيب السوري قدم لاحقا كتاباً وبحثاً علمياً عن القدم السكرية يعد اليوم مرجعا حقيقيا وقد تم طباعته وتوزيعه على مساحة الوطن .
اليوم يسجل الدكتور علي محمود باسمه براءة اختراع لتصنيع ” مفصل الكتف ” لتكون هذه البراءة بمثابة إنعاش حقيقي لآمال الكثير من المرضى وخاصة مرضى الأورام ومرضى الالتهابات ” الأخماج ” وأيضا جرحى الجيش بإمكانية تركيب مفصل الكتف بديل مقابل تكلفة مادية زهيدة جدا قياسا بالمفاصل المستوردة وحيث يمكن تصنيعه فورا وخلال إجراء العملية ما يمكن معه الحصول على الكتف بالمقاسات المناسبة ؟
المفصل المستورد يكلف أكثر من 10 آلاف دولار بينما المحلي لا تتجاوز تكلفة المواد المحلية الداخلة في صناعته ال 500 ألف ليرة
يعتبر تصميم وتصنيع “مفصل الكتف ” المقدم من الباحث الدكتور علي ابراهيم محمود سبقاً علمياً لأنه يوفر بمساعدة السفود المعدني والاسمنت العظمي الطبي بديلاً جديداً للنهاية العلوية لعظم العضد كخيار في الجراحات والمحافظة على الطرف حيث يمكن تصنيعه مباشرة في غرفة العمليات ويؤمن للمريض وظيفة جيدة بعد استئصال الورم إضافة للميزة الأخرى وهي الفرق الكبير في الكلفة المادية بين المستورد الذي تتجاوز تكلفته الـ 10 آلاف دولار حسب الشركة المصنعة وبين المفصل المصنع محليا الذي لا تتجاوز قيمة المواد الداخلة في تصنيعه الـ 500 الف ليرة.
ونظرا للأهمية الوظيفية لمفصل الكتف وشيوع الحالات الورمية فيه وحداثة تبديل مفصل الكتف بشكل عام والورمي بشكل خاص وعدم وجود بديل مشابه أو موصوف سابقاً في الأدب الطبي فقد تم السماح من الجهات الطبية في سورية، المعنية باعتبار النموذج المقدم من الدكتور علي محمود جديداً ويستحق براءة اختراع .
يقول الدكتور علي ابراهيم محمود :
يعتبر استبدال مفصل الكتف من الجراحات الحديثة نسبياً. وتزداد الصعوبة نسبياً بعد إصابة المفصل بالأورام لأنها تتطلب مفاصل خاصة لكل حالة على حدة وهذا قد لا توفره النماذج الموجودة مسبقاً ومن هنا جاءت أهمية البحث عن مفصل لكل ” مريض ورمي ” يتم تصنيعه مباشرة أثناء العمل الجراحي وبما يناسب وضع المريض وحالته.
الطبيب المخترع أشار إلى أن مفصل الكتف يتعرض للكثير من الإصابات الجزئية وهي بطبيعة الحال قابلة للإصلاح الفوري وكذلك لإصابات شديدة تؤدي إلى تخربه بشكل كامل كما هو الحال في الحوادث والأخماج والأورام، وفي هذه الحالة يجب التفكير في تصنيع المفصل من جديد، مؤكدا : أن التجربة المقدمة لتصنيع المفصل في هذا الاختراع للإصابات الورمية يمكن كذلك تطبيقها في جميع الإصابات الشديدة مثل أذية الحوادث او الاخماج أو الأذيات الحربية وفعلا فقد تم حتى الآن تركيب ” مفصل الكتف ” المصنع محليا للكثير من المرضى وتمت متابعة حالتهم وكانت النتائج جيدة جدا .
وفي هذا السياق يوضح الطبيب السوري المخترع : بأنه تم تركيب مفاصل كتف ورمية صنعية مستوردة لمرضى وقد لوحظ وجود صعوبات كبيرة في الاعتماد على هذه المفاصل تتعلق بصعوبات اقتصادية نظرا لتكلفته العالية جدا . وأيضا صعوبات تقنية متعلقة بصعوبة تأمينه بسبب الحصار وتأخر وصوله، هذا عدا عن أن وزن المستورد كبير مقارنة بالمُصنع محليا والذي ثبت أنّه يمكن تصنيعه بما يناسب كل مريض وبما ينعكس عليه صحيا واقتصاديا .
مع الاشارة هنا الى أن الوزن الزائد لبعض المفاصل المستوردة يحتاج بدوره إلى طاقة أكبر مبذولة من قبل المريض وهذا يؤدي لحدوث تخلخل أو حدوث خلع لاحقا
أيضا فإن المفصل المستورد يتم تحديد خيارات الارتكاز للعضلات المراد إعادة ارتكازها على المفصل الصنعي فبعض المفاصل ومنها الفرنسية لها خياران فقط للارتكاز . في حين أن المفصل المصنع محليا كل عضلة يمكن إعادة تثبيتها من منشأها أو ارتكازها على المفصل حيث هي وفي أي مكان موجودة فيه فكل الخيارات متوفرة .
يذكر أنّ جراحة استبدال المفاصل بعد أذيتها هي من الجراحات الكبرى، وتمتلك جراحة استبدال المفاصل الورمية أهمية خاصة لما لهذه الجراحة من خصوصية تفرضها طبيعة الاصابات الورمية بحد ذاتها إضافة إلى خصوصية المريض الذي يحتاج إلى خدمات الاخرين في شؤون حياته اليومية وخاصة عندما تكون الإصابة في مفصل الكتف ذي الأهمية الوظيفية الخاصة. وهذا ما يؤكد أهمية ما قدمه الطبيب السوري والذي يعد بمثابة أمل حقيقي للكثير من المرضى الذين لا يتمكنون من تغطية التكاليف العالية للمفصل المستورد هذا عدا عن تكاليف العملية و العلاج والإقامة في المشفى.
هناك الكثير من المرضى السوريين الذين استطاعوا أن يتخطوا محنتهم خاصة مع الأورام بفضل مفصل “الكتف البديل ” المصنع محليا والذي تم تركيبه لهم بعد عمليات جراحية ناجحة في المشافي السورية العامة والخاصة دون ضغط مادي يصل الى آلاف الدولارات مع الكتف المستورد، وحيث يبدو مفصل الكتف المصنع من قبل الطبيب السوري أكثر ملائمة خاصة من ناحية القياس ونقاط الارتكاز هذا عدا عن تكلفته البسيطة والزهيدة فعلا .
نتمنى أن يلقى عمل الطبيب السوري علي ابراهيم محمود الاهتمام والانتشار المطلوب
فالاختراع الذي قدمه يشكل نافذة خلاص للكثير من مرضى الأورام والالتهابات والإصابات الحربية … نافذة يطلون من خلالها على الصحة مجددا بتكاليف زهيدة ..
يذكر أخيراً أنّ الطبيب على ابراهيم محمود يعد واحداً من أهم جراحي الأورام في سورية وهو حائز على شهادة الدكتوراه في جراحة أورام العظام الذي يعد من الاختصاصات النادرة، كما أن لديه تعميق خبرة من شهادتين في الجراحة المجهرية من جمهورية مصر العربية وشهادة في الأورام من معهد روتسلي في مدينة بولونيا شمال إيطاليا إضافة الى خبرة واسعة في جراحة الأورام على مدى عقدين من الزمن في مشفى البيروني الجامعي ولديه العديد من المؤلفات العلمية والابحاث المنشورة داخليا وخارجيا.
(سيرياهوم نيوز-سماعة حكيم ١٢-٩-٢٠٢٠)