نبيل سليماني
في خطوة غير متوقَّعة، صادق البرلمان الأوروبي على إدراج الجزائر ضمن قائمة الدول الأكثر عرضة لخطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وقد قوبلت هذه الخطوة باستغراب واسع في الداخل الجزائري، وأثارت تساؤلات عدة بشأن خلفياتها ومدى جديّتها. وأكد متابعون أن القرار جاء في سياق ضغوط تمارسها بعض الدول الأوروبية على الجزائر، على خلفية خلافات ديبلوماسية وسياسية معها.
ويعتبر النائب البرلماني والخبير الاقتصادي عبد القادر بريش أن تصنيف البرلمان الأوروبي “بعيدٌ كل البعد عن الواقع والحقيقة”. ويقول في تصريح لـ”النهار” إن “الجزائر عملت على سدّ كل الثغرات التي قد تجعلها محل شبهات بخصوص تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب”، مشيراً إلى أن “البلاد كانت من أكثر المتضررين من عمليات تهريب وتحويل الأموال إلى الخارج، ما استدعى تحركاً فعلياً من قبل العدالة الجزائرية”.
ويصف بريش قرار البرلمان الأوروبي بأنه ذو أبعاد سياسية مبيّتة، مذكّراً بالمقاربة الجزائرية في مجال الوقاية من تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، لافتاً إلى أن الجزائر “كانت ولا تزال محل إشادة دولية في هذا المجال”. كما يوضح أن “عدداً من الدول الأوروبية شاركت في دفع فِدى لجماعات إرهابية مقابل إطلاق سراح رهائن من رعاياها”.
ويضيف بريش أن الجزائر قدّمت مقاربة واضحة لتجفيف منابع الإرهاب لوجستياً ومالياً، مشيراً إلى تبني مجلس الأمن الدولي، في كانون الثاني/يناير الماضي، “وثيقة الجزائر” الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب.
كذلك، تطرق إلى التعديلات التي أدخلتها الجزائر على منظومتها القانونية منذ عام 2005، خصوصاً القانون 05-01، مشيراً إلى أن البرلمان صادق أخيراً على تعديل جديد يهدف إلى تحديث الإطار التشريعي لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهو التعديل الخامس خلال 20 عاماً. وأكد أن التعديل “يتماشى مع المعايير الدولية الراهنة في ظل تطور الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيا والأصول الافتراضية وغيرها من الأشكال المستحدثة للجريمة”.
وبخصوص الدوافع الأوروبية، يرى بريش أن الهدف من هذه الخطوة هو “تشويه سمعة الجزائر”، معتبراً أن “التصنيف جاء بإيعاز من أطراف يمينية متطرفة لا تريد الخير للبلد”. ويتابع قائلاً: “اعتدنا على تدخلات البرلمان الأوروبي في الشأن الداخلي الجزائري، ونرفضها كنواب وكجزائريين، كما نرفض أي ابتزاز مهما اتخذ من غطاء قانوني أو تشريعي”.
من منظور استراتيجي، يرى باحثون أن أطرافاً دولية تحاول فرض إكراهات على الجزائر بحكم أهميتها الطاقوية. ويؤكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية نبيل كحلوش، في حديثه لـ”النهار”، أن “العديد من الدول الغربية تنتهج في علاقاتها مع الجزائر مقاربتين: الأولى براغماتية لتحقيق مصالحها، والثانية ابتزازية لتعزيز موقفها التفاوضي”.
ويقرّ كحلوش بأن تبييض الأموال لا يزال يشكل تحدياً للجزائر بفعل ممارسات سابقة تورطت فيها أطراف مالية وسياسية، ما يفرض ـ حسب قوله ـ “إلقاء ضوء إعلامي موضوعي وجريء على هذه القضية داخلياً، حتى لا تتحول إلى ورقة ضغط خارجية تُستغل ضد الدولة والاقتصاد الوطني”. لكنه يُحذّر في المقابل من “تبييض الصورة الإعلامية للمفسدين الذين يسيئون لصورة البلد”.
ويشير كحلوش إلى أن أوروبا نفسها “تعاني من أزمة مزمنة في ما يتعلق بتبييض الأموال”، ولذلك “من الطبيعي أن تُرفض محاولة البرلمان الأوروبي استغلال هذا الملف للضغط على الجزائر”.
أما في ما يخص تمويل الإرهاب، فيقول كحلوش إن “العكس هو الصحيح”، موضحاً أن “عديداً من الحكومات الأوروبية كانت، حتى وقت قريب، تدفع فِدى للجماعات المسلحة، وتتحالف مع تنظيمات إرهابية في أفريقيا وآسيا، بل وتشارك في جرائم إبادة جماعية كما يحدث في فلسطين”.
ويؤكد أن الجزائر كانت ولا تزال تطالب بتجريم دفع الفِدى للإرهابيين، مستدلاً بخلوّ سجلها الدولي من أي ملفات تتعلق بتمويل الإرهاب، في مقابل وجود مثل هذه الملفات ضد دول أخرى. ويضيف كحلوش أن “الحركات التحررية التي تدعمها الجزائر لا يمكن تصنيفها كتنظيمات إرهابية”، مشدداً على أن “الجزائر لا تعبأ بالتصنيفات الزئبقية التي تعتمدها بعض الحكومات انطلاقاً من مصالحها الضيقة”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار