عكست نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تغيرا في موازين القوى السياسية في البلاد، أبرزها فقدان جماعة “حزب الله” (مدعومة من إيران) والتيار الوطني الحر وحلفائهما الأغلبية النيابية.
ولعل أكثر ما يميز شكل البرلمان الجديد، كسر التمثيل التقليدي لقوى السلطة الذي كان محصوراً طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران ودمشق) و14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن)، عقب دخول البرلمان لاعبون جدد.
وبعدما كانت موازين القوى محصورة بين طرفين، باتت موزعة في 3 اتجاهات وأكثر، في وقت تترقب البلاد استحقاقات محلية وإقليمية “ساخنة”.
وأظهرت نتائج الانتخابات الرسمية تراجع عدد مقاعد “حزب الله” والتيار “الوطني الحر” وحلفائهما من 71 نائباً إلى نحو 60، فيما المقاعد الـ 68 المتبقية موزعة على قوى مختلفة بعضها قريب من الرياض وواشنطن، وبعضها الآخر مستقل.
وهكذا، ومع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن “الأغلبية البرلمانية” لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعاً في عدة اتجاهات.
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده بواقع: 28 للسُنة و28 للشيعة و8 للدروز و34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و5 للأرمن ومقعدان للعلويين ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
ويقوم النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.
وكرّس اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية على أساس المحاصصات بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة.
** كتل غير متجانسة
المحلل السياسي قاسم قصير، قال إنه “حتى الآن لم تتضح طبيعة التحالفات في البرلمان الجديد، كونه يضم مجموعة كتل غير متجانسة”.
ولفت في حديثه للأناضول إلى أنه مع قيام التحالف بين حزب الله وحركة أمل (شيعيتان) والتيار الوطني الحر وتيار المردة (مسيحيان) إضافة إلى شخصيات مستقلة، فإنه “قد لا يتفقوا أحياناً على بعض الملفات”.
وفي اتجاه آخر، يبرز حزب “التقدمي الاشتراكي” (برئاسة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) وحزب “القوات” (مسيحي)، وحزب “الكتائب”، كلٌ على حدة، إضافة إلى نواب “قوى التغيير”، وشخصيات أخرى مستقلة، منها من هو بخلفية إسلامية.
وهكذا، يكون البرلمان الجديد أشبه بفسيفساء متنوعة، سيكون التوافق أو الخلاف بين أعضائه حسب كل ملف، وليس وفق مشروع سياسي موحد، حسب المتحدث ذاته.
وتمكنت “الجماعة الإسلامية” من استعادة تمثيلها البرلماني بنائب واحد هو محمد الحوت، بعدما خسرت مقعدين لها في انتخابات 2018، كما تمكن تنظيم “الشعبي الناصري” من زيادة حضوره البرلماني بنائبين.
** ملفات ساخنة منتظرة
أبرز الملفات والقضايا التي قد تشهد انقساماً داخل البرلمان، وفق قصير، هي اختيار رئيس البرلمان ونائبه، ومن ثم تسمية رئيس للحكومة، وشكل الحكومة المقبلة.
كما ستكون هناك صعوبة في اختيار برنامج الحكومة، لا سيما بشأن الأزمة الاقتصادية والمالية، وكيفية معالجة مشكلة احتجاز أموال المودعين في المصارف، إضافة إلى تطبيق الإصلاحات السياسية والإدارية.
ويعاني لبنان منذ نحو عامين ونصف، أزمة اقتصادية حادة تعد الأسوأ في تاريخه، حيث أدت الى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى.
** سلاح “حزب الله”
وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، فإن سلاح “حزب الله” قد يكون من أبرز القضايا التي ستشهد انقساماً بشأنها تحت قبة البرلمان، وفق المتحدث نفسه.
وتمتلك جماعة “حزب الله” ترسانة أسلحة وصواريخ، تتهمها قوى سياسية لبنانية بتهديد الساحة الداخلية بها، بينما تقول الجماعة إن سلاحها “مكرس حصرا للدفاع عن لبنان ومقاومة إسرائيل التي تحتل أراضٍ لبنانية”.
** تبدُل الموازين سيزيد التوترات
أما الأستاذ الجامعي والناشط السياسي باسل صالح، فرأى أن البرلمان الجديد سيشهد توترات مع تبدل موازين القوى فيه، وما ينتظره من استحقاقات سياسية واقتصادية.
ولفت في حديثه للأناضول إلى أنه ولأول مرة منذ عقدين، لم يعد هناك وجود لأغلبية مطلقة داخل البرلمان، سواء لحلفاء “حزب الله” أو لخصومهم، مع وجود لاعبين جدد ممثلين لقوى التغيير والمعارضة.
هذا الواقع النيابي الجديد، سيخلق (وفق صالح) نوعاً من التوتر في عمل البرلمان، في ظل محاولة بعض القوى التقليدية استمالة بعض نواب قوى “التغيير” إلى صفوفهم، أو الالتفاف عليهم.
وبرز مصطلح “قوى التغيير” بشكل لافت خلال العامين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد أواخر 2019 واستمرت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.
** أزمات دستورية وفراغ رئاسي
واعتبر صالح أن هذا التوتر نتيجة الواقع الجديد، قد يطيح بالاستحقاقات الدستورية المقبلة، كتشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، ما ينذر بسقوط لبنان بفراغ رئاسي وحكومي في المرحلة المقبلة.
وأمام البرلمان الجديد استحقاقات داخلية عديدة، أولها انتخاب رئيس له، واختيار شكل الحكومة المقبلة ورئيسها، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين أول 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهراً.
ولفت المتحدث إلى أن نواب قوى “التغيير” ليسوا موحدين حول برنامج واحد، وهذا ما سيخلق مزيداً من التوترات والانقسامات داخل البرلمان.
واستبعد صالح أن تسهم الانتخابات البرلمانية في حل أزمة الانهيار الاقتصادي والمالي، نظراً إلى أن عمقها في البلاد.
** أزمة “التمثيل السُني”
مشكلة أساسية أخرى تكمن في التمثيل “السُني” في البرلمان، بحسب صالح، الذي أشار إلى أنه في السابق كان تيار “المستقبل” وزعيمه سعد الحريري يختصر توجه معظم النواب السُنة في لبنان.
إلا أن المشهد اختلف اليوم، وبات لكل نائب “سُني” توجه سياسي خاص به، ولم يعد هناك توجه جامع كما كان في السابق، وهذا ما سيصعب التعاطي بين مكونات البرلمان (الطائفية).
ولفت صالح الى أن هذا الواقع سيخلق مزيداً من الإرباك على المستوى الدستوري، خصوصاً بما يتعلق بتكليف رئيس جديد للحكومة ومن ثم تشكيلها.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلن الحريري رئيس الحكومة الأسبق وزعيم أبرز مكون سُنّي في لبنان، تعليق عمله السياسي وعدم مشاركة تياره بالانتخابات.
وآنذاك، اعتبر الحريري، أنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
** أزمات متنقلة
“ذاهبون إلى أزمات متنقلة”، بهذه الجملة يختم صالح كلامه، مذكراً بالتهديد الذي أطلقه رئيس كتلة “حزب الله” النيابية محمد رعد، عقب صدور النتائج حول تشكيل الحكومة المقبلة.
والإثنين، قال رعد في خطاب ألقاه احتفالاً بفوزه في الانتخابات بمدينة النبطية (جنوب)، “إذا لا تريدون حكومة وطنية، فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية، وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية”.
ويرتكز النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم