في ما يبدو محاولة متجدّدة، بالسياسة هذه المرة، لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام، وتحقيق ما فشلت إسرائيل في تحقيقه بالحرب، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مساء أمس، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في «البيت الأبيض»، عن «مقترح شامل» لإنهاء الحرب على قطاع غزة، يتضمّن عشرين بنداً زائداً خريطة، من شأنها إعادة صياغة الوضع السياسي والأمني والإداري في القطاع، بشكل جذري. وترتبط الخطة الجديدة بمبادرات سبق أن أطلقها ترامب أو دفعت بها قوى دولية وإقليمية خلال السنوات الأخيرة، مركّزةً على ربط إعادة الإعمار بتصفية «حماس»، وحتى إنهاء القضية الفلسطينية.
وفي مستهلّ الخطة التي نشرها «البيت الأبيض»، يُشترط أن تكون غزة «منطقة خالية من الإرهاب والتطرّف»، مقابل إعادة إعمارها وفق مخطّطات دقيقة تحوي تعديلات على مواقع التجمّعات السكانية وأحجامها. كما تنصّ الوثيقة على وقف فوري للحرب، يتبعه انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، مرتبط بمدى تنفيذ برنامج نزع سلاح المقاومة.
كذلك، ينصّ المقترح على إطلاق عملية تبادل أسرى تتضمّن الإفراج عن 1700 معتقل ممن اعتُقلوا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بمن فيهم النساء والأطفال من أهالي القطاع، مقابل إعادة الأسرى الإسرائيليين، أحياءً وأمواتاً، وفق معادلة تبادل رفات محدّدة أيضاً. ويشتمل التبادل أيضاً على إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبّد.
وفي الموازاة، تمنح الخطة ما تسمّيه «عفواً عاماً» عن أعضاء حركة «حماس» الذين يتخلّون عن السلاح، ويُسمح لهم بمغادرة القطاع عبر ممرّات آمنة، إذا أرادوا ذلك. كما تتعهّد واشنطن بضمان تدفّق المساعدات الإنسانية فوراً، استناداً إلى ما اتُّفق عليه في 19 كانون الثاني/يناير 2025، بإشراف «الأمم المتحدة» و«الهلال الأحمر» وهيئات دولية أخرى، مع إعادة فتح معبر رفح وفق الآليات ذاتها المنصوص عليها في الاتفاق السابق.
وفي ما يتصل بإدارة القطاع، تقترح الخطة تشكيل «لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية» لتولّي هذه المهمة، تحت إشراف «مجلس سلام» دولي يرأسه ترامب شخصياً، ويشارك فيه قادة دوليون، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير. وتتولّى تلك الهيئة مهام إعادة الإعمار وإدارة التمويل إلى حين «إصلاح السلطة الفلسطينية»، والذي «قد» تتولّى الأخيرة بعده السيطرة على غزة. وتنصّ الوثيقة أيضاً على إطلاق «خطة ترامب للتنمية الاقتصادية»، التي تشمل إنشاء منطقة اقتصادية خاصة في غزة، واستقطاب استثمارات خارجية. كما يُمنح سكان القطاع حرية البقاء أو المغادرة.
الخطة تربط وقف الحرب وإعادة الإعمار بتصفية «حماس»
كذلك، تنص الخطة على أن «حماس» والفصائل الفلسطينية لن تشارك في حكم غزة على الإطلاق، وأن البنى التحتية العسكرية، من أنفاق ومرافق لإنتاج السلاح، ستُدمّر بالكامل، فيما يُخضع القطاع لمسار «نزع سلاح» شامل، بتمويل خارجي وبرنامج لإعادة دمج المقاتلين السابقين. وفي ما يتصل بالضمانات الأمنية، تقترح المبادرة تشكيل «قوة استقرار دولية مؤقّتة» بالتعاون مع الأردن ومصر، مهمّتها تدريب الشرطة الفلسطينية، والإشراف على المعابر، وضبط الحدود، بالتنسيق مع إسرائيل. كما تلتزم تل أبيب بالانسحاب التدريجي، مع الإبقاء على «حدّ عازل» إلى حين ضمان «تحصين غزة ضد الإرهاب». وتشمل البنود أيضاً إطلاق حوار بين الأديان لتغيير «العقليات والسرديات الفلسطينية والإسرائيلية»، ورعاية ما تسمّيه الوثيقة «أفقاً سياسياً نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية».
وعقب الإعلان عن مشروعه، أكّد ترامب أن الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع «حماس»، وحذّر من أنه في حال رفضت الحركة الاتفاق، فإن «نتنياهو سيحصل على دعمنا الكامل للقيام بما يجب». وإذ قال إن «كثيراً من الفلسطينيين يتمنّون العيش بسلام»، اعتبر أن «الإسرائيليين كانوا كرماء بالتخلّي عن غزة»، مشيداً بنتنياهو الذي وصفه بـ«المحارب»، لكنه أشار إلى أن الأخير يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية «وأنا أتفهّم ذلك». وزعم أن «اتفاقات أبراهام» أثبتت أن «الدول التي تبني علاقات مع إسرائيل تحقّق ازدهاراً، على عكس تلك التي تسعى إلى محوها».
بدوره، أعلن نتنياهو دعمه الكامل للخطة، معتبراً أنها «تعيد جميع الرهائن، وتضمن ألّا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل مرة أخرى». وأوضح أن الخطة لا تتضمّن مشاركة لا لـ«حماس» ولا للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، مجدّداً القول إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية «يمثّل خطراً على وجود إسرائيل». وأضاف أن «على السلطة الفلسطينية وقف التحريض ومساعيها لدى المحاكم الدولية»، مشدّداً على ضرورة «تحقيق كل أهداف الخطة، بما فيها إنهاء وجود حماس في غزة». كما أشاد برؤية ترامب، واصفاً إياه بـ«أعظم صديق حظينا به في البيت الأبيض».
وتعليقاً على وقائع المؤتمر الصحافي، أشارت «القناة 12» العبرية إلى أن نتنياهو، رغم وقوفه إلى جانب ترامب، «بدأ عملياً بالتنصّل من الخطة عبر اشتراطاته الكثيرة»، محذّرة من أن «هذه الاشتراطات قد تؤدّي إلى إفشال الاتفاق فعلياً». وفيما رأى الصحافي عميت سيجال أن «الخطة تحقّق كل أهداف الحرب الإسرائيلية لكن لا تلبّي طموحات اليمين»، نقل موقع «واللا» عن مصادر إسرائيلية «وجود قلق داخل معسكر اليمين من الصفقة التي يروّج لها ترامب».
وفي المقابل، تسلّم وفد «حماس» المفاوض، مساء أمس، النصّ الرسمي للمشروع الأميركي – من الوسيطين المصري والقطري -، الذي أعلنت الحركة أنها ستدرسه «بمسؤولية وبحسن نيّة».