syriahomenews أخبار سورية الوطن
| سعيد محمد
يواجه رئيس الوزراء البريطاني الجديد، ريشي سوناك، والذي يُعدّ الثالث خلال شهرَين، أوّل اختبار له خلال أقلّ من أسبوع، لدى تقديم حكومته ميزانيّة موجزة، يُعتقد أنها ستنحو في اتّجاه فرْض برنامج تقشّف مؤلم لخمس سنوات، فيما تتراكم ملفّات واستحقاقات عديدة حاسمة على مكتبه، تبدأ من الحرب في أوكرانيا، ولا تنتهي عند رغبة الإسكوتلنديين المعلَنة في تنظيم استفتاء جديد على الاستقلال
لندن | مع انسحاب بوريس جونسون وبيني موردونت، من السباق لخلافة رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة، ليز تراس، فاز وزير الماليّة الأسبق، ريشي سوناك (42 عاماً)، بالمنصب بالتزكية، ما أهّله ليصبح أصغر رئيس وزراء للبلاد في العصر الحديث، وأوّل زعيم لـ«المحافظين» غير أبيض (من أبوَين ينحدران من الأقلّيات الهندية المقيمة في شرقي أفريقيا)، وثالث رئيس وزراء للملكة المتحدة في غضون شهرَين. وعلى إثر ذلك، التقى سوناك، الملك تشارلز الثالث، الذي كلّفه رسميّاً بتشكيل الحكومة، ليشرع الأوّل في اتصالات مع أعضاء حزبه الذين اختارهم لحمْل الحقائب الوزارية. وألقى الرئيس الجديد خطاباً في مقرّ حزبه استمرّ لـ84 ثانية فقط، ردّد فيه شعارات عامّة، متعهّداً بضبط الاقتصاد من دون طرح أيّ تفاصيل حول الكيفية التي يعتزم بها مواجهة مصاعب كارثية تعاني منها المملكة المتحدة في هذه المرحلة.
تصعيد سوناك بهذه الطريقة الملتبسة، حتى من دون منافسة داخل حزبه ومن غير قيامه بطرح برنامج سياسي/ اقتصادي محدّد، أثار حفيظة قطاعات عريضة من البريطانيين، الذين اعتبروا تداول السلطة بين نُخبة محدودة فقدت تفويضها الشعبي، أمراً بعيداً عن روح النظام الديموقراطي. ومن هنا، سارع حزبا المعارضة الأكبر، «العمل» و«الليبراليون الديموقراطيّون»، إلى المطالبة بإجراء انتخابات عامّة استثنائية تُعقد فوراً، لكن نداءاتهما ذهبت أدراج الرياح. وفي المقابل، أعرب ممثّلو مصالح السوق ورأس المال، في تصريحات ومواقف متقاطعة، عن ارتياحهم لتولّي أقلّ قيادات «المحافظين» سوءاً رئاسة السلطة التنفيذية، لكنهم حتماً سيظلّون في انتظار خطواته التالية للخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد البريطاني. وفيما دعت صحف العاصمة، سوناك، إلى العمل بسرعة لاستعادة الثقة بسُمعة بريطانيا المالية، التي انهارت خلال الأسابيع القليلة الماضية، فقد جاءت استجابة الأسواق الأوّلية لفوز الرئيس الجديد غير سلبية، وإنْ بقيت طوال يومَي الإثنين – الثلاثاء في نطاق حذر، في أعقاب العاصفة التي أطاحت حكومة تراس، وتسبّبت في اهتزاز الثقة بقدرة المملكة المتحدة على التعامل مع انعكاسات حال الركود الاقتصادي التي ألمّت بالعالم. ولن يكون الاختبار الأوّلي للحكومة الجديدة بعيداً، إذ يُفترض أن تقدّم لمجلس العموم ميزانية موجَزة بديلة من ميزانية تراس يوم الإثنين المقبل، أي قبل موعد انعقاد مجلس بنك إنكلترا المركزي بثلاثة أيّام لتحديد مستوى الفائدة.
يسود مناخ من التوتّر أوساط «المحافظين» بسبب انهيار التأييد الشعبي لهم إلى أقلّ من 20 في المئة
وتَمثّل أوّل قرار اتّخذه سوناك بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، في تثبيت جيريمي هانت، وزير مالية آخر أسبوع من عمر حكومة تراس المستقيلة، في منصبه. وكان هانت قد أسقط معظم السياسات الاقتصادية التي تبنّتها الرئيسة السابقة، وعمل لعدّة أيام على إعداد ميزانية موجَزة جديدة، تتضمّن خططاً لتغطية عجز في الموازنة العامة يُقدَّر بـ40 مليار جنيه على الأقلّ. ويأمل «المحافظون» في أن ينجح ثنائي سوناك – هانت في طمأنة الأسواق، وبالتالي خفْض تكلفة الاقتراض السيادي للدولة البريطانية، والتي زادت بعد إعلان حكومة تراس تكلفة اقتراض تفوق تلك الخاصّة بدول شبه مفلسة مِن مِثل إيطاليا واليونان، إلى جانب ارتفاع تكلفة الرهون العقارية في المملكة إلى مستويات قياسية، وتراجُع قيمة الجنيه الإسترليني أمام الدولار الأميركي إلى أدنى أرقامها تاريخياً.
ويُعتقد، الآن، على نطاق واسع، بأن هانت سيقترح مزيجاً من الزيادات الضريبية والقيود الصارمة على الإنفاق العام، كجزء من برنامج تقشّفي مؤلم مدّته خمس سنوات، سعياً لاستعادة السيطرة على الديون المتراكمة. وسيعني ذلك، بالضرورة، ضغوطاً مضاعفة على الطبقة العاملة التي انخفض مستوى أجورها إلى أقلّ ممّا كان عليه قبل خمسين عاماً، بسبب التضخمّ والارتفاع الجنوني للأسعار منذ بدء الحصار الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة – وتدعمه بريطانيا – ضدّ روسيا. وتسيطر حفنة من تحالف الأثرياء البرجوازيين والأرستقراطيين على موارد المملكة، بينما يعيش أكثر من ربع السكّان دون خط الفقر، ولا يحصلون سوى على وجبة واحدة في اليوم. وقد ساءت أوضاع أكثريّة البريطانيين مذْ شرع «المحافظون» في تطبيق سياسات تقشّف قاس إثر تَفجّر الأزمة المالية العالمية نهاية العقد الأوّل من القرن الحالي، فيما يبدو أكيداً اليوم أن مزيجاً من تمديد سياسات التقشّف تلك، تزامناً مع الارتفاعات الفلَكية في أسعار الغاز والكهرباء والمحروقات، سيدفع بقطاعات إضافية من منسوبي أدنى الطبقة الوسطى إلى حدّ الفقر، وسيُعمّق آلام الطبقات العاملة، والعاطلين عن العمل، والمهمّشين.
ويُعدّ سوناك من ضمن فريق «الصقور» بشأن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وهو يَعتبر الصين «تهديداً هائلاً لأمن بريطانيا القومي»، وكان تعهّد لزملائه في الحزب ببناء «تحالف جديد على غرار حلف شمال الأطلسي» ضدّ ما سمّاه «طموحات بكين التوسّعية»، فيما يُعتبر أيضاً من أصدقاء إسرائيل المخلصين داخل نادي النُخبة البريطانية. لكن، على رغم اتّساع دائرة تأييده بين نواب الحزب الحاكم في مجلس العموم، يظلّ شخصية مثيرة للجدل، ومغضوباً عليه من قِبَل أتباع تراس وجونسون، الذي يُعتبر مسؤولاً عن إسقاطه بسبب تقديمه استقالته. ولذا، قد يلجأ هؤلاء إلى لُعبة التآمر المعهودة للتخلّص منه، إن هم أحسّوا باهتزاز الحكومة في أيّ وقت. ويسود مناخ من التوتّر أوساط «المحافظين» بسبب انهيار التأييد الشعبي لهم إلى أقلّ من 20 في المئة بحسب استطلاعات الرأي، ما يهدّدهم بفقدان السلطة في الانتخابات العامة التالية – بعد سنتَين – لمصلحة حزب «العمل» المعارض. ويخشى دهاقنة «المحافظين» من أن يكون سوناك، بالفعل، آخر أوراقهم لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي خلّفتها سياساتهم في السلطة طوال أكثر من عقد، ولذا، فإن سقوطه لأيّ سبب قد يضعهم في مناخ ضاغط للدعوة إلى انتخابات استثنائية تطيحهم مبكراً. لكن السيطرة على نواب الحزب في مجلس العموم تكاد تكون مفقودة، فيما لا يُستبعد أن يحاول جونسون وأنصاره تصيّد هفوات الرئيس الجديد، ودفعه من حافة السفينة أنّى تسنّى لهم ذلك.
