د. سلمان ريا
أعلنت بريطانيا رسمياً اعترافها بدولة فلسطين، في خطوة تاريخية لم تحدث منذ وعد بلفور. القرار يعيد تسليط الضوء على مسؤوليات لندن تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي وسط ضغوط دولية وأوروبية متزايدة على السياسات الإسرائيلية، وفي سياق إعادة تقييم شامل لمسار الشرق الأوسط، بما في ذلك المخاطر المرتبطة بتنامي نفوذ جماعات الإسلام السياسي في أوروبا.
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بريطانيا أضافت بعداً استراتيجياً للقرار، إذ تعكس التحركات الغربية الحاجة إلى إعادة ضبط العلاقة مع إسرائيل ومسارها السياسي الإقليمي. ورغم الطابع الرسمي للزيارة، فإن توقيتها يعكس اهتماماً بالغاً بموازين القوى والتحولات الإقليمية، دون وجود دلائل علنية على أن الاعتراف البريطاني جاء نتيجة مخطط إسرائيلي محدّد.
يمتد الدور البريطاني في فلسطين إلى حقبة الانتداب (1920–1948) ووعد بلفور عام 1917، الذي دعم إقامة وطن قومي لليهود. خلال تلك الفترة شجعت بريطانيا الهجرة اليهودية، ما أدى إلى توترات وصراعات عنيفة، أبرزها ثورة البراق عام 1929. لاحقاً اعترف سياسيون بأن الوعد تسبب في “ظلم تاريخي” للفلسطينيين. الاعتراف الحالي يبعث برسالة سياسية رمزية قوية تؤكد التزام بريطانيا بالحقوق الفلسطينية، وتعيد تأكيد أهمية حل الدولتين كإطار لاستقرار المنطقة.
القلق الأوروبي من نشاط جماعات الإسلام السياسي الذي يزداد يوماً بعد يوم، دفع بعض الدول إلى خطوات احترازية للحد من نفوذها، بما في ذلك دراسة حظر الجمعيات المرتبطة بها. في هذا الإطار، يبدو الاعتراف البريطاني جزءاً من استراتيجية غربية أوسع لإعادة ترتيب أولويات الشرق الأوسط وموازنة النفوذ الإقليمي وفق حسابات الأمن والاستقرار.
تداولت بعض الروايات غير المؤكدة عن مخطط إسرائيلي لتوظيف بعض الجماعات كأداة نفوذ عالمي، لكن المصادر الموثقة لا تثبت هذه المزاعم. والمؤكد هو حجم الانتقادات الدولية للسياسات الإسرائيلية والأميركية، خصوصاً فيما يتعلق بمحاولات تهجير سكان غزة، والتي قوبلت بمعارضة أوروبية حادة ووصفت بأنها انتهاك للقانون الدولي وتهديد للاستقرار الإقليمي.
اعتراف نحو 149 دولة بدولة فلسطين، بما فيها بريطانيا حديثاً، يعزز الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة لقبول حل الدولتين، لكنه لا يغير الواقع على الأرض، إذ تظل السيطرة الإسرائيلية قائمة على معظم أراضي الضفة الغربية والحصار مستمراً على قطاع غزة.
في النهاية، يمثل الاعتراف البريطاني تحولاً دبلوماسياً واستراتيجياً مهماً، ويجسد إدراك الغرب للحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات الشرق الأوسط مع مراقبة دقيقة للتطورات السياسية والأمنية. وبين الحقائق الموثقة والتكهنات غير المثبتة، يبقى الثابت أن المنطقة مقبلة على تحولات استراتيجية كبرى، وأن بريطانيا وواشنطن في قلب هذه الديناميكيات، فيما تتابع دمشق والعواصم العربية الأخرى بحذر مسار هذه التحولات الحاسمة.
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)