سعيد محمد
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن بلاده بدأت بنقل طائرات وأصول عسكرية أخرى إلى الشرق الأوسط، رافضاً استبعاد المشاركة في عمليات الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية، وذلك على الرغم من تهديد طهران الصريح بأن مثل هذا العمل من شأنه أن يؤدّي إلى استهداف الوجود العسكري البريطاني في المنطقة. وفي معرض حديثه إلى الصحافيين على متن الطائرة التي أقلّته إلى كندا لحضور قمّة مجموعة الدول السبع الغربية الكبرى، قال ستارمر، لدى سؤاله عن ردّ فعله على تهديدات إيران ضدّ قواعد أيّ دولة غربية قد تتدخّل في الحرب لدعم إسرائيل: «من الجليّ أن هذه قرارات تشغيلية، والوضع مستمرّ ويتطوّر، وبالتالي لن أخوض في التفاصيل الدقيقة، لكننا بالفعل ننقل أصولاً عسكرية إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك الطائرات، وهذا لدعم قدرتنا على التعامل مع الطوارئ في المنطقة».
وبحسب مصادر في «10 داونينغ ستريت»، فإن عملية نقل الأصول تشمل طائرات مقاتلة من طراز «تايفون إف جي آر 4»، وأخرى للتزوّد بالوقود في الجو من طراز «فوياجر»، على نحو يسمح للقوات البريطانية بالعمل في مسرح العمليات عبر الشرق الأوسط كلّه، في حال استدعت الأمور ذلك. وعُلم في لندن أن هذه الاستعدادات شُرع بها توازياً مع إطلاق الكيان العبري هجومه الغادر على مواقع الدفاعات الجوية الإيرانية والبرنامج النووي وعمليات اغتيال كوادر القيادات العسكرية العليا (صبيحة الجمعة الماضي).
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت المملكة المتحدة تعتزم المشاركة في صدّ الضربات عن إسرائيل، لم ينفِ ستارمر ذلك، قائلاً: «سأتّخذ دائماً القرارات المناسبة للمملكة المتحدة». لكنه أضاف: «لقد أجريت محادثة جيّدة وبنّاءة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس (الجمعة)، وشمل ذلك مناقشات حول سلامة وأمن إسرائيل، كما هو الأمر المتوقّع بين حليفَين»، مكرّراً لازمة أن لندن لديها «مخاوف طويلة الأمد» في شأن البرنامج النووي الإيراني، وتعترف دائماً بـ»حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس».
وبحسب قناعة مشتركة بين صحف لندن، فإن المملكة المتحدة لم تشارك حتى الآن مباشرة في الأعمال العسكرية الجارية، سواء الهجمات على إيران، أو الدفاع عن إسرائيل، لكنّ قواتها كانت شاركت من قواعدها في العراق والأردن وقبرص وقطر على نحو فاعل في التعامل مع المُسيّرات والصواريخ الإيرانية، في نيسان وتشرين الأول من العام الماضي. ويقول موقع بريطاني متخصّص بالطيران العسكري، إن طائرة أميركية وأخرى تابعة لسلاح الجوّ الملكي البريطاني، من طراز «RC-135W Rivet Joint» تتبع السرب 51، أقلعتا من قاعدة «العديد» في قطر بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تتجه نحو إيران لشنّ أولى هجماتها صباح الجمعة.
وشوهدت طائرة سلاح الجو الأميركي على رادارات الطيران، وهي تقوم بدوريات مقابل الساحل الإيراني، فيما يبدو أن طائرة سلاح الجو الملكي البريطاني كانت تستخدم الوضع المشفّر لجهاز الإرسال والاستقبال، وهو ما يفسّر عدم وجود معلومات للعموم عن أنشطتها في ذلك الوقت. وتكهّنت صحيفة «صن» اليومية اللندنية، بأن الطائرة البريطانية كانت توفّر الدعم لحاملة الطائرات البريطانية «برينس أوف ويلز» والقوّة البحرية الضاربة المرافقة لها في الجوار.
وتتمركز قوات بريطانية في قاعدة «عين الأسد» (غرب العراق)، كما تشارك ضمن بعثة لـ»حلف شمال الأطلسي» في تدريب القوات العراقية، وقوات «البيشمركة» الكردية. وهناك أيضاً وجود لقوات بريطانية خاصّة تعمل في شمال شرق سوريا مع الأميركيين و»قوات سوريا الديمقراطية»، لكنّ أكبر وجود لها في الشرق العربي يتركّز في الأردن، حيث تحتفظ بهيكلية تدريب ضخمة يتم من خلالها إعداد كوادر عسكرية سواء أردنية أو غيرها من المجموعات التي تدعمها لندن في المنطقة، بالإضافة إلى وجود قوات جويّة، وطائرات استطلاع، ومنصّات للمُسيّرات.
وتحتلّ بريطانيا أراضيَ في قبرص، شرق البحر المتوسط، أقامت عليها قواعد عسكرية، أبرزها: أكروتيري (قاعدة جوية ضخمة تابعة لسلاح الجو الملكي تُستخدم لانطلاق الطائرات الحربية، وطائرات التجسّس، وطائرات النقل وتلعب دوراً مهمّاً في الرصد ودعم العمليات العسكرية في شرق المتوسط، وخصوصاً ما يتعلق بلبنان، وسوريا، والعراق، ومصر، والأراضي الفلسطينية المحتلة)؛ وديكيليا (قاعدة بريّة فيها قوات مشاة ووحدات هندسة، وتخدم كنقطة دعم لوجستي إقليمي ومقرّ للتدريبات ومركز للاحتجاز الأمني).
أمّا في منطقة الخليج، فتنتشر قوات بريطانية ضمن قاعدة «العديد» العسكرية الأميركية الضخمة في قطر (تستضيف طائرات مقاتلة وأخرى للقيادة والتزوّد بالوقود في الجو لدعم عمليات الجيش الملكي في الخليج والعراق وسوريا)، وأيضاً في القاعدة البحرية في ميناء الجفير/ سلمان (أقدم قاعدة دائمة لبريطانيا شرق السويس منذ عام 1971، والتي تستضيف الأسطول الملكي في الخليج، وتشكّل مركزاً استراتيجيّاً مهمّاً).
وهناك كذلك تعاون عسكري واستخباري وثيق مع كل من الإمارات والسعودية وعمان، فيما تُستخدم الكويت كنقطة متقدّمة لجمع المعلومات الاستخبارية عن النشاطات في إيران، والعراق، والخليج، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وثمة قوات بريّة ضمن معسكر عريفجان الأميركي في الإمارة التي وقّعت اتفاقات ملزمة تمنح بريطانيا الحقّ في مركزة طائرات مقاتلة أو استطلاعية في حالات التوتّر الإقليمي.
وسوى مكالمته الهاتفية مع نتنياهو، يقول صحافيون ضمن الوفد المرافق لستارمر إن رئيس الوزراء أجرى مكالمات في شأن الأوضاع في الشرق الأوسط في الساعات الأولى لبدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، مع كل من الرئيس الأميركي، وطرفَي التحالف الثلاثي الأوروبي (بريطانيا – فرنسا – ألمانيا)، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريك ميرز. ولاحقاً (بعد ظهر السبت)، اتصل بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. ووفقاً لمصادر رئاسة الوزراء في لندن، تركّزت تلك المكالمات حول البحث في سبل لـ»خفض التصعيد».
وأشار ستارمر أيضاً إلى أن وزير خارجيته، ديفيد لامي، أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني، عباس عراقجي، دعاه فيها إلى تجنّب التصعيد. وقال: «قناعتي أنّنا عندما نصل إلى قمّة مجموعة السبع، سيكون هناك تبادل مكثّف لوجهات النظر، حيث لدينا مخاوف طويلة الأمد في شأن البرنامج النووي الإيراني، وندعم حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهذا أمر يتطلّب التعامل معه، تهدئة التوترات»، منبّهاً إلى احتمالات التصعيد على نطاق أوسع في الإقليم، وانعكاسات ذلك على العالم، «ولقد رأينا التأثير بالفعل على الاقتصاد وأسعار النفط «.
وإلى جانب الولايات المتحدة، تشارك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان في قمّة القوى الغربية السبع الكبرى، بالإضافة إلى ضيوف مراقبين من المكسيك، والهند، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل. ويخشى الزعماء الذين توافدوا إلى كندا، أمس، من المخاطر الأمنية والاقتصادية العالمية إذا تصاعد هذا الصراع، أو توسّع، ولا سيما لناحية ارتفاع أسعار النفط واحتمالات تأثّر الإمدادات من منطقة الخليج. لكنّ جميعهم يدركون أن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة التي تتمتّع بنفوذ حقيقي على إسرائيل.
وتوقّع خبراء أن تحاول كندا لململة تباين المواقف بين الحاضرين في شأن أحداث الأيام الثلاثة الماضية، وإصدار بيان ختامي هلامي توافقي، بعدما كان الرئيس الأميركي وصف الضربات الإسرائيلية على إيران بـ»الممتازة»، فيما أيّدتها ألمانيا، ودانتها اليابان، على لسان رئيس وزرائها شيجيرو إيشيبا، الذي وصفها بـ»غير المقبولة» و»المؤسفة للغاية»، ودعت بريطانيا وفرنسا، من جهتهما، إلى التهدئة. كما ثمة تحفظات لدى بعض الضيوف، من مثل البرازيل وجنوب أفريقيا.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار