جورج عيسى
اِنقلبت الأدوار. “التهديد الذي أقلقُ بشأنه على الأكثر حيال أوروبا ليس روسيا، ليس الصين، ليس أي عامل أجنبي آخر. ما أقلقُ بشأنه هو التهديد من الداخل، تراجع أوروبا عن بعض أهم قيمها الجوهرية”.
اجتاز نائب الرئيس الأميركي المحيط الأطلسي ليطلق هذا التصريح، بالتحديد في مؤتمر ميونيخ للأمن، بينما كان الأوروبيون يبحثون عن مؤشر طمأنة من الإدارة الجديدة.
يمكن مقارنة كلام فانس بكلام وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أيضاً في مؤتمر ميونيخ للأمن: “لطالما رأت الصين في أوروبا قطباً مهماً في عالم متعدد الأقطاب. الطرفان هما شريكان لا خصمان”.
يبدو أن الصين تخلت عن “ديبلوماسية الذئب المحارب” بعدما رأت أضرارها على علاقاتها الدولية، فقط كي تلتقطها إدارة ترامب وتضرب بها حليفها السابق. وفيما استبعدت أميركا أوروبا عن المفاوضات لوقف إطلاق النار في أوكرانيا الأوروبية، دعا وانغ إلى منح أوروبا مقعداً إلى طاولة التفاوض.
طبعاً ليست كل الكلمات الصادرة عن المسؤولين الصينيين تجاه أوروبا تحمل لباقة وانغ. لكن على الأقل، كان منطقياً أن يسمع الأوروبيون نقداً أكثر قسوة من الصينيين لا من الأميركيين. ومنذ الخطاب الشهير في مؤتمر ميونيخ للأمن، واصل ترامب والمسؤولون المقربون منه إعلان أن الولايات المتحدة ستسيطر على غرينلاند، كما واصلت الإدارة التقرب من روسيا وتهديد أوروبا بتعريفات جديدة “أوسع بكثير من تلك المخطط لها راهناً”. وكان ترامب قد فرض يوم الأربعاء رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على السيارات المستوردة مما يصيب قطاع السيارات في أوروبا بأضرار كبيرة. علاوة على كل ذلك، لا تزال النبرة الاستعلائية لفانس تجاه أوروبا والتي كشفت عنها محادثة “سيغنال غيت” الشهيرة تثير قلق الأوروبيين من الانفصال التي يزداد تسارعاً كل يوم.
انفتاح مبدئي
تشعر الصين بأنها أمام فرصة نادراً ما تتكرر – على الأقل خلال السنوات التي لا يشغل فيها ترامب البيت الأبيض – للتقرب من أوروبا. يوم الخميس، قال نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هي ليفنغ لمفوض التجارة الأوروبي ماروس سيفكوفيتش خلال لقائهما في بكين، إن الصين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي لحماية النظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف.
وفي كانون الثاني (يناير)، تحدث الرئيس الصيني شي جينبينغ مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا مشيراً إلى أن 2025 تمثل السنة الخمسين لتأسيس العلاقات الديبلوماسية بين الصين والاتحاد الأوروبي واصفاً إياها بأنها “نقطة استمرار ونقطة انطلاق جديدة في آن”. رد كوستا بإبداء رغبة بالعمل مع الصين لتأسيس “مستقبل أكثر إشراقاً” للعلاقات الثنائية.
وقال السفير الأميركي في ولاية أوباما الثانية إلى الاتحاد الأوروبي أنتوني غاردنر إن سياسة ترامب وخطابه يدفعان دول الاتحاد إلى إعادة دراسة علاقتها مع الصين.
صعوبات
خضعت شركة “إيه إس إم إل” الهولندية لضغط كبير من إدارة بايدن كي تشارك في حظر صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين. قد تتراجع الشركة عن هذه الضوابط في حال صعّد ترامب حربه التجارية على بروكسل. بذلك، سيدمر ترامب بضربة واحدة تقريباً ما بناه بايدن طوال أعوام. وليس أدل على معاناة إدارة بايدن في دفع أوروبا إلى تبني سياسة أقسى تجاه الشركات الصينية الداعمة لروسيا من أن بروكسل انتظرت حتى الجولة الخامسة عشرة من العقوبات في كانون الأول/ديسمبر 2024 كي تبدأ بفرض بعض العقوبات المشددة على تلك الشركات.
وهنالك أيضاً التحدي الوجودي التي تمثله صناعة السيارات الصينية لنظيرتها الأوروبية الأمر الذي دفع بروكسل إلى فرض رسوم على السيارات الكهربائية الصينية. وتفكر بروكسل في فرض متطلبات على الاستثمارات الصينية في أوروبا مثل نقل التكنولوجيا الصينية وخصوصاً الخضراء منها. باختصار، وكما كتب محلل شؤون آسيا في “دراغومان” هنري ستوري، طالما تبقى الصين مصرة على تعزيز الاكتفاء الذاتي والإنتاج عوضاً عن الاستهلاك، ستضيق الفرص الاقتصادية أمام المصنعين الأوروبيين.
مع ذلك، ربما لا تجد أوروبا أمامها بديلاً سوى التراجع عن رسومها الجمركية بحسب المدير الإداري في شركة “تينيو” الاستشارية غابريال ويلدو.
مرتاحة نسبياً
رأت مديرة مركز أبحاث الصين في مؤسسة “راند” الأميركية جود بلانشيت أن سياسات ترامب توفر “نافذة قصيرة” لإصلاح علاقاتها مع القارة. تستطيع بكين لعب دور في تنمية أوكرانيا خلال مرحلة ما بعد النزاع، لكن لدى أوروبا مشكلة مع إمكانات التصنيع الفائقة لدى الصين وعدم قدرة الأخيرة على إبعاد نفسها عن موسكو. وفي حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، سيبدو أي تحسن في العلاقات الصينية-الأوروبية مراوغاً إذا انهارت الهدنة، كما كتبت.
ومن بين المشاكل التي قد تواجه أوروبا مع الصين أنها أكثر انقساماً مما ينبغي لتنفيذ سياسة موحدة تجاهها، أكان هذا الانقسام حاصلاً بين المفوضية والدول الأعضاء أو بين الدول الأعضاء نفسها. تدرك الصين أن استدارة أوروبا تجاهها لن تكون بالسرعة المطلوبة، هذا إن حصلت على الإطلاق. وربما لن تتوضح بداية أي مسار جديد للعلاقات بين الطرفين إلا بعد نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، على أفضل تقدير. لكن على العموم، وكما يرى تشارلز غرانت من “مركز الإصلاح الأوروبي”، عندما تتضرر سمعة الولايات المتحدة كما حدث في عدد من دول العالم، ستشعر الصين بالرضا.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار