نبيه البرجي
صدمتني ـ ولم تفاجئني ـ تعليقات ذلك النوع من السوريين الذي احترفوا لعق الأحذية , على مقاليّ الاثنين بعنوان”سوريون تحت خط الموت” , و”أيها الأسد … أين أنت ؟” .
كنت , وما زلت, وسأبقى (وأنا في الهزيع الأخير من العمر) عاشقاً لسوريا , وأهل سوريا , مثلما أنا عاشق للبنان , وأهل لبنان . لأدفع , غالياً , ثمن وقوفي الى جانب الرئيس بشار الأسد في حربه ضد المغول الجدد , كما ضد العثمانيين الجدد . ولقد تم توقيفي عن العمل كمدير لمكتب بيروت في جريدة “القبس” الكويتية التي كانت الأولى في العالم العربي حين كانت تصدر في باريس ولندن ابان عهد ذلك الصحافي (والسياسي) الرائع , والرؤيوي , محمد جاسم الصقر .
وكنت في ذلك الموقع على مدى 30 عاماً , حتى أن حاكماً عربياً مؤثراً أمر بمنعي من الكتابة في أي من صحف الخليج العربي , ولسنوات .
أحدهم الذي لم أكن أتوقع منه ذلك الكلام شكك بقولي ان الرئيس الراحل حافظ الأسد امتنع عن التوقيع على مشروع قانون يتعلق باجراءات ليبرالية في المجال الاقتصادي , كما لو أن الرئيس الكبير كان في كوكب آخر , ولم يكن يقرأ ما يكتب حول سوريا , وهوالذي كان يقول “لنبيه البرجي حزب في سوريا” . وكان مثل ملوك , ورؤساء آخرين , يقرأ مقالاتي في “القبس” (ليت جبران كورية وفايز الصايغ لا يزالان بيننا) . وللعلم فقط فان شقيق رئيس دولة عربية عذبني بالكهرباء من أجل سوريا . وها أنني أمنع من الدخول الى تركيا من أجل سوريا أيضاً , ولا استبعد , في ظل تلك العقلية , أن أمنع من الدخول حتى الى سوريا !!!
اسألوا وزير الاعلام السابق محمد سلمان , ما كان يقوله الرئيس حافظ الأسد عني , واسألوا الرئيس بشار الأسد لوقوفه الى جانبي حين اعترض أحد الأجهزة على مقال لي في جريدة “الثورة” حول “الدبيب الأميركي في المنطقة” عشية الغزو الأميركي للعراق .
غريب الهجوم علي بتلك الطريقة البشعة , بل والقذرة , بسبب مقالين كان يفترض أن يكونا صارخين أكثر , حول أنين السوريين . ذاك الأنين الذي يشق عباب السماء , ليصل الى الله …
لا يمكن لي أن اشكك بنزاهة , وبأخلاقية , الرئيس بشار الأسد . ولعلمكم فانه , كأي رئيس دولة يتلقى هدايا من نظراء له , بما في ذلك الثياب . للتو يبعث بهذه الهدايا الى السوق الحرة , لتحويل ثمنها , بالدولار , الى المصرف المركزي .
أولئك الذين كتبوا , باللغة الداعشية اياها , أغفلوا وقوفي الى جانب دمشق منذ أن بدأت عملي الصحافي , والى حد التشكيك في كفاءاتي , وفي مهنيتي ( لا تفعل ذلك سوى السلاحف) , وأنا الذي كانت مقالاتي تنشر في 27 صحيفة عربية , وكانت تقرأ من صانعي القرار , مثلما كانت تقرأ من الناس العاديين , الناس الطيبين الذين لا يتجولون في سراويل من يدمرون سوريا بالفساد , والتشبيح , في حين (ومن لا يعلم) أن الرئيس بشار الأسد منهمك في مواجهة تلك القوى الخارجية , وعلى راسها “المؤسسة اليهودية” , التي أعدت السيناريوهات الخاصة بتفتيت سوريا , كمدخل لتفتيت أكثر من بلد عربي .
هؤلاء الذين بالأدمغة العرجاء , وبالعيون العرجاء , لم يقرأوا كل ما كتبته دفاعاً عن سوريا . وكل ما فعلته الآن , والقوى الخارجية تراهن على تآكل الدولة من الداخل , انني نقلت آلام الناس , وفي كل المناطق , بما فيها تلك التي عرفت بولائها للنظام , وبتضحياتها الهائلة , بالأب , أو بالابن , أو بالشقيق , من أجل حماية الدولة في سوريا .
لأولئك الغربان البشرية أقول اسالوا عمداء كليات الاعلام الذين كانوا يدرّسون أسلوبي في الجامعات , واسألوا عن اطروحات الدكتوراه حول عناوين مقالاتي أو حول محتوى هذه المقالات .
اسالوا فقط ماذا طلبت من كبار المسؤولين السوريين على مدى أربعين عاماً . والكل يعلم أن مواقع وزارية , ونيابية , عرضت عليّ , لكنني رفضت . وكان هؤلاء المسؤولون يستقبلوني قبل الوزراء , والنواب , الذين كانوا يزحفون على بطونهم , وعلى ظهورهم , الى دمشق ..
عيب , عيب , أيها السادة , بمن فيهم أنت الذي بثقافة العناكب , وبذهنية العناكب , وبشخصية العناكب . عد الى أرشيف المؤسسة التي كنت تعمل فيها لترى كيف كنت أنتقد ممارسات بعض أركان النظام , في مقالاتي في جريدة “الثورة” , لتنقلها , باستغراب , وكالة الصحافة الفرنسية التي وصفتني بـ”الصحافي البارز” . وكانت صحيفة “النهار” اللبنانية تنشر ذلك . وكان الرئيس الكبير حافظ الأسد يأمر (أجل يأمر) بعدم حذف حرف واحد من مقالاتي .
ولقد كتبت في جريدة “الوطن” . اسألوا الاستاذ وضاح عبد ربه , وهو الاستاذ في المهنة , والاستاذ في الدور , عن مقالاتي .
ألم يلفتكم ـ أيها الغربان ـ مابثه تلفزيون العرعور الذي أفتى بقطع راسي , وتدخّل جهات أمنية لبنانية , وسورية , لحمايتي , وحماية صفحتي , حين كان تنظيم “داعش” يهددني بدفني حياً مع شعار الجمجمة والعظمتين ؟
ما يجعلني أطمئن أن الاتصالات التي أتتني , حتى من مسؤولين سوريين عرفوا بنظافة الكف وبنظافة الضمير , تزيدني ثقة بأن حملة الرئيس السوري لاجتثاث الفساد هي في اساس فلسفته السياسية لانقاذ سوريا والسوريين .
بشار الأسد ـ أيها الغربان ـ بحاجة الى القامات العالية لا الى لاعقي الأحذية !!
(سيرياهوم نيوز ٤-الديار)