- زياد غصن
- الجمعة 27 تشرين الثاني 2020
لم تغب البضائع الغربية عن واجهة بعض المحالّ التجارية، وإن كانت نسبتها أقلّ بكثير من السابق بفعل العقوبات والضغوط الاقتصادية على سوريا. وفي الوقت الذي تعاني فيه عمليات الاستيراد الرسمية من صعوبات جمّة، يُلاحظ أن طرق البضائع المهرّبة إلى داخل السوق السورية لم تنقطع
في المقابل، لا بدّ من الاعتراف بأن استمرار حضور البضائع الغربية في السوق السورية لا يعني أنها ما زالت تحتفظ بحصّتها السابقة؛ فإلى الصعوبات الناجمة عمّا تسمّيه دمشق “الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب” المفروضة عليها منذ بداية الأزمة، وإجراءات وزارة الاقتصاد الخاصة بترشيد الاستيراد، جعل تدهور سعر الصرف وتوازياً الوضع المعيشي لأكثر من 85% من السوريين من اقتناء هذه السلع حكراً على شريحة اجتماعية محدّدة. في هذا الوقت، تجد بعض الشركات والمنشآت الصناعية نفسها مجبرةً على الاستعانة بالسلع الغربية، إمّا لأن خطوط إنتاجها المستثمرة ذات منشأ غربي، أو لحاجتها إلى تقنيات عالية المستوى ومواد أولية ضرورية. هذا ما يذهب إليه أيضاً عضو غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، الذي يؤكد، في حديث إلى “الأخبار”، أنه بموجب تعليمات الاستيراد المعمول بها من قِبَل وزارة الاقتصاد، “يُسمح بالاستيراد من جميع دول العالم باستثناء ما هو ممنوع”. ويضيف إن “المواد والسلع الأوروبية الموجودة في السوق المحلية بشكل نظامي، هي إمّا سلع غذائية كالسمون الحيوانية ومشتقاتها والإضافات الغذائية، أو بعض الماكينات والعدد الصناعية وقطع تبديل السيارات وأصناف الخردوات والأدوات الصحية وغيرها”.
حرّك تقليص عدد السلع المسموح باستيرادها شبكات التهريب المنتشرة على مساحة البلاد
تُظهر البيانات الإحصائية الرسمية الخاصة بتركيبة التجارة الخارجية أن واردات سوريا من دول الاتحاد الأوروبي في عام 2018 شكّلت ما نسبته 9.6% من إجمالي قيمة الواردات السورية من جميع دول العالم، في حين لم تتجاوز قيمتها من الولايات المتحدة وكندا الـ 10 مليارات ليرة، وبنسبة إجمالية قدرها 0,3%. وتشير تلك البيانات إلى أنه من بين أهمّ عشرين دولة منشأ، استورد القطاع الخاص السوري منها في عام 2018، كان هناك خمس دول أوروبية هي: ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، رومانيا وإسبانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي احتلّت المرتبة الثانية عشرة. إلا أن العام التالي، 2019، والذي شهد تشديداً أميركياً للحصار الاقتصادي، حمل معه متغيّرات واضحة على صعيد خريطة الواردات السورية من الدول الغربية. وفي الوقت الذي خرجت فيه الولايات المتحدة من القائمة المذكورة، شهدت قيمة صادرات فرنسا إلى سوريا تراجعاً ملحوظاً بنسبة 51%، مقارنةً بالعام السابق. وبدت لافتة زيادة صادرات الدول الأوروبية الأربع الأخرى، إذ ارتفعت صادرات ألمانيا بنسبة 13%، وإيطاليا (23.4%)، ورومانيا (6.6%)، وإسبانيا (7.3%). هذه الأرقام، والتي يُعتقد أنها ستتأثّر بعد سريان “قانون قيصر” منتصف هذا العام، تخفي خلفها شجوناً ومعاناة كثيرة للمستوردين السوريين، سواء من حيث ارتفاع قيمة التكاليف، أو الإجراءات المعقّدة والمتبدّلة دوماً. فمثلاً، في مجال استيراد مستلزمات الصناعات الدوائية، يذكر رئيس “المجلس العلمي للصناعات الدوائية”، زهير فضلون، أن “استيراد مستلزمات الصناعات الدوائية بات موضوعاً متشعّباً. فهو مرتبط بقرار السماح بالاستيراد وتوفير القطع الأجنبي والقدرة على إجراء التحويلات البنكية التي أصبحت تكاليفها تشكّل، في ظلّ العقوبات الغربية، حوالى 60% من التكلفة الحقيقية. وهو في النهاية ما يطرح تساؤلات عن مدى القدرة على الاستمرار في ظلّ هذا الوضع لجهة الاستيراد، وتغطية التكلفة الفعلية، وقدرة المواطن الشرائية”.
اقتصاد الظلّ
حضور البضائع الغربية في السوق السورية يتعدّى بنود القائمة الرسمية للسلع المسموح باستيرادها، والتي تُمثّل في مجملها، بحسب مسؤول حكومي، مواد أولية وقطع تبديل تحتاج إليها الصناعة الوطنية وسلعاً غذائية. وعلى رغم تصنيفها ضمن قائمة “الممنوعات”، إلّا أن سلعاً وبضائع كثيرة وجدت طريقها إلى السوق السورية، وبأسعار خيالية، مثل الألبسة والأحذية وأدوات التجميل والأجهزة الكهربائية وغيرها. هذه البضائع “بمجملها تدخل إلى البلاد تهريباً”، بحسب عضو في غرفة تجارة دمشق. فتقليص عدد السلع المسموح باستيرادها بغية الحدّ من الطلب المحلي على القطع الأجنبي وتشجيع الصناعة المحلية حرّك شبكات التهريب المنتشرة على مساحة البلاد، والتي يسميها أحد أساتذة الاقتصاد “المافيات التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، أو الحديث عنها، على رغم أنها معروفة بالاسم”. وهذه الشبكات لم تكتفِ بتهريب المنتجات النهائية ومن مختلف دول المنشأ، بل تقوم أيضاً بتهريب مدخلات الإنتاج التي لا تُقدّم، بحسب الصناعي أسامة زيود، “أيّ قيمة مضافة باستثناء أنها وسيلة لتهريب القطع الأجنبي”. إذ إن 70% من مدخلات الإنتاج يجري تهريبها، وأولها الأقمشة. ويضيف، في حديث إلى “الأخبار”، إن “السوق المحلية مليئة بالمهربات من ألبسة، وأحذية، وأقمشة، ودخان، ومكياج، وغذائيات، وقطع غيار وغيرها، ولا يمكن حصر كمية تلك المهرّبات لأن طرق التوزيع، أو تغيير التيكت أو الشهادة كثيرة”.
على أن الأكثر خطورة في الظاهرة هو تهريب سلع وتقديمها للمستهلك على أنها ذات جودة عالية، ليتبيّن لاحقاً إمّا أنها متدنيّة المواصفات والجودة، أو أنها مقلّدة. وبحسب الاستشاري الاقتصادي، سعد بساطة، فإن “تأثّر المنشآت الصناعية بتداعيات الأزمة، من قبيل سوء طرق المواصلات، وتدمير الكثير من البنى التحتية، وتذبذب سعر الصرف، وما تسبّب به ذلك من إغلاق لكثير من المصانع ولا سيما في حلب وريف دمشق إلى جانب تهدّم بعضها، أوجد سوقاً مزدهرة بالمنتجات من مختلف الأنواع، وغالبيّتها مهرب”. ويضيف، في حديث إلى “الأخبار”، إن من “أهمّ ما يميّز المهربات هو المنافسة السعرية، وتدنّي الجودة، وعدم الالتزام بالمواصفات”. وفي هذا الإطار، يطالب الحكومة بمواجهة غزو المهربات “وإنشاء خلية أزمة للنهوض بالصناعة الوطنية، وتشغيل دوريات حماية المستهلك ضمن السوق، بعيداً من أيّ مصالح أو تجاوزات، وتحريك الجمارك العامة ولا سيما على الحدود، لا ضمن الدكاكين في المحافظات”.
ثمّة مَن يفضّل عدم التسرّع في إطلاق الأحكام العامة؛ فالحصار الاقتصادي الذي تتعرّض له البلاد يفرض أحياناً اعتماد طرق جديدة للتحايل على العقوبات بغية تأمين بعض احتياجات السوق المحلية الأساسية، للدفع بالعملية الإنتاجية وليس السلع الاستهلاكية، وهذا يدخل في دائرة عمل ما يسمّيه الباحث الاقتصادي، شامل بدران، “اقتصاد الظلّ الإيجابي في زمن الحرب”، حيث بإمكان هذا النشاط الاقتصادي أن يساعد على “تجنّب الأزمات الاقتصادية والالتفاف على العقوبات المفروضة، والقيام بدور المهدّئ الاجتماعي”. وهو يسهم كذلك، وفق بدران، “في استحداث الوظائف وتوليد الثروة، وتوليد الدخل للأسر المعيشية، وتوفير فرص عمل لفئة الشباب”.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)